اللقاء الأخير مع الشهيد القائد جمال منصور
تاريخ النشر : 09:06 08.08.2001

الشهيد جمال منصور

السيرة الذاتية
جمال عبد الرحمن محمد منصور .
ولد في مخيم بلاطة القريب من مدينة نابلس شمال الضفة الغربية في 25/2/1960.
متزوج وأب لثلاثة أطفال .
يحمل درجة البكالوريوس في المحاسبة وإدارة الأعمال .
برز كمتحدث باسم حركة "حماس" في الضفة الغربية .
شغل موقع الناطق الرسمي باسم وفد الحركة للحوار مع السلطة الفلسطينية .
اعتقل نحو ثمان مرات، لدى سلطات الاحتلال .
اعتقلته السلطة الفلسطينية عدة مرات منذ دخولها إلى مدينة نابلس
اغتالته يد  الإجرام الصهيوني في نابلس في جريمة بشعة  بتاريخ 31/7/2001م واستشهد معه القائد الشيخ جمال سليم رئيس رابطة علماء فلسطين

اللقاء الأخير
نابلس : 26-7-2001م
الخميس الساعة الواحدة ظهرا
عرفنا بنفسك لو سمحت ؟
جمال عبد الرحمن منصور الأصل من قرية سلمة مواليد مخيم بلاطة أسكن مدينة نابلس ، يعني أجمع أطراف الحياة الفلسطينية جميعا من مخيم وقرية ومدينة الأصل من قرية سلمة قضاء يافا .
هل كان والداك يحدثونك عن يافا ؟
كانوا وما زالوا لأنهم الآن جزء من الذاكرة المتكررة التي تنتقل إلى أطفالي ، لو سئل ابني الصغير من أين أنت يقول من قرية سلمة .
الآن كم عمرك ؟
تجاوزت الأربعين .
معروف أن جمال منصور مؤسس الكتل الطلابية في الجامعات، حدثنا عن هذه التجربة ؟
العمل النقابي الطلابي أعتقد أنه قد يكون من أهم مراحل حياتي إذ إنه يعتبر الانطلاقة الأساسية والتوجه للعطاء وللتعامل السياسي ومعالجة القضايا العامة والتصدي لمشاكل المجتمع وهي مشاكل الشباب بالتحديد وهي جزء مهم من هذا العمل إذا أصلح هذا القطاع في هذه المرحلة من عمر الشباب ومن عمر المجتمع أعتقد أنها تؤسس لمجتمع أفضل بكثير وقناعتي أن كل من تأسس في تلك المرحلة ، الآن يقوم بدور قيادي في مستوي من المستويات على مستوى كل الفصائل وتحديدا في إطار الحركة الإسلامية المؤسسين في تلك المرحلة الآن يعتبروا رؤوس العمل الإسلامي في 90 % من المواقع الإسلامية في الداخل والخارج في إطار الحركة الإسلامية الفلسطينية .
يعني الطالب المميز في جامعته والشاب يقود ...؟
قطعا ، هذا يعني لا يتم نسخ تجربة وإنما يتم بناء تجربة وشخصية قادرة على أن تشق لنفسها طريقها بشكل مستقل قادرة على التفكير ، قدرة على الإنجاز ، قادرة على إبداع الحلول مثال بسيط على ذلك مجموعة كانت تعمل في جامعة النجاح كلجنة طلابية مشرفة على العمل الإسلامي بعد الضربة الأولى لحركة حماس عام 88 / 89 اللجنة التي تلتها في مسئولية حركة حماس في قطاع غزة كانت خمسة من سبعة من طلبة جامعة النجاح الخريجين بمعنى أنهم انتقلوا من القيادة الطلابية إلى قيادة المجتمع فـي إطار حركة تنافس على الصدارة في إدارة المجتمع الفلسطيني سياسيا واجتماعيا .
