صيف حماس الحار ... هل يكون جافا أم بداية خصب رغيد ؟!!

يوسف العمايرة - الخليل


       بات مؤكدا، أن القضية الفلسطينية تدخل صيفا متخما بتطورات متسارعة، يقتفي بعضها إثر بعض، وتتقاطع أخرى فيما بينها، والكل يرى أن جملة هذه الأحداث تسير بشكل دراماتيكي، مفاجئة أو بعيدة عن مخططات راسمي السياسة وصانعي القرارات.

العام الأخير، شهد غياب الرئيس ياسر عرفات، وقيادة "حماس" الأولى "الشيخ أحمد ياسين والدكتور عبد العزيز الرنتيسي". كما غاب أبو علي مصطفى الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ومئات القيادات السياسية والميدانية لمختلف شرائح الشعب الفلسطيني وفصائله، فيما استمرت حركة هذا الشعب قدما، ملحوظ عليها تأثرها بغياب قيادات تاريخية فاعلة على المستوى الوطني والإقليمي وذات حضور دولي، كل في محافله.

معالم التحول في مسار المجتمع الفلسطيني بدت أكثر وضوحا مع تنفيذ مراحل الانتخابات الفلسطينية، الرئاسية بداية والتي أفرزت رئيسا مفوضا للتباحث مع الإسرائيليين، والسباحة في محيط إقليمي ودولي مثقل بالتجاذبات والاشتراطات، ثم الانتخابات المحلية التي شهدت إقبالا واهتماما كبيرين من قبل أبناء الشعب الفلسطيني، إدراكا لأهميتها البالغة، وإنعاكس نتائجها على شؤون الحياة الفلسطينية اليومية مستقبلا.

إشكالات العلاقة التي ظهرت بين الفينة والأخرى بين التنظيمين الفلسطينيين اللذين حازا على أعلى نسب من أصوات الناخبين، وهما حركتي "حماس" و "فتح"، من المستبعد أن تؤثر على مسار الحراك السياسي الجديد على الساحة الفلسطينية، غير أنها تعمل على "تنغيص" حركة تقدمه. ولعل إجراء انتخابات المجالس المحلية على مراحل، أخذا بنمط أوسلو (أ ? ب ? ج) الذي أضفى على حياتنا السياسية نمط المرحلية المرصعة بالأزمات، كان أبرز الأسباب التي أدت إلى تأزم العلاقات والتنازع على أعداد الأصوات، فبدلا من أن تنشغل الساحة الفلسطينية مرة واحدة في هذا التأزم -الذي لا بدَّ منه- في مجتمع تدخل فيه "حماس" كلاعب قوي إلى غرف الاقتراع لانتزاع التمثيل، وتشعر "فتح" بتهديد مباشر ينال حجمها الشعبي ومستواها السياسي، أجريت الانتخابات على مراحل. وفي أعقاب إجراء كل مرحلة، ظهرت الخلافات بشأن النتائج، وحجم التزوير... الخ، لتتملك الأطراف المشاركة حالة من القلق الدائم تمتد من نهاية العام الماضي إلى أواسط هذا العام وما زال الترقب بحذر شديد لما ستؤول إليه نتائج انتخابات المراحل القادمة، إضافة إلى نتائج انتخابات المؤسسة التشريعية الفلسطينية.

بمعنى آخر، أن عملية انتخابية واحدة وشاملة على مستوى الوطن، بإمكانها أن توفر على الأطراف الخاسرة مرارة الشعور بالانتكاسة أكثر من مرّة، وبالتالي اختصار كثير من الوقت والجهد من أجل التفرغ للأولويات الملحة.

