كثيرون فسروا الهجوم "الإسرائيلي" الأخير على مكتب الرئيس عرفات بأنه رسالة تحذير وإنذار للرئيس عرفات كي يسارع لوقف (العمليات الإستشهادية) التي يسميها عرفات كما يسميها شارون "بالإرهابية"
واضح لجميع الأطراف أن عرفات حتى لو أراد فإنه لا يستطيع .. فهو في وضع العاجز وعجزه واضح في تآكل سيطرته لا على حماس والجهاد فحسب وإنما على أهل بيته وأعني تنظيم فتح
هذه الحقيقة لا يجهلها شارون فلماذا إذن يوجه "رسالة تحذير" لرجل مقعد يطلب منه الفوز في سباق ركض الحواجز .
لقد خاض شارون بنفسه هذا السباق لتخطي حواجز المقاومة والإستشهاد وركب في سبيل ذلك الطائرات والدبابات وصفق لنفسه بأنه بعد "الجدار الواقي" أنهى السباق لكنه سرعان ما إكتشف أنه يرواح مكانه .. وأن ما أسماه بالجدار الواقي لم يكن سوى جدار واهي .
مأساة شارون هي أيضا مأساة فريق المعجبين به .. ففي نظر كل من يخافون من تداعيات إنتصار المقاومة الفلسطينية ومنهم بطبيعة الحال بعض أنظمة العرب .. فرحوا حين تسلم شارون مهمة القيادة واعتبروه الرجل المناسب لإقتلاع غرسة المقاومة بل وصفوه برجل "الكلمة" فهو إذا قال فعل ..
وكان أن قال أن مائة يوم وبعدها تتنفس "اسرائيل" الصعداء وتتنفس معه أنظمة عربية بعينها وتلك تحقد على شعب فلسطين أكثر من شارون نفسه .
وكرّت الأيام .. وتهاوت الجدران بما فيها "جدار الألوان" وحقل الشوك وأخيرا الجدار الواهي وكبر شعب فلسطين بجراحه .. فكان لا بد لشارون أن يبعث برسالة .
هذه الرسالة الأخيرة بغزو مقر عرفات .. لا يقرؤها جيدا سوى شارون أما الآخرون فهم ظنوا أنها إنذار لعرفات .
رسالة شارون هي في حقيقتها رسالة إعلان إفلاس وهي رسالة تتطابق مع ذلك المثل الشعبي ( اللي ما بقدر على الحمار ... يمسك بالبردعه )
لقد أفلس البلدوزر لم يعد لديه في خزان الوقود ما يكفي لمواصلة طريقه العسكري .. إستعمل كل المخزون .. من حصار وقصف وإعتقالات وتدمير منازل وإقتلاع أشجار ومقارفة مجازر فما تبدل شيء
فماذا هو فاعل إذن ؟؟
ليس أمامه إلا عرفات فهو لعبته المفضلة لإبعاد الأنظار عن وصوله لحافة الإفلاس .. يحاصره .. يفك عنه الحصار .. يشعل في ثيابه النار ويسارع بنفسه لإطفائها خشية أن تلتهمه نهائيا .. فعرفات هو لعبته .. يبصق عليها ثم يزيل عنها البصاق بمنديل معطر .
وضع مأساوي ألقى شارون نفسه فيه ... غالبية "الإسرائيليين" يؤمنون أن شارون رجل أحمق .
وهل من أحمق أكثر من هذا الذي يخرج صباحا ليحمل عرفات المسؤولية ويقوم وزير خارجيته مساءا ليحمل سوريا المسؤولية ..
أنظروا إلى شارون فحتى وزير خارجيته يحاول (إنتزاع اللعبة من بين يديه) فإذا كانت سوريا هي المسؤولة فلماذا إذن يجلدون عرفات
مسكين عرفات .. تماما كما هو شارون
عرفات أفلس في نهجه الأوسلوي (اوسلو) فأضحى ألعوبه
وشارون أفلس في قمعه فأصابه مس الجنون
أليس كل منهما يستهويه لقب "جنرال"
اللاعب واللعبة أصبحا معا يشكلان ( لعبة لفريق ثالث وهو مقاومة شعب فلسطين ) وعبر التاريخ كله كانت مقاومة الشعوب هي الجنرال الأعلى لا بل
جنرال جميع الجنرالات
.