الحضارة الغربية...!
بقلم : محمد شريف كامل

****12/5/2002*****

لقد لأغرقوا أسماعنا بإكذوبة كبيرة سموها "الحضارة الغربية"، ولكننا يجب أن ندرس ذلك المعنى ونتفحصه لنحدد المعنى الواضح لكل من الكلمتان فى تلك الإكذوبة ... إننا نعيش كل يوم بالعشرات علامات إنهيار ذلك المجتمع الذى يرفض أن يسمع أى نداء لإنقاذه من الفناء و للأسف قد سد أذانه حتىلا يفهم.

وحتى ندرك ذلك يجب أن نتفحص طبيعة الحياة التى تعيشها شمال أمريكا حيث تحيطنا علامات الإنهيار والفشل من كل جانب، ذلك الفشل الذى يحاولون تصديره لباقى العالم مثلما صدروا له كل السلع ليصبح العالم كله مجتمع إستهلاكى حتى للفشل.

إن ما تعيشه شمال أمريكا ليس شكل من أشكال الحضارة، إنه ليس أكثر من تقدم تقنى، ونحن نعيش منه الزبد العائم فوق السطح لذلك التقدم المادى الذى لا يحمل فى طياته أى روح تعطيه صفة الحضارة.

وحتى نستوعب ذلك يجب أن نستعرض تاريخ ذلك الجزء من الغرب، حيث بنية حياتهم بالكامل على العداوة، فإن لم يجدوا عدوا حقيقيا يوجهون له جهودهم ليدمروه، خلقوا داخلهم عدوا حتى ولو كان ذلك العدو هو جزء منهم. فمنذ مطلع الهجرات الأولى لشمال أمريكا أقروا مبدأ "البقاء" ولو على حساب أى شئ، حيث لا رحمة ولكن الأنانية هى الشعار الأوحد وإن لم يعلن بوضوح. وقد بدا ذلك واضحا منذ أول لحظات حرب الإبادة والمجازر الوحشية ضد السكان الأصليون للبلاد فى كل من شمال وجنوب أمريكا، ثم إنقلبوا لمحاربة أنفسهم بما سمى بالثورة وحرب التحرير.

و بمجرد أن أنشئت الدولة أخذ النصف في إستعباد النصف الأخر كل فى مجال مختلف من الزراعة والصناعة ، وحتى عندما تم وضع الدستور للبلاد كان دستورا خاصا بالأقوياء والخاصة من المجتمع ولا يعم على الجميع، فكانت هى أبرز صورالعنصرية فى العالم والتي ماذالت قائمه حتى وقتنا هذا، وإن تحولت من العنصرية العلنية إلى العنصرية المستتره، من العنصرية المقننة إلى العنصرية بالممارسه.

تلك المسماه بالحضارة قد وضعت لنفسها قانونا لا ينطبق إلا عليها، ولا يصح ولا يجوز لغيرها فى العالم أن يطالب بالمساواة معها، وهذا هو ما أصبح أسلوبا لحياتنا اليومية في أيامنا هذه. فى كل مجالات الحياة أسس ذلك المجتمع قوة مسيطرة جبارة تستطيع السيطرة على كل شئ فى الوجود لصالح منفعتها الخاصة، لقد تلاعبت تلك القوة بالقانون فأصبحت الأمم المتحدة أداة فى يدها تسيرها ضد أعدائها وتصبح عير ذات قيمة، قوة خاوية إذا خرقوا هم القانون وكثيرا ما فعلوا، والأمثلة على ذلك بالعشرات ويعرفها الجميع، مثل كوبا ، جواتيمالا ، فلسطين ، العراق، فيتنام ... وغيرهم الكثير.

وفقا للقانون العالمى الجديد لا تستطيع أى دولة فى العالم أن تحمى منتجاتها سوى الولايات المتحدة وبكل الوسائل. ولا تستطيع دولة فى العالم السيطرة على مواردها الطبيعية سوى الولايات المتحدة. ولا يحق لأى دولة فى العالم أن تتسلح لحماية نفسها، وللولايات المتحدة الحق فى أن تتزود بكل أسلحة الدمار حتى لو دمرت العالم كله. كل دول العالم يجب أن تحترم البيئة أما الولايات المتحدة فهي مستثناه من ذلك، وكل العالم يجب محاسبته وفق القوانين الدوليه التى لا تنطبق على الولايات المتحدة وحلفائها.