النتائج النهائية لانتخابات المجالس المحلية والبلديات، منحت "حماس" إرثا كبيرا، حيث تسلمت إدارة شؤون عشرات المواقع في مدن وبلدات وقرى ممتدة من شمال الضفة الغربية إلى جنوب قطاع غزة. وستكون أجندة "حماس" هذا الصيف مليئة بالواجبات التي حملتها إياها صناديق الاقتراع باقتدار، وهي المرة الأولى التي تتقدم فيها "حماس" لمثل هذه المسؤوليات كونها استثنيت وفصائل فلسطينية أخرى من التعيينات التي كانت تتم من قبل السلطة، وصبغت معظم بلدياتنا ومجالسنا المحلية بطيف سياسي واحد منبثق عن حركة "فتح". وخبرة "حماس" الخدماتية طوال الفترة الماضية اقتصرت على إدارة غرف تجارية ونقابات مهنية وجمعيات خيرية رفدت المجتمع الفلسطيني بكثير من مقومات الصمود والتحدي، التي لا ينكرها أحد، وقد ثبت على أرض الواقع أنه لم يتنكر لها أحد أيضا.

على ممثلي "حماس" الذين بدأوا خطوتهم الأولى في مشوار إدارة شؤون المواطن الفلسطيني من خلال البلديات والمجالس المحلية، أن يبقوا يتذكروا، أنهم بين لحظة وأخرى، سيقفون بين يدي المواطن ذاته، وأمام نفس صندوق الاقتراع، في عملية تقييم ومحاسبة ومساءلة إدارية ومالية وقيمية، عن الأداء وحجم الإنجازات التي تم تنفيذها.

ممثلو "حماس" هؤلاء، وكي تشهد لهم ردهات مجالسنا وبلدياتنا في السنوات القادمة، كما شهدت لهم ميادين الفعل المقاوم خلال الأعوام الماضية، يجب أن يضعوا نصب أعينهم الملاحظات الهامة التالية:

أولا: التعامل بجدية مع حجم الديون الهائلة التي ورثوها، وأن يضعوا الآليات المناسبة لتقليصها وتجاوزها وأن لا يبقوا أسرى ذكريات السالفين بسوء إدارتهم وفسادهم واستغلال مناصبهم.

ثانيا: استقطاب الخبراء المحليين وذوي الكفاءات في كل مدينة وبلدة وقرية، فكفاءاتنا المحلية وفي مختلف المجالات مشهود لها، وكثير منها قامت بأدوار تنموية رائدة في بلدان عربية وعالمية، وستكون على أتم استعداد للتعاون من أجل خدمة وطننا ومواطننا، ومن الواجب عدم الاستهانة بخبرة أو دراية أية كفاءة محلية بغض النظر عن توجهاتها الفكرية وانتماءاتها السياسية.

ثالثا: استقطاب أصحاب رؤوس الأموال الكبار منهم والصغار، فكثير منهم داخل الوطن وخارجه، ينتظر لحظة إشراكه في بناء مدينته وقريته، وهم بحاجة إلى تبديد تخوفاتهم السابقة حول مصائر أموالهم، عندما أعملت اليد الفاسدة مبضعها في غير أموالها.

رابعا: استقطاب دعم المانحين العرب والدوليين، أشخاصا ومنظمات وجمعيات، والسعي حثيثا لطرق كافة الأبواب، وإقامة علاقات التعاون والشراكة والتوأمة مع البلديات الشقيقة والصديقة في العالم.

خامسا: الإيفاء بالوعود الانتخابية والبدء بتنفيذ البرامج التي على أساسها أوصلهم المواطن إلى مقاليد الإدارة، بحيث يتم تحديد الأولويات، وطرح آليات التنفيذ ضمن فترات زمنية مناسبة، شريطة أن تكون الأولوية للمشاريع التي ينتفع منها أكبر عدد من المواطنين، الذين لا زالوا يلتقطون أنفاس المعاناة.

سادسا: تفعيل حالات التنسيق بين البلديات والمجالس المحلية ببعضها، بما يخدم المواطن ويوفر تكاليف تنفيذ المشاريع المختلفة، مثل أن تتشارك عدة مجالس في طرح العطاءات الكبيرة والمكلفة، مع التركيز على السلع والمواد الوطنية، والبحث عن بدائل غير مكلفة للسلع التي ليس لها بديل وطني.

سابعا: عدم التردد في توفير أكبر قدر من فرص العمل، ضمن الإمكانيات المتوفرة وبالتعاون مع الوزارات ذات العلاقة، من خلال تنفيذ المشاريع المختلفة داخل المدن والقرى والبلدات.

