من تخلى الله عنهم
تاريخ النشر : 20/4/2002

في كل جريمة ترتكب تحدث أشياء بشعة وأشياء أخرى لا تحدث وهي الأكثر بشاعة مما حدث .
ما حدث في مخيم جنين من مجازر ودمار وإحتقار لكل ما هو بشري ليس إلا الجزء الصغير الملموس من المأساة ، أما ما لم يحدث فهو جل المأساة والجزء الأعظم منها .
فما لم يحدث مثلاً أن قطعت الحكومة المصرية او الأردنية وغيرها من حكومات طوق الحمامة ولو بشكل رمزي الكهرباء او المياه عن سفارة الكيان الصهيوني ولو لساعة واحدة بل على العكس من ذلك شددت حكومات البلدان المذكورة حراستها على السفارة ليشعر السفير الصهيوني بالأمن والأمان الذي إفتقده الناجين من محرقة مخيم جنين .
لم يحدث أيضاً ان سحب ولي العهد السعودي مبادرته التي كانت بمثابة الرصاصة الأولى على مخيم جنين ، وإنما ما حدث فعلاً هو ان زادت السعودية إنتاجها لبراميل النفط (رحم الله شهيد القدس الملك فيصل) .
لا اريد سرد ما لم يحدث فهو كثير كثير ... لكني سألقي الضوء على كلمات تناقلتها وكالات الأنباء لعجوز فلسطيني من سكان مخيم جنين وقف في وسط الدمار يشكر الله عندما تلقى نبأ العثور تحت الأنقاض على جثة زوجته وإبنته وإبنه الأكبر ، حينها أخذ الرجل العجوز يكرر الحمد لله ويقول : كنت فقدت الأمل في العثور على جثث افراد عائلتي ، لكن الله لم يتخلى عني ، الآن استطيع دفنهم واستطيع زيارة قبورهم حتى يجمعني الله بهم .
لقد صدق هذا العجوز الفلسطيني وكذب كل من يزعم ان الله تخلى عن سكان مخيم جنين .
صدق العجوز لأن موت المظلوم شهادة ولأن الشهداء هم الأحياء الوحيدون في زمن الأموات هذا .
إن من تخلى الله عنهم هم في الحقيقة عصابة الإثنى والعشرون خصياً، تلك الشرذمة العفنة والميتة ممن يطلقون على أنفسهم أصحاب الجلالة والفخامة والسمو ، فهؤلاء هم من تخلى الله عنهم وليس شهداء المخيم .

احمد منصور
إقرأ أيضاً :