التغطية الإعلامية لعملية الإفراج عن الأسرى..
كيف تمت؟ وكيف يجب أن تكون؟؟

يوسف العمايرة - الخليل


        دفعة أخرى من الأسرى الفلسطينيين يتم الإفراج عنهم بناء على تفاهمات قمة شرم الشيخ التي جمعت الرئيس المصري وملك الأردن برئيس السلطة الفلسطينية ورئيس الوزراء الإسرائيلي في 08/02/2005م، وهي القمة التي تألق فيها شارون حضورا وحديثا، ونعق فيضا من الآمال محاولا إقناع كل من يسمع أن شارون "الذي أمامكم" ليس ذاك الجنرال الذي خرج لتوه من آخر مجزرة في رفح وغزة، وأن أعضاء الوفد الإعلامي المرافق له لم يكونوا يوما ضباطا أو ناطقين عسكريين في جبهات القتال ومحاور القمع، وحينها فرض علينا إعلامنا العربي الرسمي، بأن هناك تحولا شارونيا إيجابيا يجب أن يستثمر "فاقتنعوا وصدقوا" ولا خيار غير ذلك.
المعايير التي تم على أساسها الإفراج عن ألـ"400 أسير بينهم أسيرة واحدة، ولا يوجد بينهم أطفال"، هي ذاتها التي تتخذها الحكومة الإسرائيلية مع كل عملية إفراج، معتقلون شارفت أحكامهم على الانتهاء، أو آخرين لم يمض على اعتقالهم سوى بضعة شهور، ومحظور الحديث عن أولئك الذي أمضوا عشرات السنوات بين جدران السجون وزنازين العزل.
ما يهم الحديث عنه في هذا السياق، التغطية الإعلامية لقضية الإفراج عن دفعة الأسرى. فإسرائيليا، بدأت ماكينة الإعلام الإسرائيلية "بمضغ" الموضوع منذ قمة شرم الشيخ، ومن غير المتوقع أن تنته بعملية الإفراج التي تمت يوم الخميس الثاني من حزيران/يونيو 2005م. فأينما كنت تدير وجهك نحو الفضائية الإسرائيلية أو قنوات التلفزة الخاصة والعامة وشبكات الأخبار، تراهم يتحدثون عن "الإفراج" المتوقع، ويستضيفون المحللين والمعلقين لتناول الموضوع من مختلف أبعاده، والكل يحذر من إطلاق سراح أولئك الملطخة أيديهم بدماء "الأبرياء" من جنود الاحتلال الإسرائيلي ومستوطنيه. فإذا هدأت هذه الموجة المرئية، تبدأ موجة أخرى مسموعة، الإذاعة الإسرائيلية "صوت إسرائيل"، ثم إذاعات الجيش وإذاعات المستوطنين، والكل يربط بين الانسحاب من غزة والإفراج عن دفعة الأسرى بشكل أو بآخر، فإذا سكتت هذه الماكنة المسموعة، هرعت أقلام كبار الساسة والإعلاميين والمحللين الإسرائيليين لمناقشة الموضوع بين ثنايا الصحف الإسرائيلية الصادرة يوميا وبأكثر من لغة.. فهذا يمدح حسن نية شارون، وذاك يعتبرها في وقتها إرضاء للفلسطينيين خصوصا مع حالة الاحتقان المتولدة بفعل التهديدات التي يتعرض لها المسجد الأقصى، وثالث يراها فرصة مواتية يمكن استغلالها و"إلهاء" الرأي العام بها عن عملية التوسع الإستيطاني، ورابع وخامس، والجميع يبذل كل الجهود وأقصى الطاقات، لإخراج هذا الحدث الدرامي المسمى "دفعة جديدة" بشكل يثير لمعانه انتباه القاصي والداني.

بعبارة أخرى، وبحسبة بسيطة، أيكم لم يسمع حديثا يوميا عن دفعة الأسرى في وسائل الإعلام الإسرائيلية المختلفة، أو على المنابر الدولية التي زارها زعماء وساسة إسرائيل، رغم أن المقصود ليس أكثر من (400) أسير من أصل حوالي (8.800) أسير وأسيرة؟!! إنهم يريدون أن تخلّد عملية إطلاق الدفعة الأخيرة من الأسرى في السفر الإسرائيلي والسجل العالمي معروفا ومنّة، بعد أن أذاقت هؤلاء الأسرى ويلات العذاب داخل السجون والمعتقلات.
مقابل ذلك، كان من واجب إعلامنا الفلسطيني والعربي التأكيد على حقيقة أن عملية الإفراج لم تتجاوز نسبة 5% من مجموع الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية؟ ليدرك العالم، أن ما تقوم به إسرائيل بوسائل إعلامها ودبلوماسيتها لا يعدو أكثر من تضليل، ولا مجال لمقارنته بأي حال من الأحوال، بعمليات الإفراج التي تتم بين الدول والأطراف المتنازعة إثباتا لحسن النوايا، وهذا ما تحاول إسرائيل الترويج له.
كان من الواجب على وسائل إعلامنا، وأثناء لقاء الأسرى المحررين على المعابر، أن يكون أسرانا الذين لا زالوا قيد الاعتقال بأعدادهم الهائلة، ومعاناتهم المتجددة، هم جوهر التقارير المصورة والمسموعة والمكتوبة، موثقة بأرقام أكيدة وشواهد صادقة، وأن دفعة الإفراجات هذه التي تمخضت عن قمة شرم الشيخ، قد أتت بعد اعتقال ما يزيد عن 800 أسير فلسطيني منذ تلك القمة.
التغطية الإعلامية الفلسطينية والعربية لعملية الإفراج، كان من واجبها إجهاض الحملة الإعلامية الإسرائيلية وإفراغها من مضمونها، وسيعذرنا أسرانا الأبطال المفرج عنهم، لو لم تلق عملية إفراجهم اهتماما إعلاميا، فهدفها حركتنا الأسيرة برجالها ونسائها وأطفالها، الذين لا زالوا يقبعون مكبلين بالمؤبدات والأحكام الطويلة.
ولعل أسرانا المفرج عنهم هم الذين قادوا حملة إعلامية ناجحة، عندما صرحوا جميعا دون استثناء، أن هذه العملية مبتورة ومنقوصة، وأنها لا تعني لهم شيئا مع وجود أخوة لهم وأخوات خلف القضبان، لا، بل زاد ذوي الأسرى المحررين على ذلك بأنهم كانوا يفضلون خروج أسرى آخرين على أبنائهم في رائعة نضالية وأسطورة إيثار قل نظيرها.
في سياقها الطبيعي، ونحن إذ نهنئ أسرانا البواسل بسلامة العودة إلى ذويهم، لم تكن عملية الإفراج إلا بادرة علاقات عامة من قبل الإسرائيليين تجاه الرأي العام الدولي قبل أن تكون موجهه للفلسطينيين، فهي لم تشمل ما يطالب به الفلسطينيون، من أسرى قدامى ومرضى وأسيرات وأطفال وجثث شهداء، بل لقد فضل كثير من الأسرى المحررين أن لو لم يتم إدراجهم ضمن قوائم الإفراج، حيث عاشوا الأسبوع الأخير في أوضاع نفسية واعتقالية غاية في السوء والإذلال من قبل إدارات السجون، تقاس بمعاناة اعتقال عام كامل، فأين هي حسن النوايا؟!!


يوسف العمايرة - الخليل / فلسطين
yamayreh@yahoo.com

تاريخ النشر : 4/6/2005