ثامنا: تفعيل دور المرأة الفلسطينية المنتخبة، وإتاحة الفرص لها كي تتقدم وتشارك في عملية البناء، وحذار أن يتم اختصار دورها على هوامش التحرك الجانبي، فالناخب أوصلها إلى موقعها الإداري الجديد واثقا أنها عاملة ومبدعة ومنتجة بكفاءة وجدارة.
v تاسعا: ضرورة الاعتناء بالبيئة والصحة العامة، وتشجيع المواطن على الاهتمام بأرضه بإمكانية إعانته في عمليات استصلاحها، وتعويض سنوات اقتلاع الأشجار وتدمير المزروعات، كي تعود فلسطين خضراء نضرة. كما ومن الجدير استقطاب جهود مجموعات "صُنَّاع الحياة" التي بدأت أنشطتها بالظهور في مناطقنا، وهدفها استثمار طاقات الشباب خصوصا ومن كلا الجنسين بالاتجاه الإيجابي، في إطار خطط تنموية نهضوية تقوم على التطوع والعمل التعاوني.

عاشرا: الإبقاء على أبواب بلدياتنا ومجالسنا المحلية مفتوحة أمام المواطن، والإصغاء إليه جيدا، بقدر إصغائه للبرامج الانتخابية الماضية، والاهتمام بآليات التعامل المباشر مع المواطنين في كافة المجالات، ليظهر موظفو البلديات والمجالس المحلية لباقة في تعاملهم اليومي، بحيث يشعر المواطن بأن مبنى البلدية بإدارته وموظفيه وآلياته وسندات قبضه وصرفه، ملك له، لا سيفا مسلطا عليه. ولعل معظم البلديات والمجالس المحلية في دول العالم قاطبة، تحسن الاهتمام بموظفيها من خلال إلحاقهم بدورات تدريبية وورشات عمل، ولا عيب في ذلك، فكل يوم تطلع فيه الشمس يجب على أحدنا أن يملك معرفة جديدة. كما ومن حق الموظف المتميز، أن يكافأ بما يستحق، تشجيعا وتحفيزا له ولغيره من الموظفين.

وإذا كان هذا حال ممثلو "حماس" في البلديات والمجالس المحلية، فإن الواجبات الملقاة على عاتق نواب "حماس" المرتقبين في المجلس التشريعي لا تقل أهمية. فالجميع سيرقب عملهم بكل عناية، ليسجل لهم أقل الأخطاء، أعمالا فادحا، فهذه وظيفة عدسات التكبير التي سيلصقها كثيرون تحت جفونهم.

مطلوب من ممثلي "حماس" ونوابها الذين يبدءون صيفا حارا نأمل أن يكون بداية الخصب بعد سنوات عجاف طويلة، وإن كان هذا الصيف مغبرا بتصريحات داخلية وخارجية، تنذر بتفعيل حالة "عدم التعاون" وتجفيف قنوات الدعم المانحة التي عملت في المرحلة السابقة، بهدف إحباط أية نجاحات متوقعة لهم، وإجهاض تجربتهم الإسلامية، مطلوب منهم أن يتعاملوا مع حالة جديدة، تتشابك فيها القيم مع وقائع موضوعية، أعلاها نشوء ضرورة الاتصال مع النظراء الإسرائيليين، خصوصا في جوانب الخدمة المدنية والبيئية للمدن والقرى، وهذه من صلاحية البلديات والمجالس المحلية.. وأدناها أن يرتدي هؤلاء بزاتهم الجديدة بربطات أعناق فاقعة، يقودون مركبات فارهة في أحياء وأزقة مدننا وقرانا ومخيماتنا، والكل يقف على جوانب الطرقات يستذكرون زهد الياسين وتقشف الرنتيسي في المناصب والمغانم والأموال.. وما بين الأعلى والأدنى، جملة من المبادئ والقيم والمثل والأخلاق، صدح بها قادة "حماس" في كل محفل، وانحاز لهم المواطن على أساسها، ولن يتردد في الانفضاض عنهم والبحث عن بديل آخر عندما يرى ما لا يسر الناظرين.


يوسف العمايرة - الخليل / فلسطين
yamayreh@yahoo.com

تاريخ النشر : 25/5/2005