الجاليات الفلسطينية في أوروبا (2-3)
بحث وإعداد د.إبراهيم حمامي

د. إبراهيم حمامي

في الجزء السابق تناولت الظروف التاريخية للجاليات في أوروبا وخصائصها في أماكن التجمع الرئيسية، في هذا الجزء أستكمل بدراسة أسباب التراجع وأخطاء الماضي وعموميات النهوض بالجاليات.

مع إستثناءات بسيطة فإن الفشل هو العنوان الرئيسي المصاحب لهذه الجاليات، لا أعني هنا الفشل على المستوى الفردي ولكن الفشل على مستوى العمل المشترك وتفعيل دور الجاليات والتواصل بينها وبين الوطن الأم والقيام بالدور المنشود في التعريف بقضايانا العادلة وحشد التأييد لها والنهوض بالمستوى الثقافي والحضاري لأبناء الجالية والتأكيد على حق العودة خاصة أن معظم أبناء الجاليات إن لم يكن جميعهم هم بالأساس لاجئون.

أسباب الفشل والتراجع في أداء الجاليات :

يصعب تعميم أسباب الفشل والتراجع لخصوصية الجاليات التي سبق ذكرها ولكن هناك أسباب عامة تنطبق على الجميع دون إستثناء وتشمل:

  • إجترار الماضي والبكاء على الأطلال.


  • بمعنى رفض الإعتراف بإختلاف المجتمعات المضيفة مقارنة بالمجتمعات الأصلية وصعوبة الحياة في بدايتها حيث قد نجد أن فلسطينيا ناجحا في بلد الإقامة الأصلية في مجاله وتخصصه يضطر أن يصبح طالبا من جديد وهو ما لا يسهل إبتلاعه ليبقى ذلك الطبيب في أوهام النجاحات السابقة ةليصبح عدوا لكل ما حوله رافضا أية مشاركة في فعاليات أو غيرها.

  • تكرار الأخطاء وعدم الإستفادة من تجارب الآخرين.


  • هناك جاليات أقدم بكثير من الجاليات الفلسطينية عاشت نفس تجاربها وأخطائها وبعضها تجاوزها ومن المهم الإستفادة من تلك التجارب خاصة في عصر السرعة الذي نعيشه.

    أيضا هناك تجارب فاشلة متكررة داخل الجالية الواحدة والتي يصر أبناؤها على تكرارها بقصد أو دون قصد.

  • الإرث التنظيمي لأبناء الجالية الواحدة.


  • وهو ما أصبح واضحا بعد موجات الهجرة الأخيرة من الداخل المحتل ومن المخيمات حيث إحتفظ كل فرد من أبناء الجالية بالولاء لهذا التنظيم أو ذاك مع الإستعداد التام للدخول في مواجهات ومعارك مع الآخرين نصرة لتنظيمه أو إفشال كل عمل يقوم به الآخر لأنه ببساطة سيكون إنجاز لهذا الآخر!

  • الجمود القاتل في عقلية من يدعون القيادة.

    وفي بعض الأحيان الجهل! حيث نجد أن هناك من يتصدر للقيادة دون مؤهلات علمية أو شخصية قيادية وفي كثير من الأحيان جهل باللغة العربية ولغة الدولة المضيفة مما يؤدي إلى جمود ومقاومة للتغيير وإنعدام الإحترام لهذه الجالية.

  • إنعدام روح المبادرة والتطوير و التقليد الأعمى خاصة من قبل من يدعون قيادة الجاليات.

  • محاولة ربط الجاليات بالمؤسسة الرسمية.


  • وأعني هنا من يمثل السلطة - وهي حاليا سلطة أوسلو- حيث ربطت بعض الجاليات نفسها ومن خلال دساتير قديمة بالمؤسسة الممثلة للسلطة وهو ما يفقد هذه الجاليات الديناميكية المطلوبة وحرية الحركة والعمل ويقيدها بمواقف كثيرا ما تكون مرفوضة ومستهجنة.

  • إنعدام الإستقلالية في صنع القرار.


  • إما بسبب الربط بالمؤسسة السياسية الرسمية أو الربط المادي مع جهة أو فرد أو بسبب الضغوطات الرسمية وغير الرسمية.

  • عزوف الكثير من أبناء الجالية عن المشاركة الفاعلة فيها لأسباب منطقية أحيانا وغير منطقية أحيانا أخرى مما له التأثير على تمثيل هذه الجالية.

  • غياب من لديهم القدرة على القيادة والتوجيه.

  • تساؤلات وشكوك مستمرة عن مصداقية الجالية وشفافيتها مما يضعف الثقة فيها وبالتالي الإمتناع عن المشاركة في نشاطاتها أو قيادتها.


  • هذه الأسباب ليست بأي حال شمولية بل هي مفتوحة للتعديل والإضافة والبحث والتمحيص ولكن حتى ننصف أنفسنا ولا نجلدها وحتى لا يكون النقد لمجرد النقد لابد من الإقرار أن هناك بعض النجاحات والإيجابيات وإن كانت متفرقة وتعتمد بالأساس على شخص أو إثنين كتجرية الجالية الفلسطينية بالنرويج حاليا والتي كان لها تأثير على الحياة السياسية في ذلك البلد وفي مواجهة الهجمة ضد الفلسطينيين كوقوفها في وجه حملة الباص يوم 18/06/2004، كما أننا يجب أن لا ننسى وصول بعض أبناء الجاليات الفلسطينية إلى مواقع متقدمة نسبيا في الحياة السياسية بالدول المضيفة كوصول فلسطيني عام 2001 من قضاء نابلس للبرلمان الدنماركي على سبيل المثال.

