صور ومشاهد من المسلسل العراقي ( 1)
بـقلم : يعقـوب الـقوره *
كم فى عالم المسرحيات والمسلسلات الكوميديه او الدراما التراجيديه الهابطة والتى تعرضها الشالشات في عالمنا العربى ، سواء منها الفضائية او الارضية ، ما يصيب المشاهد العربى بالملل او القرف مما يشاهد من مناظر واحداث وحركات تمثيلية مصنوعه ومصطنعة لا تحمل من المعانى الا معنى السخافة والابتذال فى مضمونها ومجرى الأحداث فيها .
مشاهد هذه الفضائيات لا يدفعه في الكثير من الأحيان للجلوس امام هذه الشاشة اوتلك الا اسم او عنوان براق لهذا المسلسل او هذه المسرحية ...او بعض الاسماء المشهورة والتى قد تكون قائمة بالادوار الرئيسية فيها ...وقد يدرك هذا المشاهد سخافة وهزال ما يرى منذ البدايات وخاصة حين يمعن النظر والتأمل ....او ان يقوم بعملية تحليل واعى لحقيقة مشاهد وفصول ما هو معروض امامه ...او ان يلجأ ولمزيد من التعمق لما يقوله الناقد والمفكر المؤهل بقدرات الناقد الحقيقي بعيدا عن بعض هواة وكتبة اللغو وأصحاب مهنة النقد الارتزاقى ممن يبرزون ويقفزون على سطح الكتابة والفكر والنقد كالطفيليات موهمين انفسهم ومحاولين ايهام الآخرين بأنهم فرسان الحرف والكلمة بينما هم ليسوا الا منتفعين من الظروف مستغلين لها والملاحظة الهامة والتى لا يمكن ان نغفل عنها ..ان انتشار مثل هذه المسرحيات او المسلسلات الهابطة والهزيلة لا يمثل ظاهرة عامة واضحة ومؤثرة الا فى اوقات السقوط والانحطاط التى تصيب مجتمع ما ودخوله ووقوعة فى منطقة التأزمات والانكسارات الوطنية والتى قد تكون نتيجة عوامل داخلية كقيام فوضى بعد عملية انقلاب عسكرى دموى
او خارجية كتعرض البلاد لغزو خارجى يكون من نتائجه احتلال البلد وتغيير نظامه السياسى بالقوة العسكرية....
ولعل ما شهده عراقنا العربى من احداث كبيرة وخطيرة منذ اواخر الثمانينات شاركت فى صنعها قوى واطراف متعددة ومختلفة ، دوليا وعربيا وداخليا ، كل طرف فيها لعب (دوره) المناط به عبر صور ومشاهد متعددة لمسلسل او مسرحية من مثل هذا النوع الهابط والمبتذل والذي لم يكن يحمل الا قيما من قيم القرصنة وسرقة اوطان الشعوب حيث استعملت تلك الأطراف حجج ومزاعم لم تستطع ان تقف على اقدامها الا بأستعمال اسلوب الارهاب العالمي ضد من يحاول ان يقف فى مواجهة مطالبها ورغباتها .
ولعل احدث فصول هذا المسلسل المتعدد الحلقات ما بدأ عرضه على شاشة الواقع العربى وشغل الرأي العام به (بغض النظر عن الرأي الايجابى او السلبى فيه) ، ذلك المشهد المتمثل في عرض صور ومشاهد
محاكمة الرئيس العراقى السابق صدام حسين والذى يمثل جزءا من السيناريو الذى كتبه واخرج الجزء الأكبر منه باباوات الاجرام والارهاب من زعامات الامبراطورية الجديده والتى ستغيب عنها الشمس يوما ما كما غابت عن سابقتها الإنجليزية التى كانت قد بدأت هي الأخرى بالتوسع والنمو على حساب شعوب ضعيفة وراحت تقتل وتسرق وتستغل الثروات دون وازع او ضمير وقد ساعدها على تنفيذ مخططاتها الإستعمارية ، عملاء باعوا ضمائرهم قبل ان يبيعوا شعوبهم ، تماماً وكما يحدث اليوم ولكأن التاريخ يعيد نفسه .