أكيد كان هناك عقبات والتركيز 50 عاما على الشعب الفلسطيني شعبنا الفلسطيني يخوض معركة عجيبة في كل المستويات والمجالات إذا ظن أحد أن المواجهة مع الاحتلال هي مواجه فقط مع هذا المشرع في شقه السياسي نكون قد خسرنا المعركة منذ بدايتها ، معركتنا حضارية ثقافية اجتماعية معركة إنسان معركة إنسانية ورؤيا ومشروع رسالة إذا غاب عنا هذه الموضع بتقديرنا سنكون قد خسرنا من البداية معظم أوراقنا قبل أن ندخل المجابهة . ولذلك كان الإنسان الفلسطيني يستهدف في كل المواجهات على المستوى النفسي وعلى المستوى الاجتماعي مثال بسيط على ذلك فيما يختص في هذا الأمر ، أذكر المسئول عن إدارة السجون الصهيونية قال في السبعينات : مهمتنا في السجن خمس سنوات أن يخرج الإنسان عالة على المجتمع وقد كان هذا تحديا للمجتمع الفلسطيني وللشباب الفلسطيني فأصبح من يخرج من السجن ويقضي خمس سنوات يشكل حالة متقدمة من الوعي الفلسطيني التي تحمل من هو عالة في خارج المجتمع العادي ، أصبحت مدارس بناء كيانات جديدة ، بناء مستويات متقدمة هم روافع ، فأصبحت السجون جامعات ، أصبحت هذه المعتقلات كما قال أحدهم : " أرادوا السجن قبرا فأحلنا القبر زهرا ، ولذلك هم أصبحوا يقتنعوا أن اعتقال الإنسان ليس بالضرورة قتل إنسانيته وإنما هو بناء لإنسانية من نوع جديد .<br>حولنا المحنة إلى منحة .
هذه المسألة في تقديري ، مجمل الشعب الفلسطيني نجح في ذلك وان كان هناك اخفاقات ، قطعا لا نتكلم عم صورة وردية لكل الشعب الفلسطيني إنما نتكلم عن شعب ان يبني يستطيع ان يعيد بناء ذاته يستطيع ان يعالج النواقص ... نموذج ما لعل العالم العربي والإسلامي عايشه نموذج الإبعاد ، قال رابين في حينها وأنا أذكره تماما ، سأقدم على خطوة ولا أريد العالم ان يلومني عليها .
يعني انه سيخطو خطوة جذرية تقضي على ما أسماه بالإرهاب في ذلك الوقت فأبعد قيادات نقابية وسياسية واجتماعية وعاملين في لجان الزكاة بمعنى أنه أراد ان يهدم البنية التحتية المرتبطة ببناء المجتمع الفلسطيني وليس بالقيادة السياسية وحدها فابعد قيادات من جنين إلى رفح وكانت النتيجة بتقديري أنها افضل سنة مرت في تاريخ الحركة الإسلامية وبنائها كانت عام الإبعاد .
في الإبعاد كان هناك قرابة 400 شخص كم شابا كان من بينهم ؟
كانوا قرابة النصف ، وهؤلاء الناس مثال صالح على التحدي والإصرار ، أنا أحصيت أكثر من ثلاثين دورة في المجالات المتعددة قد خاضها هؤلاء الشباب وأكثرهم قد تخرج من جامعة أو أنهى فصوله الدراسية في ذلك العام بنجاح ، وكان عندنا أربعين مساقا يدرسون في مرج الزهور رغم أننا كنا نعيش في منطقة تسمى أم العقارب فأحيلت إلى مرج الزهور .
قطـاع الشباب كان ليس فقط متحمسا وإنما مصمم على أن يبني ويرجع غير الذي أبعد .
أول مرة اعتقلت كم كان عمرك ؟
أول مرة اعتقلت كنت سنة أولى جامعة 19 عاما .
كم هي فترات الاعتقال ؟
كنت في مجموعه عند السلطة والاحتلال 16 مرة يعني في معظمها كانت تحقيق وفترة اعتقال إداري تخللتها قصة الإبعاد كقضية اعتقال ثم إبعاد وثلاث سنوات قضيتها في سجون السلطة ست سنوات / .
