السرطان الاستيطاني يقتل السلام الفلسطيني
بقلم : سـري القـدوة *

سـري القـدوة

بات من المهم أن تتمترس القوى والفصائل الوطنية والإسلامية حول التمسك بالوحدة الوطنية كخيار استراتيجي في مواجهة التحديات والمخاطر التي يواجهها شعبنا داخل الوطن وفي دول الشتات من أجل الوصول إلى موقف فلسطيني موحّد تجاه التمسك بالثوابت الوطنية، وإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.

وتأتي أهمية وحدة الصف والحوار الوطني بين القوى والفصائل الفلسطينية في ظل هذا العدوان الهمجي "الإسرائيلي" والاستمرار في بناء المستوطنات وفي ظل الكشف عن مخطط لحكومة الاحتلال "الإسرائيلي" لإقامة وحدات استيطانية جديدة بالضفة الغربية حيث صرح رئيس الوزراء "الإسرائيلي" شارون وبشكل واضح وأمام المجتمع الدولي بان خطة الفصل والانسحاب من غزة ستمهد الطريق أمام احتلال ومصادرة الأراضي وابتلاعها لتوسيع المستوطنات في الضفة حيث تخطط حكومة الاحتلال "الإسرائيلي" لذلك ولم يمض بعد أسبوع واحد على إقرارها خطة إجلاء مستوطنات قطاع غزة حيث تعمل الحكومة نفسها علي برنامج لبناء آلاف الوحدات السكنية في مستوطنات الضفة الغربية بموازاة الانفصال .

لقد كشفت مصادر صحافية "إسرائيلية" عن المخطط الكامل الذي يشمل أيضًا منح التراخيص لـ120 موقع استيطاني تطالب الولايات المتحدة بتفكيكها.

موجة البناء المستقبلية مفصلة في خطة عمل ما يسمي دائرة أراضي "إسرائيل" للعام 2005. وتنوي دائرة الأراضي التي يقف على رأسها الوزير إهود أولميرت توسيع مستوطنة "معاليه أدوميم" عبر إضافة 2100 وحدة سكنية جديدة. وهذا بالتأكيد لوحده يبتلع ما تبقي من اراضي القدس .. وتتجه النوايا نحو تسويق 600 وحدة سكنية منها في العام الحالي. ومن أجل تخصيص الأراضي لبناء 1500 وحدة سكنية إضافية في "معاليه أدوميم" تعمل حكومة الاحتلال على إجلاء أبناء عائلة الجهالين الذين يسكنون بجوار المستوطنة وسيُستكمل تنفيذ هذه الخطوة حتى نهاية 2005.

ولن تكون مستوطنة "معاليه أدوميم" الوحيدة التي ستجني ثمار موجة البناء هذه بل سيتم بناء وحدات سكنية في "عين عيليت" (1500 وحدة سكنية)، "بيتار عيليت" (500 وحدة سكنية)، "هار غيلوه" (35 وحدة)، "غفعات زئيف" (132)، "غفعات بنيامين" (200)، "عيتس إفرايم" (240)، "إلكناه" (90 ) و"ألون شبوت" (24). كذلك يشمل المخطط ذاته بناء 70 وحدة سكنية في "هار أدار" المتواجدة داخل الخط الأخضر.

وكشفت "يديعوت أحرونوت" قبل ثلاثة أسابيع عن "تقرير المواقع الاستيطانية" الذي أعدته المحامية طاليا سَسون من الادعاء العام. وكشف التقرير الذي أعد بطلب من رئيس الحكومة عن أن الحكومات "الإسرائيلية" غضت الطرف طيلة سنوات عديدة عن إنشاء تلك المواقع وأتاحت بذلك تأسيس وتوسيع أكثر من 120 موقعًا غير مرخص.

ان مخاطر استمرار حكومة الاحتلال في التوسع الاستعماري، وعمليات البناء في جدار الفصل العنصري، إلى جانب الحصار والإغلاق المفروضين على الأراضي الفلسطينية، بات يشكل عقبة حقيقية أمام السلام .

وفي ضوء هذة السياسة العقيمة التي تنتهجها حكومة الاحتلال والتي تعمل من خلالها علي قتل عملية السلام وفرض سياسة الأمر الواقع نتسائل هنا أين هو الدور الأمريكي في تطبيق خارطة الطريق والسعي لأحياء عملية السلام ووقف بناء المستوطنات .

