صور ومشاهد من المسلسل العراقي (2)
بـقلم : يعقـوب الـقوره *
كانت ملامح صورة ما بعد الحرب التى تفترش واقع المنطقة في زواياه المختلفة تحمل كثير الكثير من رتوش لوحة مليئة بأطياف الوان يصعب تبين ابعادها او تبين حقيقتها حتى بعد انقشاع سواد غيوم ادخنة اسلحة الحرب التى طالما خيمت وغطت اجواء المنطقة والتى استعملت بكل انواعها ونوعياتها وبدون ادنى تردد من قبل طرفى الحرب ودون النظر لمدى ما كانت تمثله من خطر او اخطار على حياة الأنسان او البيئة ...كانت المؤامرة التى حاكت خيوطها القوى الأستعمارية وغطتها بكل اساليب واسلحة الخداع تمثل جزءا من (الأطياف الباهتة) التى تملأ لوحة المنطقة بعد الحرب ..بحيث صعب على الكثيرين قراءة ابعاد وملامح هذه المؤامرة....ذلك وبسبب الوهج الذى اطلقه النصر العراقى عربيا فى مواجهة النظام الأصولى الفارسى الذى لم يخفى اطماعه فى المنطقة منذ العهد الشاهنشاهى الذى سطا وبالقوة على الجزر العربية التابعة لدولة عربيه هى دولة الأمارات العربية المتحده .والتى رفض هذا النظام الجديد ايضا اعادتها بالرغم من كل الندائات العربية والدولية ..كان النصر : _
-- عراقيا ...بفعل العوامل التى توفرت له على اكثر الأصعدة ...
داخليا : كان تماسك الجبهة الداخلية عبر وخلال كل مراحل الحرب بفضل حزم وقوة صلابة القيادة السياسية العراقية فى ذلك الحين من اهم العوامل التى حددت المسار النهائى لها ..حيث استطاعت المحافظة على وحدة الجبهة الداخلية ودون ان تترك المجال لأى قوى داخلية من قوى دعوة الشرذمة الأقليمية او الطائفية بان تحدث او تتسبب بأى تصدع لهذه الجبهة .
عربيا : كان النصر يؤكد على المستوى العربى وخاصة الشعبي دور وقدر العراق الحضاري والتاريخي فى ان يكون جزءا من هذا الوطن العربي الكبير والممتد من الماء الي الماء وانه يمثل الحدود الشرقية لهذا الوطن والحارس لها ..حيث كان له دائما دوره القومي الواضح والأيجابي في كل التفاعلات والأحداث التي تمر بها وتشهدها بفعل موقعها الهام على خريطة العالم .. وهو ايضا ما زرع حب العراق فى قلوب الملايين من ابناء هذا الوطن فكان احتفاءهم واحتفالهم بانتصاره حقيقة لا يجادل فيها احد.
دوليا : ابدت القوى الدولية العالمية ارتياحها لهذا النصر العراقي الذي اسهمت فى تحقيقه بالدعم المتعدد الاشكال (ظنا) منها انها بهذا الدور الذي لعبته قد ضمنت على الاقل تحييد القوة العراقية بما اصابها من انهاك بسبب ظروف هذه الحرب وما تكلفته وما رتبت من التزامات باهظة ومرهقة لن يكون من السهل القفز من عليها بسبب ضرورات اعادة البناء لهياكل الدولة التي تأثرت بالحرب وما تحتاجه من اموال ...!!
لكن حسابات (بيدر) القيادة العربية العراقية كانت تختلف عن حسابات كل الاطراف المشاركة فى هذة اللعبة وهذا المسلسل..كان وهج هذا الانتصار قد فتح امام هذه القيادة اكثر من كوة لتحقيق طموحاتها من خلال استغلال ما افرزه هذا النصر من عوامل لصالحها وخاصة على المستوى الشعبي داخليا وعربيا..وهى الفرصة التى كان يتطلع اليها الرئيس العراقى صدام حسين ... بحكم طبيعة شخصيته الكارزمية الباحثة عن (الزعامة) قوميا ..حيث كان العالم العربى ..
- يعانى من فقدان هذه الشخصية الكارزمية على المستوى القومي بغياب الزعيم الخالد (جمال عبد الناصر) الذى كان له من المكانة ما كان بفضل ما كان يتمتع به من شخصية عظيمة ما زال صداها يتردد فى اعماق كل عربي.