يقال إنه كان لك دور داخل السجون ؟
أنا مؤمن بأمر مهم ، ينبغي أن اعتبره ثمرة حياتي وهو أنني أعتبر نفسي حيث وجدت إنني صاحب قضية ينبغي ان أعمل لها حسب الظرف المتاح حتى لو كنت أركب في حافلة من مدينة إلى مدينة أعتقد أن عليّ رسالة خلال هذه المسافة .
فترة السجن إما ان تكون استهلاك للإنسان وقضاء على إنسانيته وفترة انتظار أو تكون فترة بناء انتظار للدور القادم ، ولذلك كانت مهمتي الأساسية أهم دور أنا اعتقد إنني قمت به في السجن في الفترة الأولي هو بناء علاقة وطنية مشتركة مع قوى كانت ترى في مرحلة من المراحل ان الحركة الإسلامية ليست جزءا من النسيج الوطني في البلد ، وقعنا أول اتفاق بعد مرور اقل من عام من اعتقالي الأول في إطار الانتفاضة ، وكرسنا في حينها ان هناك أرضية انه لا يوجد أحد كل شيء ولا يوجد قطاع من القطاعات أو تنظيم من التنظيمات يستغني عن بقية الشعب الفلسطيني ، هذا النسيج وهذه الرؤيا انسحبت بعد ذلك على مجمل السجون وأعتقد أن السجون الآن بطريقة أو بأخرى نمط ديمقراطي متقدم على النمط العربي السائد .
يعني أن الوحدة تدعم التوجهات الشبابية بأن يكون الشاب أقوى ؟
غير الحر الذي لا يملك حريته وإرادته ويملك القدرة على التفكير دون ضغوط تحد من حريته على الإبداع هذا إنسان عبد حتى لو كان في إطار تنظيم سياسي ... نحن لا نريد أن ننسخ نسخ أو استنساخ لأعضاء ، إنما قناعتنا بأن الشاب المهيأ للقيادة من خلال إعطاء حريته بناء ذاته أعتقد انه سيقود ويحمل ويكون من الرواحل وليس ممن يُحمل إنما يَحمل . ولذلك
التفكير الحر والقدرة على الإبداع مسألة مهمة جدا في شخصية أي شاب في إطار الحركة الوطنية أو في إطار الشعب الفلسطيني .
بعيدا عن المثالية عندما يكون هناك معتقل 30 مؤبدا أو 15 مؤبدا أو 100 سنة كيف ذلك ؟
نحن نخوض سباقات وتحدي من يركض في سباق 100 متر يوزع نفسيته وبرنامجه النفسي وقدرته وطاقته على المائة متر ، ومن يخوض سباقا مارثونيا يستعد استعدادا خاصا بذلك الأمر ، أنا عايشت من يحمل عبأ المؤبدات ... 21 مؤبدا و 17 مؤبدا وكان جل حديثهم أنهم يتندرون بها لاعتبارين الأول اعتبارهم أن عمر الاحتلال وليس الحكم الذي حكم به وذلك هم يراهنون على زوال الاحتلال وليس على انتهاء المدة ، وقد كان أخوين يتنافسان 17 مؤبد و21 مؤبد فقال أحدهم للآخر سوف تعفن بعدي يوجد أربع مؤبدات فرق بيني وبينك ، فقال له الآخر :
ليست المشكلة في المؤبدات بل إنما في 21 عاما الإضافية كيف اقضيها بعد ال 17 مؤبد .<br>اعتقد ان النفس البشرية عندها قدرة هائلة على أن تحمل أحمال الدنيا ، خاصة ان تكون صاحبة رسالة .
لعل هذا جانب من الإبداع، فالشاب رغم ما يدبر له كشاب فلسطيني فهو مبدع حتى في المجال النضالي؟
أنا اضرب مثال على القطاع الشبابي ، القطاع الشبابي قطاع متميز جدا ، في الفترة الأخيرة ناضل الشباب في المعتقل بقوة لكي يحصلوا على الشهادات العلمية وهم في سجونهم ، الآن حوالي 160 حالة أنهت البكالوريوس وتدرس الآن للماجستير بعضها في الجامعة العبرية .