إن منطقة الشرق الأوسط مازالت تشتعل بالتوترات المتعلقة بالقضية الفلسطينية‏ ولا يمكن إن يكون هناك سلام حقيقي دون أيجاد حل عادل وشامل يكفل الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني وفي مقدمتها حق عودة اللاجئين إلي ديارهم ، ودعم نضال الشعب الفلسطيني من أجل حريته واستقلاله وترسيخ النظام الديموقراطي , وفي هذه الأجواء المفعمة بالتوتر فإن القوي الإقليمية والدول الكبرى مطالبة بالعمل علي معالجة هذه القضايا بشكل حكيم وسلمي يساعد علي أحياء عملية السلام والتوصل إلي حل عادل للقضية الفلسطينية بعيدا عن سياسة حكومة الاحتلال الرافضة للسلام والتي تمضي في مخططها الاستيطاني الذي سيقود منطقة الشرق الأوسط إلي مآسي جديدة وصراعات طويلة الأجل ‏.‏

وإذا كان الرئيس الأميركي قد أكد ـ في قمة حلف الأطلنطي مع الاتحاد الأوروبي ـ دعمه للجهود الدبلوماسية الفرنسية والبريطانية والألمانية لحل الأزمة النووية الإيرانية‏,‏ فإن الولايات المتحدة مدعوة لإشراك هذه الدول‏,‏ وإشراك الأمم المتحدة بشكل فعال وحاسم لمعالجة أحياء عملية السلام والتوصل ألي حل عادل للقضية الفلسطينية لإقرار التسوية السياسية بين "إسرائيل" ‏,‏ وكل من فلسطين‏,‏ وسوريا‏,‏ ولبنان علي أساس قرارات الشرعية الدولية‏,‏ وإن الأمم المتحدة يجب أن تتخذ موقفا قويا لأن منطقة الشرق الأوسط المفعمة بالتوترات ليست في حاجة إلي إثارة توترات جديدة ومدمرة‏ , حيث بات من الضروري مساهمة المجتمع الدولي في دعم عملية سلام حقيقية تنهي الاحتلال "الإسرائيلي" ، وتوفر الحل العادل للقضايا الجوهرية، بما في ذلك القدس واللاجئين وإزالة المستوطنات .

أن خطة بناء ألاف الوحدات الاستيطانية السكنية في المستوطنات تنتهك خارطة الطريق وعملية السلام برمتها التي تدعمها الولايات المتحدة وبات من المهم إن يتدخل البت الأبيض بسرعة لمطالبة حكومة الاحتلال بوقف كل "الأنشطة الاستيطانية" على أراض احتلتها الدولة اليهودية في حرب عام 1967 , وان خطة فك الارتباط باتت أهدافها واضحة حيث تريد حكومة الاحتلال الخروج من قطاع غزة لتشدد قبضتها على مناطق الضفة الغربية وضم الكتل الاستيطانية الأكثر ازدحاما هناك , ومن الواضح أن حكومة الاحتلال ستحتفظ بها حيث الحاجة لتغطية "النمو الطبيعي المصطنع" لسكان المستوطنات وان حكومة الاحتلال تخطط "لإضفاء الشرعية" على 120 موقعا استيطانيا غير مصرح بها في الضفة الغربية كانت قد وعدت الولايات المتحدة بتفكيكها وهذا بالطبع ما يتناقض مع حقيقة السلام والفرصة التاريخية التي قدمها الشعب الفلسطيني وقيادته للاستمرار في عملية السلام وهذا ما يتناقض مع الشرعية الدولية ويضع مستقبل عملية السلام في خطر حقيقي سيقود المنطقة ألي الحرب والهلاك وسيشعل ويؤجج الصراع العربي "الإسرائيلي" .

أن نيل الشعب الفلسطيني لحقوقه المشروعة وفي مقدمتها حقه في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، يشكل الضمانة الأساسية للسلام العادل والشامل في منطقة الشرق الأوسط .

* سري القدوة : المحرر المسؤول رئيس تحرير جريدة الصباح - فلسطين
ALSBAH.NET
تاريخ النشر : 26.02.2005