    أيضا لابد من التذكير بمؤتمر فلسطينيوا أوروبا الأول من نوعه في برلين يوم 15/05/2004 تحت إشراف مركز العودة الفلسطيني والذي شارك فيه مندوبون عن 28 جالية فلسطينية في أوروبا وكان شعاره التمسك بحق العودة، وهو ما يعطي الأمل بإمكانية تجميع الجاليات المبعثرة هنا وهناك.

    دور الجاليات في أوروبا :

    يتميز الشعب الفلسطيني بوعي وإقتدار ثقافي وفكري إستحق على أساسه إحترام وتقدير كثير من الشعوب خاصة في الدول الأوروبية.

    يقع على الجاليات الفلسطينية في أوروبا مسؤولية ليست بالسهلة وتختلف عن الجاليات في مناطق الشتات لأسباب منها القرب الجغرافي النسبي، حرية التحرك والتعبير، سهولة التنقل بين الدول الأعضاء في الإتحاد الأوروبي وقدم تواجد بعض هذه الجاليات التي وطدت ذلك التواجد وأخيرا الإمكانات المادية المجتمعة إن سخر لها أن تجتمع.

    بشكل عام يمكن القول أن دور هذه الجاليات يتراوح بين النهوض بمستوى أبناء كل جالية ثقافيا وإجتماعيا وعلميا وسياسيا والتأكيد على الحقوق الثابتة وعلى رأسها حق العودة والتواصل مع الوطن السليب فلسطين والتفاعل مع الجاليات الأخرى والقضايا العامة التي تهم أبناء الجالية، يضاف إلى ذلك الإنخراط في الحياة السياسية للبلدان المضيفة والتحول إلى مجموعة ضغط خدمة لأبناء الجالية وقضاياهم.

    لو نظرنا لأحداث العام الحالي لوجدنا أن كل الجاليات تقريبا - مع إستثناءات محدودة- لم تقم بالدور المطلوب سواء على الصعيد المحلي الإجتماعي أو على مستوى القضايا الساخنة والحساسة وسأترك تفاصيل الدور والواجب المطلوبين للجزء الأخير من هذه الدراسة.

    عوامل النهوض بالجاليات :

    السؤال المهم: كيف يمكن إحياء الجاليات الفلسطينية في أوروبا والتي كاد دورها ينعدم والخروج من حالة التشرذم والتقوقع فالأحداث تتسارع وعجلة التطور لا تنتظر ولا وقت لدينا لإضاعته في صراعات هنا وهناك فقيادة الجالية ليست صراعا على مناصب أو تنافسا على الألقاب وليست "تشريف إنما تكليف".

    تطوير وإحياء الجاليات يتطلب وجود برنامج علمي ومهني واقعي قابل للتطبيق ويتطلب أيضا وقفة لمراجعة ومحاسبة الذات وصولا إلى مستقبل أفضل ضمن أساسيات تشمل:

  • تفادي أخطاء الماضي.

  • التنظيم الدقيق والإستفادة من التجارب السابقة.

  • إستغلال قدرات أبناء الجالية المهنية والشخصية في عملية التطوير.

  • الوضوح والإنفتاح في العمل.

  • نشر ثقافة التقييم والشفافية.

  • تنمية الشعور بالإنتماء للجالية – هذا الإنتماء ليس إختياريا ولا هو رهين برغبة شخصية فكل فرد في المهجر والشتات عضو في جاليته.

  • الإستقلالية والفصل التام بين الجاليات وأي مراكز قوى أخرى سياسية أو مالية وإنهاء الهيمنة المستمرة من قبل المؤسسة الحاكمة الرسمية من خلال مكاتبها و"سفاراتها" على الجاليات.

  • الإبتعاد عن القضايا الخلافية والتركيز على المباديء المشتركة والمتفق عليها.

  • التصدي لمحاولات التسلق والظهور.

  • التواصل بين الجاليات في الدول المختلفة.

  • تشجيع الشباب خاصة من يملكون مواهب وإمكانات قيادية والتخلص من العقلية المتصلبة للحرس القديم.

  • توحيد المفاهيم لدى أبناء الجالية الواحدة.

  • التنسيق الميداني في كافة الأصعدة.

  • التوعية السياسية لأبناء الجالية.


  • الخطوات العملية للتغيير :

    بداية أي عمل وأهم عوامل نجاحه هو القيادة الصالحة والقادرة من خلال:

  • قائد يتسم بشخصية مؤثرة ومهارات لتحقيق الأهداف المرجوة

  • مجموعة من الأفراد اللازمين لتحقيق تلك الأهداف

  • تنمية روح المبادرة

  • الإيمان بمبدأ العمل الجماعي


  • كما وتعتمد أساسا على التفاعل الحقيقي بين أبناء الجالية والمشاركة البناءة في صنع القرار والمساهمة بجدية وصدق في نشاطات الجالية.

    أي برنامج عمل يجب أن يأخذ بعين الإعتبار الخصائص المميزة لكل جالية وبالتالي تعديله وتطويره ليتلائم مع إحتياجات الجاليات المختلفة.

    الجزء الثالث : برنامج عمل متكامل وتفصيلي ونداء للنهوض بالجاليات

    د. إبراهيم حمامي

    DrHamami@Hotmail.com

    22-12-2004