عن مظفر النواب وقضيته ...مجرد تساؤلات .؟؟!
بقلم : يعقـوب الـقوره

كل امة وكل شعب وعبر التاريخ قد يتعرضان للمرور بمرحلة تحمل سمات الأزمة والتى قد تتطور في اسوأ حالاتها لتصبح مرحلة سقوط وانهيار تتبدل فيها المعايير والمبادئ التى تحكم المسيرة الحضارية لهذه الأمة وهذا الشعب .. وقد تكون هذه المرحلة قصيرة في مقاييس الزمن فتنهض هذه الأمة وهذا الشعب من كبوة السقوط والانهيار لتواصل رحلتها الحضارية .. وقد تطول هذه الأزمة -المرحلة - فتنخر في عظام مختلف البنى التى تشكل جسد هذه الأمة او هذا الشعب .

خاطرة احتلت مكانا في الوجدان وانا اتابع موضوع الرحلة "الفضيحة" ، كما اطلقت عليها احدى الصحف الاغترابية ، لشاعرنا العربي الكبير مظفر النواب الى ابو ظبى .
وبالرغم من تعدد التعليقات التى تناولت الموضوع ، إلا اننى توقفت عند تعليق الصديق القديم الشاعر ابراهيم عبد العزيز المصرى بعنوان : "كنت حاضرا .. وشاهدت" .. وكان في اصله تعليقا على مقال للدكتور خالد منتصر بخصوص ذات الموضوع ... والوقع اننى ومنذ فترة وانا اتابع كتابات المصرى سواء أكانت الشعرية او النثرية ..وكنت انوى مناقشة الكثير الكثير مما احتوت عليه هذه الكتابات من افكار تكاد تكون مغايرة ومتعاكسة مع كل ما عرفناه او لأقل ما عرفته عن وطنية ابراهيم الذى طالما دافع في ذلك الزمان عن هذه الوطنية ..ولعلى اذكره بكل النقاشات والحوارات التى كانت تدور بيننا نحن رواد منتدى الثلاثاء الثقافى وكل الأنشطة الثقافية التى لم يكن ليفوتنا نشاط منها إلا لظرف طارئ . ولأبراهيم ان يعود لقراءة ما كانت عليه افكاره وارائه المدونة في الصحف الأمارتية في ذلك الوقت ... عن الوطن والوطنية والوطنيين من حملة مشاعل الفكر والثقافة .. اقول كل هذا بسبب طريقة دفاعه الغريبة عن امسية مظفر النواب تلك وحقيقة ما دار فيها ... واذا كنا نقرر ونعيد التكرار عن مكانة الشاعر الكبير لدى كل انسان عربي قرأ او سمع كلمات وقصائد مظفر على مدى السنين الطويلة ... وانه احد القمم الشعرية في عالمنا العربي ، إلا ان هناك تساؤلات تفرض نفسها في هذا المجال وهى تنبع من فكرة ضرورة وحدود التزام المفكر اوالكاتب او الشاعر وتطابق مواقفه الحياتية مع ممارساته الفكرية .

لقد اثبتت كل ظروف الكتاب والمفكرين العالميين الذين التزموا قضايا شعوبهم وشعوب الأنسانية هذا التطابق وليس التناقض ..وكم هى كثيرة الأسماء الى يمكن ان نذكرها بهذا الخصوص ، فهل ما فعل مظفر في رحلته وامسيته تلك وفي حضور هؤلاء الأمراء والشيوخ الذين (حشا بهم وبأوصافهم ما حشى) في قصيدته وتريات ، يمثل تطابقا بين الفكر ام تناقضا معه ؟