كلهم قد أنهى من جامعة واشنطن بامتياز وقد بزوا أقرانهم من الدارسين المنتظمين في الجامعة وقد رأيت لهم إنجازات شهادات ودراسات ودروس وعلم وفوجئت بأحد الناس أجزم أنه لا يباريه أحد في الديانة اليهودية بالمطلق حتى على مستوى الحاخامات هذا تحدي مه الذات انه يعتبر ان هذا السجن حياته لكن ليس الحياة المغلقة إنما الحياة المتفاعلة مع الدنيا وذلك في تقديري ان السجون هذه التجربة القاسية ، ان فكر الإنسان على أنها تحدي وتجربة سيخوضها بقدرة عالية جدا وإبداع متقدم .
أهم ما فعل للشباب هو انهم اقتنعوا ان لهم قضية ان لهم رسالة وانهم يستطيعوا ان يبدعوا وان المستقبل لهم واهم ما أعطينا لهذا الشباب أقول في إطار الحركة الإسلامية انهم أيقنوا لأول مرة ان القيادات التي تجلس على الكراسي ليست مخلدة وإنما هناك تجديد وتبديل ولعل الاحتلال كان له دور إذ قمع المستويات السياسية جميعا ولكن بقي التجديد وأنا لا أتفاجأ غدا وجدت شابا في الأول ثانوي يقود الحركة على مستوى محافظة كاملة ذلك أن هذه الروحية الجديدة جعلت تعتقد أنهم قادة لأنهم يحملوا رسالة حتى لو كانوا في أي ظرف .
على مستواك الشخصي هل واجهت مشاكل اجتماعية، اعتقالات مستمرة ملاحقة متابعة في مراحل شبابك الأولي، هل أثرت على أولادك وأهلك وبيتك أم هذا جزء من الضريبة ؟
هذا هو التحدي الذي يقول إن التجربة كانت خالصة إيجابيا يعني أنه يكذب على نفسه إنما المهم كيف نتعاطى مع الضغط والعقبات حتى نحيلها أمرا ممكن التعايش معه .
الحياة ليست نزهة ، الحياة تجربة والحياة في نفس الوقت تحدي حياة امتحان في المفهوم الشرعي ، قد تعبنا قليلا لكن اعتقد ان التعب لا يعلق في الثياب إنما يعلق في النفوس والنفس التي عندها همة تستطيع تجاوزه .
في علاقتي العائلية الحمد لله آمل أنني بنيت بيتا رغم كل الظروف وكنت انتزع الأطفال من بين ظروف الاعتقال وقد تحديت مرة أحد المحققين وقلت له إنكم في خارج السجن تعيشون حياة عادية كم ولدا لك قال ولدين فقلت له الحمد لله من بين 14 مرة اعتقال قد انتزعت خمس أطفال أنا أعيش حياتي الطبيعية رغم كل شيء ونتحدى الاحتلال ونتحدى الواقع الصعب لكي يكون مستقل اجمل .
