أقـواس أخـرى مـن سيـرتـي الـذاتيـة

د . فـاروق مـواسـي

- الجـزء الخـامـس -

عـلقـة أخـرى


في 6 / 12 / 1991 كتبت مقالة في " القنديل " التي كانت تصدر في بلدك ، خاطبت فيها هؤلاء الواعظين في المآتم أن يكفوا عن ذكر البدهيات ، ، والإلحاح على أن الموت سيكون مآلنا ، فقلت " نحن بحاجة إلى من يثقفنا ، لا إلى من يذكرنا بالموت " وقلت " إن عظمة الإنسان بالذات وروعته تتأتى بسبب تناسيه الموت واستمراره بالعمل " وناشدت الوعاظ أن يفسروا لنا الآيات ويعرفوننا بقيم دينية وثقافية مختلفة بدلا من التركيز على ذلك .... (أعيد نشر المقال في كتابك " حديث ذو شجون " ، النهضة ، الناصرة ? 1994 ، ص 155)
أثار المقال أولا أحد زملائك ممن كانوا يعظون ، وظن أنك تقصده ، فأخذ يرغي ويزبد ويتحرش بك ، وكدت تتشابك بالأيدي معه ، ويعلم الله أنك لم تقصده ولم يكن في خاطرك ، وقد نسي هذا أن هناك من أثنى على المقال من بين رجال الدين بسبب القصد النافع من وراء المقال ، وخاصة صديقك أبو زامل الذي لا تأخذه في قولة الحق لومة لائم ، فأخذ يثني على المقال في كل حديث عنه .
ثم رد عليك الشيخ توفيق محمد عبد الجواد في (صوت الحق والحرية 13 / 12 / 1991) بمقالة تحت عنوان " عظة لواعظ الوعاظ " ، ومما ورد في مقالته :
" إن الثقافة والعلم والتفسير والإلمام بكل العلوم التي سبق ذكرها كله يبقى فارغًا دون معنى كالزبد يذهب جفاء إذا لم يكن مقرونًا ومدعومًا بالقلب السليم الخاشع والعقيدة الصافية التي يصلها الإنسان عن طريق معرفته لكُـنْـه الدنيا والآخرة والتذكير بالموت والاستعداد لدار الخلود ....فنحن جميعًا وأمتنا كذلك بحاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى من يذكرها بالموت ....." ثم أخذت الرسالة تذكّر بأحاديث تناولت " هادم اللذات " و بأنه الواعظ وكفى به .
تل ذلك نوع من الحصار ، فأنى توجهت كنت تجد منتسبًا للحركة الإسلامية في هذه القرية أو تلك قد عرفك واتخذ منك موقفًا ، فأنت قلت في قصيدة كذا - كذا وكذا والعياذ بالله ، وأنت .. وأنت ... ، وكنت تناقش أحيانًا أشخاصًا لا تعرفهم وتذود عن نفسك وتنكر طريقة فهمهم .
وصل الحال بفئة باغية أنهم أشاعوا أنك دست على الكتاب الكريم في الصف ، وأن الطلاب ضربوك ؛ والإشاعات لمن لم يمر بتجربتها تخرج الإنسان عن طوره ، فيحتاج آنًا إلى الهرب ، وآنًا إلى البكاء ، وأخرى إلى المجابهة الحادة والغضب .
ووصل الأمر بأحد الأئمة الشباب أن يحرض عليك في خطبة صلاة الجمعة ، ومن العجيب أنه من خاصة أقربائك ، فقد ادعى أنك قلت في الصف أن القرآن ليس كلام الله ، وأنه ليس معجزًا ، وأنه ...ولم يذكر اسمك ، بل ذكر صفاتك ، فالمعلم هذا - أيها المؤمنون - شاعر يعلم العربية منذ كذا سنة ، و قد أصدر كتبًا ، وووو يومها سألتك أمك وهي تبكي وتخشى على حياتك : أصحيح يا ولدي ما يقوله عنك الشيخ ؟!!
أغضبك ذلك جدًا ، فقررت التوجه هذه المرة للشرطة ، دون أن تقتنع أنها ستفعل شيئًا ، وبالفعل لم تجد الشرطة - كما ادعت - بينة أنك أنت المقصود .
وبقيت في إيمانك تردد " ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله" .
ومضت الأيام .

تاريخ النشر : 15:36 11.08.04
 الجـزء الرابـع