هذا المسلسل والذي بدأت حلقته الأولى بصور ومشاهد تلك الحرب المجنونه بين العراق العربي والدولة الايرانيه ، حيث عملت هذه القوى الاستعمارية بطريقة مباشرة او غير مباشرة وحفظا لتوازن استراتجيتها ومصالحها فى المنطقة على ضرب الاطراف التى بدت لها انها تمثل خطورة آنية او مستقبلية على هذه المصالح .
كان العراق وبفعل الطفرة الكبيرة فى مداخيله من عوائد سلعة النفط ومثل غيره من دول المنطقة التى استفادت من ارتفاع أسعار البترول ومشتقاته بعد حرب اكتوبر 73 ، قد اخذ يشق طريقه نحو البروز كقوة لها وزنها نتيجة خطط تنموية جريئة وكبيرة شملت كل اوجه الحياة فيه ...وكان العراق يهدف ويأمل بأن يلعب دورا قوميا هاما فى مسار وشؤون المنطقة من خلال استغلاله واستثماره لاكثر صور الانتماء
(للمكان)..!! ...فهو العراق العربى......وهو العراق الخليجيى .....وهو العراق المسلم......الى ما توفر له من امكانات بشريه تتمتع بتوفر الكفاءات العلمية والفنية والتى كانت ستضعه فى الصف الاول للدول النامية .......وفى ذات الوقت وعلى الحدود المتاخمة للارض العراقية والعربية قمقما سياسيا جديدا قد انفتحت طاقتة عن مارد جديد قد بدأ يطل برأسه فى المنطقه مندفعا بقوة بعد سنوات القهر الشاهنشاهى رافعا راية الدين والاسلمة الأصولية حالما هو الآخر بأحتلال مكانته فى اللعبة السياسيه ورغم المساحة التى احتلتها الثورة الخمينية فى الواقع الاسلامى الا انها واجهت معارضة شديدة كانت مستترة من قبل الأنظمة الرسمية فى المنطقة وخاصة لمبدأ تصدير الثورة والذى كان له أن يبث القلق والخوف فى قلوب اغلب قادة دول هذه المنطقة ...خوفا من محاولات بل امكانات التغيير الشامل للواقع السياسي لما
للدين من تأثير على شعوب المنطقة .
كانت هذه الدول الاستعمارية القابضة على الامور والثروة قد بدأت تتوجس من طموحات كل من العراق وايران وما قد يترتب على تلك الطموحات ومن ثم رغبة العراق وإيران في لعب دورهما القيادي في المنطقة ، من مخاطر على منابع النفط وخطوط مساراته فكان لابد من اشعال فتيل الفتنة وتأجيج نار جمرات الحرب التى ظن البعض انها قد خمدت عبر وخلال مراحل الصراع الذى اصبح يحمل صفة التاريحى ..... كان لابد من العمل على انهاك كلا القوتين ..فكانت الحرب التى استمرت اعواما حصدت ضمن ما حصدت الملايين من ارواح البشر بين قتيل ومفقود ومعوق كما استنفذت البلايين من ثروة الشعبين وثرواتهم....
وكما هو في الحياة حيث هناك الابيض والاسود....كذلك هو الحال بالنسبة للحروب ، فلا بد ان يكون هنالك غالب ومغلوب ....ونظرا لما كان يتمتع به العراق من عوامل الانتماء للمكان كما ذكرنا فقد بدات فى الشهور الاخيرة للحرب مظاهر وضرورات ان يكون النصر عراقياً ، فى محاولة لتكيع هذا البعبع وادخاله لحظيرة التدجين التى ترعى فيها كل قيادات المنطقة من قبله ..وفى نفس الوقت التخلص وقطع دابر مارد الخمينية الأصولية ,,,,,,فكانت الكثير من صور الدعم التى انهالت على بغداد لتحقيق النصر الضروري والمطلوب آنذاك .....وكان نصرا ....نصرا للعراق ...ولكل من قدم له الدعم ...ولكنه فى الحقيقة
لم يكن نصرا عاديا للقوى التى كانت تقبض وبقوة على دفة مركب الحكم فى العراق ......كيف ..!!
ولماذا ...؟؟!!
هذا ما سنحاول الاجابة عليه فى حلقة قادمه!!
- تاريخ النشر : 12.09.2004 -
* يعقـوب الـقوره
عضو اتحاد الكتاب والاعلاميين العرب (كندا)
عضو اسرة تحرير صحيفة (اخبار العرب) تورنتو
|