في مرحلة من الزمن كان الإبداع أن يحمل الشاب حجرا رشاشا ، الآن إبداع بطريق آخر اليوم شاب يفجر نفسه؟
مسألة الإبداع أشكالا وأنماطا ولعه في مجال التصدي للاحتلال والعدوان لأنها المهمة الوطنية الملحة الآن يجب على الناس التصدي لها وتقاس مدى إنسانية الإنسان والتصاقه بقضية وطنه وأمته وشعبه وليس بمقدار نرجسيته واهتمامه بذاته ، قمة وذروة الانتماء الوطني ان يقدم الإنسان أغلى ما يملك لما يعتبره اكثر أهمية منه وهو الوطني الوطن والقضية والانتماء اعتقد ان الشباب سألوا سؤالا واضحا باختصار وطننا وقضيتنا أغلى من ذواتنا ولذلك هم عندهم نظرية الآن متداولة نحن شعب ضعيف في إمكانياته والاحتلال قوي بما أتيح له لكن لهذه القوة نقاط ضعف ونحن الضعفاء لنا نقاط قوة ، نقطة قوتنا تلتقي مع نقطة ضعفهم نحن احرص الناس على الموت فداءا للوطن وهم يخشون الموت من اجل أي قضية واعتقد بذلك أننا حققنا سبقا في هذا المجال الشبابي الذي يكون على مقاعد الدراسة الجامعية في السنة الأخيرة وقفز فجأة ينشد التخرج من الجامعة بتخرجه من الدنيا وهو يحمل شهادة انه وطني وانه صاحب قضية وطن ، الشهيد هاشم النجار طلب منه ان يكتب مشروع لصفحة في قسم الصحافة صفحة مونتاج جريدة فكتب المقال الأول في المانشيت شاب في جامعة النجاح يفدي وطنه ويقوم بعملية داخل الكيان كتبها يوم الثلاثاء واستشهد يوم الجمعة . هؤلاء الناس يصنعون الحياة ولا تصنعهم الحياة ويصنعون المجد ولا ينتظرون ان يسقط عليهم المجد من السماء واعتقد هذا قمة الإبداع لا أظن ان الأمم حتى بوش اذكر في الأيام الأخيرة قد تسائل وسأل بيرس كيف يذهب هؤلاء الناس غلى الموت بأرجلهم ، اعتقد ان هذا قمة الإبداع .
عمار الزبيدي كان عمره 18 الأصغر بين الاستشهاديين ؟
عمار الزبيدي أظنه أنه خفض السعر ، بمعنى أنه جعل الناس يتسابقون بشكل أكبر ويشعرون أن البضاعة متاحة وأن التحدي أصبح لكل الناس من مستوى السن الانتخابي .
سألني صحافي أجنبي عن هذا الموضوع كيف يرسل هؤلاء الأطفال قلت له الجندي الصهيوني يدخل الجيش 18 عاما ويكون جنديا ويقتل الأطفال وهو جندي منظم ، لكن هذه مقاومة شعب من حق الإنسان أن يقدم ما يستطيع باختيار حر لا يفرض عليه إنسان أظن ان هؤلاء الشهداء في معظمهم كما ثبت في التحقيقات قد فرضوا أنفسهم على العمل الجهادي والاستعداد للموت بأنفسهم لأنهم كانوا يعرفون انه بوابة الحياة .
من لا يفهم معنى الدافع الإيماني لا يمكن أن يستوعب ما يجري في فلسطين خاصة مع هؤلاء الشباب المتميز العجيب ، نحن على فكرة نستطيع ان نعرف الاستشهاديين قبل استشهادهم بأيام ... من عيونهم ومن حركتهم ومن سماتهم حتى يكاد يجزم المواطن العادي انه رأى استشهاديا قد مر اليوم من جانبه أو كان في الاحتفال الفلاني سمات هؤلاء الناس ... انهم ليس أهل دنيا وتأكد ان هناك تصنيف عند المواطنين العاديين يعرفون المرشحين من فلتات ألسنتهم وبريق عيونهم من إحساسهم وتوقدهم للحياة هؤلاء هم أحياء لذلك يستحقون ان يأخذوا حياة ذات طابع ابعد مدى لكن الأموات الذين يحرصون عليها .
الشهداء الذين قدموا في كثير منهم لم ينقصهم جاه ولا ينقصهم إمكانيات ولا ينقصهم مستقبل واعد ولا ينقصهم فرص في الحياة لكنهم وجدوا اكبر فرصة في هذه المجال واعتقد انه يعني في الأمم جميعا ذروة الأمة فلذلك هم اجتازوا الذروة . حامد أبو حجلة شخصية تحب المصحف ، كثيرة السخرية ،بنفس الوقت من عائلة غنية ؟
طالب جامعي في السنة الأخيرة طالب في الهندسة عضو مجلس اتحاد الطلبة ينظر إليه باعتباره نموذج للشباب الناجح المنطلق كصاروخ إلى المجد لكنه اختار خيارا آخر يقدم نموذجا جدا من هذا الطموح ، أسنان اكثر طموحا من أصحاب المشاريع ولذلك كان هو رد هذا الإنسان على من يقول عملية الاستشهاد هي رد فعل على المجتمع والحياة البائسة والفقر كل هذه الأمور ، عندنا نماذج ان قالوا صغار نضرب لهم نماذج فوق الأربعين ، إن قالوا فقراء نضرب لهم نماذج من الأغنياء ، إن قالوا عمال بسطاء نضرب لهم مثل المثقفين ، أعتقد أن المجتمع الفلسطيني قد نجح في التحدي الكبير وشبابنا كان ذروة هذا النجاح .
