لكي نفهم حكاية الجدار الفاصل علينا أن نفهم حكاية الجدار "الواقي" ولكي نفهم حكاية الجدار "الواقي" علينا أن نفهم حكاية الجدار "الطيب" في جنوب لبنان ولكي نفهم حكاية الجدار الطيب علينا أن نفهم حكاية جدار غزة .
بداية الفهم تمر عبر فهمنا لما يعنيه الجدار في عمق النفسية "الإسرائيليه" ولماذا هذا العشق "الإسرائيلي" لإطلاق تسمية الجدار والجدران والسور والأسوار ... وهذا بحاجة إلى تفاصيل تاريخية كلها أفضت في النهاية إلى تقوقع اليهودي داخل العزلة وهو ما أفرز ما نسميه "بحارة" اليهود وما أطلق عليه في اوروبا – بالغيتو
فالجدران والأسوار هو إستجابة لحالة الإحساس بخطر المطارده وتاريخيا كان اليهود بحاجة لملجأ من هذا الإحساس .. فهم قبل أن يرسموا خريطة بناء لبيت يحرصون على خريطة بناء السور والجدران حول البيت ..
عبر تاريخ إستيطانهم في فلسطين لم يقيموا مستوطنه إلا كانت ملفوفة ومحاطة بالجدران والأسلاك الشائكه ..
هكذا نبدأ في فهم حتى عشقهم العسكري لإطلاق لقب جدار على كثير من عملياتهم مثل ((السور الواقي)) وغيرها .. وليس ذلك سوى إستجابة لإغراقهم في عشق العزلة والتقوقع .
اليوم والناس يتابعون بناء السور الفاصل أو الجدار الفاصل يتنبهون لقضايا أخرى جانبيه لكن لا يتنبهون للأمر الأهم وهي أن "اسرائيل" كلها تعود لتصبح "حارة" اليهود في الشرق الأوسط أو بمعنى آخر (الغيتو) الأحدث والأوسع مساحة لكنه نفس الغيتو المعروف تاريخيا الذي يحشر داخله كتلا بشريه يعصف بها التوجس والخوف والحذر والشك .
بعد إكمال بناء هذا الجدار الفاصل تكون كل "اسرئيل" أصبحت محاطة بالجدران والخنادق وحقول الألغام ووسائل الإنذار الألكتروني .. ولكن الثابت الوحيد الذي سيتبقى هو خوفهم من الهواء الطلق ذلك لأنهم في أعماقهم يؤمنون بأن هنالك من سيبقى يلاحقهم للحساب والمحاسبة .
من وجهة نظري أن هذا الجدار الفاصل هو يشكل أكبر نصر للفلسطيني وللعربي .. فلا خطر على الإطلاق من دولة بحجم وجوهر "حارة" أو غيتو .
اليوم كل من يزور "المدن الإسرائيليه" أو المستوطنات .. سيجد أن وراء كل جدار هنالك جدار آخر .. وأن كل حارس يقف خلفه حارس آخر وأن وراء الإثنين هنالك ثالث وأن هذا الثالث يهدد وينذر بالإعتصام أو الإضراب إذا لم يوظفوا له حارسا لمزيد من اليقظة والأمن .
فماذا سيحدث بعد إكمال هذا الجدار إذا وقعت عملية؟ التفكير "الإسرائيلي" سيتمحور كما هي العادة في التفكير لتصميم جدار آخر يحيط بالجدار الأول
ألا يمكن لنا بعد إستيعابنا لمفهوم هذه الجدران أن نعتبر أن أهم منجزات المقاومة والإنتفاضة أنها أوصلت "الإسرائيلي" لدخول زنزانة الغيتو برضاه وعلى نفقته ..