بالطبع لن نعيد هنا الفقرات التى جائت في القصيدة ونترك للقارئ ان يعود للقصيدة ذاتها .. ولعلى اذكر لأبراهيم المصري موقف اخر من مواقف مظفر وانا انقلها عن مقال الصحيفة الأغترابية ذاتها :
"كان مظفر النواب قد لبى دعوة الخطوط الملكية الاردنية في منتصف التسعينات فطار معها الى واشنطن حيث القى القصيدة نفسها في امسية عامة برعاية ملكية .. وكالعادة حذف من القصيدة الفقرات الى تتحدث عن ملك السفلس الذى لا يشرب الا بجماجم اطفال البقعة وهو الوصف الذي اطلقه مظفر النواب على الملك حسين"
فهل هذا ايضا كان تطابقا بين الفكر ام تناقضا معه ، ولنا هنا ان نسأل ، ماذا سيبقى من القصيدة اذا تم حذف هذا المقطع او ذاك مع كل زيارة لبلد جاء ذكره او ذكر رئيسه او زعيمه فيها ؟؟ ولنا مثال حديث وجديد .. حيث قبل الشاعر الكبير ان يشارك في احد برامج قناة الحرة بالرغم من انه المثقف الكبير والمتابع لظروف هذه القناة وموقف المثقفين العرب منها ...فهل من تفسير مقنع لهذا وهل هذا تطابق ام تناقض بين الفكر والموقف ؟؟؟

انها مجرد تساؤلات تعاود طرح السؤال الذى ذكرناه عن تطابق او تناقض فكر المفكر او الشاعر مع ممارساته الحياتية ومواقفه ، التى هى بألأصل يجب ان تكون المثال والنموذج للأجيال القادمة والمتطلعة لنيل حريتها الحقيقية والتى لن تنالها إلا بالنضال المتواصل من خلال النموذج الذى يمنحها القوة في رحلتها تلك .... ويبقى ويظل مظفر النواب احد اقمار الشعر العربي مشعا بحروف وكلمات القصيدة النوابية ... اليس كذلك يا ابراهيم المصري ؟

ملاحظة هامة :
قبل ايام وخلال معرض ابوظبى للكتاب كان من ضمن ضيوف المعرض الشاعر مظفر النواب والذى احيا امسية حاشدة كان على رأسها امراء وشيوخ من المسؤلين بالدولة وقد اثارت هذه الزيارة رد فعل عنيف من قبل بعض المثقفين والصحفيين والكتاب العرب ...حتى اطلقت احدى الصحف على هذه الزيارة صفة (الفضيحة ) وخاصة بعد ان قبل مظفر العروف بثوريته ووطنيته هذه الدعوة والتى وجهت له بالطبع من المسؤلين (الشيوخ) الذين هاجمهم بشراسة من قبل وخاصة في قصيدته وتريات وهى نفس القصيدة التى فجرت الحوارات والتعليقات حولها من جديد حيث نقل البعض ان مظفرا قد قرأ القصيدة دون ان يقرأ منها الأجزاء التى تحدث فيها عن هؤلاء الشيوخ والأمراء.. ..وقد كتب بعض الكتاب مواضيع وتعليقات حول هذا الموضوع وخاصة في موقع (أيلاف الألكترونى) الذى يبدو ان القائمين علية لم تعجبهم الأنتقادات التى وجهت لمظفر وللأمسية ومكانها وكان مقال الدكتور خالد منتصر احد المقالات الناقدة لمظفر والذى فتحت ايلاف المجال لبعض الكتاب المدافعين عن مظفر والزيارة وكان من بينها مقال للصديق القديم الشاعر ابراهيم عبد العزيز المصرى الذى وجدت فيه ما يستحق الرد عليه فكان ان كتبت المقال المثبت هنا وقمت بأرساله لأيلاف كحق من حقوق الرد .. الأ ان الموضوع لم يتم نشره دون ابداء الأسباب لذلك... مما يضع شكوكا حول مصداقية بعض المواقع في تعاملها مع القارئ وخاصة اذا تعارضت افكاره مع ما تتبناه هي من فكر له ارتباطاته الجغرافية او السياسية او المصلحية ...وهو في واقعه يتعارض مع ما تدعيه من ديمقراطية وحرية فكرية ...؟؟

يعقوب القوره
كاتب وشاعر عربي فلسطيني كندى