هل يمكننا أن نقول إن من بين الملثمين اليوم كثير من المرشحين؟
وبذور سنبلة تموت تملأ الوادي سنابل ، دم صلاح وزع على رؤوس كل أهالي المنطقة وزرع في كل قلب كل واحد منهم جمرة وحسرة ولكن في نفس الوقت رفع في داخلهم شعلة ورفع فوق رؤوسهم راية وقدم لهم سؤالا ،أعتقد انهم خسروا خسارة هائلة باستهداف هذا الرجل الذي انتزعته من الصفوف الأولي فأصبح المتشوفون لقيادة الأمة وتقديم الدور والنموذج حين رأوا الكرامة له هذا اليوم وسنجدها في الأيام التالية ولو أتحنا الفرصة لعمل تأبين بشكل موسع لن يكون اقل من خمسين ألف شاب سيكون في هذه الموقع ، وانظر كم نسبة من يزرع في داخلهم الاستعداد ان يكون على الطريق من ثمرة ذلك .... الاحتلال هو الخاسر .
هل فعلا هؤلاء الملثمون الاستشهاديون هم مشاريع قادمة ؟
أنا أنظر إلى الذين يمشون على الأرصفة وهم صامتون عندهم غضب صامت يفجرونه فعلا ان الذي يصيح غالبا ما يفرغ الشحنة الموجودة داخله ولا نتوقع منهم ، معظم الشباب الذين استشهدوا من الهادئين الصامتين الذي ليس لهم ضجيج هؤلاء الناس يدخلوا هذه الدنيا بهدوء ويخرجوا منها بصخب صوتهم أعلى .
أنا قرأت في مجلة مقولة بأن مائة استشهادي يسيرون في جنازة في الخليل ؟
هذه مسائل رمزية لكن تكشف الماشين على الأرض صفة البعيدين في أطراف
المسيرات الذين يكونون يفكروا كيف يأخذوا ثأر هذا الشهيد هم الذين يقدمون وليس الذين يكونون في وسط المسيرات هؤلاء الناس يمثلوا رغبة الناس في التعبير عن هذا الموقف ، هذا موقف لكنه ليس التحدي الحقيقي التحدي الحقيقي في قلوب الناس .
الطفل الذي يربط رأسه بعصبة ويقف على حافة قبر صلاح اليوم بدلا من ان يلعب يشارك ويشاهد ويزاحم الناس ويهتف ويكبر معهم في الجنازة ؟
الاحتلال غبي وغير موفق ، ما فعل فعلا إلا وجنا ثمرة معاكسة ، هؤلاء الأطفال الذين زرع فيهم هذه المعاني الروحية والاستعداد للمواجهة والارتفاع إلى مستويات الرجال وهم أطفال هو من فعل الاحتلال ، الذين ذهبوا إلى السيارة وهي محطمة بالصواريخ رأوا انهم قد يفعل بهم ذلك في أي لحظة فيجب ان لا يتركوا للاحتلال هو ان يختار موتتهم هم يختاروا كيف يموتوا هذا تحدي عجيب ، انزل إلى رياض الأطفال تجد نماذج هذا الوعي في هذه المرحلة والتحدي اصبح اكبر من ان يحاط ليبيدوا الشعب الفلسطيني إذا أرادوا مواجهة هذا الشعب كما قيل في الماضي لا تستطيع مواجه انتفاضة الحجر إلا بجمع كل الحجارة من فلسطين .