- وكان "الفراغ" لهذه الشخصية قد ازداد اتساعا بعد انكشاف هشاشة شخصية معمر القذافي وخوائها قوميا وخضوعها لمرض اهوائه التي لا يمكن لاحد ان يتنبأ بها وهو ما اضر بالفكر القومي الذي كان القذافي يدعى تمثيله .
- وكان الفراغ الهائل الذى احدثه غياب مصر بكل ما تمثله من ثقل في ساحة السياسة العربية نتيجة قرار المقاطعة العربية بعد فعلة السادات الشائنة بزيارة القدس المحتلة وذهابه لكامب دفيد وتوقيعه علي صكوك الأستسلام اياها ..قد فتح اعين صدام حسين على حقيقة ضرورة ملء هذا الفراغ من خلال استغلال نتائج هذا الانتصار وما كان يمنحه اياه من شعبية على المستوى القومى .
وادركت القوى الأستعمارية ومعها قيادات الدول الخليجية التي رأت في تحركات وآراء صدام ما بعد الحرب خطرا ولو مستترا على كراسيها ومراكزها قد تزداد خطورته بحيث لن يكون فى استطاعتهم ايقافه وخاصة اذا استطاع النظام العراقى ان يعيد ترتيب اوضاعه الداخلية واعادة بنائها من جديد... وايضا من خلال بناء جبهة وطنية شعبية عربية تساند رغبات صدام حسين الزعيم المنتصر ...وكان لابد من التحرك ووضع الحواجز في طريق قطار هذا النظام المندفع وبلا تردد .
كانت عملية اللعب فى اسعار النفط وكميات انتاجه التى قامت بها الكويت ودولة الأمارات في ذلك الوقت هي الطعم الذي بلعته كلتاهما ودونما وعي وبدفع من الولايات المتحدة للتضييق والتأثير على خطط التنمية العراقية التى كانت فى امس الحاجة لأى اموال لأستكمال عملية البناء والتى كان استكمالها فى اى وقت يعنى تجديد دماء القوة فى جسد النظام العراقى بل ان السلطات الكويتية وبكل استغباء راحت تزيد الضغط على النظام العرقى من خلال مطالبتها له بضرورة الأسراع بتسديد الديون التى قدمتها للعراق خلال الحرب وهو ما مثل اكبر استفزاز لقيادة صدام حسين والذين يعودون لقراءة احداث التاريخ فى ذلك الوقت سيدركون ويعلمون كيف كانت ثورة صدام على هذه السلطات الكويتيه بسبب هذه التصرفات الخاطئة التي لم تعي خطورتها في مواجهة شخصية كارزمية مثل شخصية صدام ..الخارج من الحرب محققا نصرا لم يحرزه أي رئيس عربي اخر ..والباحث عن زعامة لم يدرك مداها احد..وهو ما نكأ جرحا وبابا عراقيا ظنت كثير من الدوائر السياسية العربية انه قد شفى وتم اغلاقه .
هذا الجرح او الباب الذي حاول عبد الكريم قاسم ان يفتحه ويدخل من خلاله لتحقيق (الفكرة - العقيدة) المزروعة في صدور الكثيرين من ابناء الشعب العراقي ..وهى ان (هذه) الكويت ليست إلا جزءا من التراب والأرض العرا قية... ولابد من اعادتها للوطن الأم ...لم تجد القوى الأستعمارية صعوبة في اشعال جمرات الشقاق والأحقاد بين ابناء الوطن الواحد ومن خلال مبدأها العتيد (فرق تسد) لتتحول هذه الجمرات الى السنة من لهب ونيران كانت تحملها الدبابات وحاملات الجنود العراقية وهي تعبر الحدود الكويتية لتصيب جسد الوطن العربى بأعلى درجات الحروق ..من خلال احتلال الكويت وما نتج عنه من احداث ونتائج ..ستكون حلقة فى مسلسل التآمر الأستعماري على الوطن العربى واقطاره واحدا بعد الأخر ,,ولتتعدد مشاهده على ارض الرافدين بمأساوية يصعب تصديقها ..
حتى الآن لأنها نعت بأيدينا نحن ابناء هذا الوطن ..وهو ما سيكون لنا حديث عنه فى سطور قادمه ؟؟!!
- تاريخ النشر : 13.09.2004 -
* يعقـوب الـقوره
عضو اتحاد الكتاب والاعلاميين العرب (كندا)
عضو اسرة تحرير صحيفة (اخبار العرب) تورنتو
|