لضد عرف العالم طوال التاريخ نبل الجنود، حيث دورهم هو حماية المدنيين حتى لو كانت أرواحهم هي الثمن، ولكن الجنود فى عصر السيطرة الأمريكية يضحون بكل شئ إلا أنفسهم، وأصيح تفسير الولايات المتحدة للقانون الدولى يتوقف على كينونه أطراف الصراع، حيث يستطيع أى حليف لها أن يغزواما يشاء من بلاد العالم وإبادة من يشاء من شعوبها ولا يحق لغير حلفائها حتى الدفاع عن أنفسهم. لقد أصبح المجتمع ذاته من داخله ذو غالبية تتصرف من منطلق الأنانية المطلقة حيث أن أى غاضب يحق له قتل كل من يلقاه في مدرسته، في متجره، في شارعه... فلم تعد لحياة الإنسان قيمة على الإطلاق.

لقد أصبحت الحياة معقدة للغاية، فمختلف الإدارات داخل السلطة كل منها قوة إنتفاع فى حد ذاتها حتى أن مصالحها أصبحت متداخلة ومتشابكة ولا حقوق لعامة الشعب أمامها، وأخطرها أن أجهزة التخابر أصبحت قوة ذاتية مستقلة وكل من تلك الإجهزة يحارب للحفاظ على إستقلاله وبقائه، وهكذا عادت نظرية البقاء لتظلل حياتنا فهى الشعار الحقيقى لها. لقد اصبح الهدف الأساسى من الحياة هو الحياة ذاتها ولم تعد الحياة لصالح المجتمع ككل ولصالح أبنائه، فأصبحت القوة هى العامل الأساسى للبقاء.

إن مقوله "الحضارة الغربية" تتكون من: الحضارة ككلمة كبيرة ذات قيمة ومعنى، فهى كل ما يعمل على إضافة قيم جديدة لحياة الإنسان ويعمل على إزدهارحاضر ومستقبل لكل البشرية وليس لمجموعة مختارة منها، إن الثقافة ولا شك هي من أهم مقومات الحضارة وشمال أمريكا ولا شك أبعد ما يكون عن الثقافة، وإن إدعى الثقافة فهى لا تزيد عن ثقافة الشواذ والرجل الوطواط والرحل العنكبوت، بينما مصادر ومنابع الثقافة الأصيلة التى لا يعرف غير إنتقادها والتهكم عليها وإتهامها بالتخلف والجمود. والغرب، وهو مكان جغرافى يجمع مجموعة من البشرلا يمثلون مجتمع موحد ولا قيمة مشتركة وينقسم إلى أوروبا الغربية وشمال أمريكا كما نعرفها اليوم وهو ولا شك مكانان لا يملكان أية عوامل مشتركة بينهم فلا يمكن أن تمثل حضارة واحدة.

ولكن الولايات المتحدة كالعادة إحتجزت العالم كله رهينة لأطماعها، تحت مسمى "الحضارة الغربية" وسخرت لذلك هذا المسمى الذي لا تملك منه أى من الظواهر أو الحقيقة ، مدعية أنها تمثل حضارة وهى عنها بعيدة.

إنها قصة كل يوم حيث إطلاق النار فى أحد المدارس ، قتل الرئيس، تدمير بناية أوكلاهوما، تأييد إنقلاب عسكرى موالى للمصالح الأمريكية، تدمير بالفعل أو الإشاعات لكل من يعرضهم، إرتفاع معدلات الطلاق، أبناء يقتلون أبائهم وأباء يقتلون أبنائهم وأبناء يتقاتلون. لقد أصبحت حياة اللذه الوقاتيه، قد نسميها أسلوب للمعيشة، ولكن تحت أى ظرف لا يصح تسميتها حضارة أو حتى مشروع حضارة.

سئل غاندى عن رأيه فى الحضارة الغربية فأجاب ساخرا " قد تكون فكرة جيدة ...!"