جمال منصور!! هل بينك وبين أي أحد من الاستشهاديين علاقة خاصة، صديق قريب أو أحد منهم اثر فيك رحيله ؟
أنا للأسف لم يكن لي أي علاقة خاصة بهم لطبيعة عملي ولكن كنت أحس ان كل واحد منهم جزء من حياتي وأنه يعبر عما اعتقده في الحياة من دور ولذلك أمنياتي كانت في الدنيا هؤلاء الشباب ، ليس أن يكونوا بين الناس فقط بل يقدموا نموذجا بين الناس ، كل منهم ، لكن من اعرفه شخصيا يكون له تأثير اكبر ، المعرفة موجودة ، كلنا دهشنا منهم ، ولعل نوع لا أقول الحسد وإنما اغبطهم على انهم كانوا اسبق منا في أداء الدور والواجب ، هناك تأثير يحظر علينا ان ندمع أن نبكي رغم أنها مشروعة لأننا في المقدمة ان بكينا نحن سينهار غيرنا ، ليبكي الناس ولكن علينا ان نرفع الهمم وليؤدوا الواجب .

الشهداء
بذور تنغرس في قلوبنا وفي باطن الأرض لتعود لنا بنبات جديد ، ينمو ويكبر ويترعر فينا ، أشجار مباركة تحمل ثمارإستمرارية الحياة ، جمال وجمال ، كرامة وثبات ، مشاعل تنير لنا الدرب ، تبدد الظلام .
أيها الصمت ، يا من عشت طويلاً في حاضرتنا، الآن حان وقت الرحيل ... أيها الخوف ، يا من لازمتنا منذ الصبى ، لقد مللنا الرفاق ... أيتها الكرامة ، أما طال الغياب ... فالشمس تعود بعد الخسوف والقمر يعود بعد الكسوف والربيع يأتي بعد كل خريف والليل يمحوه النهار وأنت أيها الشهيد ... أنت شمس وقمر ... أنت ربيع ونهار ، لن ننساك ونحن على دربك إن شاء الله سائرون .
لكنه الحزن ، إنها الخسارة ، ليس لأننا نموت ، ليس لأننا نُقتل ، بل هو الأسى ... أن تموت وأنت تحمل أُمنية التحرير ، أن تموت وهناك من يمزق حروف القضية من بعدك ، أن تموت وغيرك ينكث العهد على مواصلة الطريق ، أن تسافر وأنت لست مستعداً للرحيل ... تترك مفتاح بيتك في يافا وصفد وحيفا واللد والرملة ... في كل قرية ، في كل زاوية من أرض فلسطين ... فلسطين التي نعرفها وليس تلك التي يصنعها من تقدموا إلى الوراء ... أن تموت والعهر السياسي يتلذذ في القصور ، أن تموت وعلى عتبات البيت الأبيض يتراقص أبناء رعاة البقر وأبناء الخنزير القردة وفي النخب دم أطفالك ... أطفال فلسطين ، ولحمهم ولحمك يتبعثر أشلاء هنا وهناك فيما أخاك العربي يشاركهم ويمول حفلات الحيوان ويشرب دمك من علب الكوكاكولا ويأكل لحمك في سندويتشات الهامبورغر ، وجيوش تكرسحت فلم تعد قادرة حتى على دفن نفسها ، وأسلحة تكدست وأنت لا تملك إلا حجراً وحذاء .
لكنك ستعود ، حتماً ستعود وإلى أن تعود سنظل نحمل آماني الشهداء ونرويها بدم طاهر ونورثها للأبناء .
لا لن تموت ، لأن من لم تمت أمانيه فهو يعيش في روح الأجيال .
فقم أخي ، إنهض ، إخلع ثياب الذُل ، إرفع الهامة عالياً ، فالرؤوس المطأطأة هي أثقال على أكتاف حامليها ، فإما عزة وشموخ أو إزاحة للأثقال .

احمد منصور