التهدئة في مهب الريح
بقلم : سـري القـدوة *

سـري القـدوة

لقد كانت منطلقات العمل الوطني أساساً في ترسيخ منهج الكفاح الفلسطيني على مدار حقبة تاريخية هامة انطلقت الثورة الفلسطينية من واقع المعاناة والآلام لترسيخها على مدار أكثر من خمسين عاماً قدم خلالها شعبنا وما زال يقدم الشهداء تلو الشهداء من أجل نيل الحرية والاستقلال وتقرير المصير.

إن شعب فلسطين هو شعب مناضل يستحق الحياة ويستحق العيش بحرية وكرامة على أراضيه التي اغتصبتها العصابات الصهيونية.

لقد عملت القيادة الفلسطينية وضمن دبلوماسيتها على تحديد الملامح الوطنية لشعبنا العظيم وكانت فلسطين حاضرةً دوماً في كل المحافل الدولية.

لقد عرف العالم شعبنا من خلال الكوفية السمراء .. كوفية الزعيم الخالد الرمز ياسر عرفات وقد استمرت المسيرة وبنفس النهج فقد حقق ويحقق الرئيس محمود عباس الإنجازات الدبلوماسية الهامة لإعادة صورة الفلسطيني المناضل الذي يسعى إلى العيش بحرية على أرضه في كل المحافل الدولية ، وهذا الأمر على ما يبدو استفز مشاعر العاملين في جهاز المخابرات الإسرائيلي الذي دفع برئيس لجنة الخارجية والأمن الإسرائيلي عضو الليكود يوفال اشطانيتس بالمطالبة بطرد الرئيس الفلسطيني محمود عباس فوراً من الأراضي الفلسطينية والذي قال أن عباس أسوأ من عرفات وأن على الدولة عدم الانتظار حتى زيادة المخاطر التي ستنشأ جراء استمرار عباس بقيادة الفلسطينيين.

كما طالب أرئيل شارون نفسه بمنع أبو مازن من السفر وعبر عن شكواه من جراء تنقلات أبو مازن الكثيرة داخل وخارج الأراضي الفلسطينية ، وهذا الأمر بحد ذاته يعد انتهاكاً خطيراً لقواعد التفاوض الذي ما زالت إسرائيل معنية بتغييبه وفرض سلام القوة والهيمنة والغطرسة على شعبنا من خلال الحلول أحادية الجانب والتي لا تخدم عملية الاستقرار وتطور خطوات السلام التي اتخذتها القيادة الفلسطينية.

فمن الواضح أن أجهزة المخابرات الإسرائيلية قد أعدت خطتها بل وتعمل على قتل التهدئة ضمن رؤية إسرائيلية لفرض الوصايا على الشعب الفلسطيني بعد أن حققت التهدئة ورسمت صورة مشرفة عن القيادة الفلسطينية في أروقة السياسة الأوروبية ، بل تعدت ذلك لتؤثر على مضامين الرؤية الأمريكية.

إن حكومة الاحتلال تتحمل المسؤولية المطلقة في إفشال القيادة الفلسطينية وفي توجيه ضربة قاتلة للتهدئة عبر اصطياد طائراتها العسكرية لأبناء شعبنا واستهداف الشباب الفلسطيني وتكريس العدوان والاستيطان هو لغة الاحتلال وأصبح شارون هو المحرض الأكبر الذي يمارس وبكل عنجهية سياسة القتل والحصار والتجويع والعربدة غير مبال بأي نتائج.

فبالرغم من قرارات التهدئة الفلسطينية والنهج الديموقراطي الذي اتبعته القيادة الفلسطينية منذ أن تولى الرئاسة الرئيس الفلسطيني محمود عباس وخطوات الإصلاح التي قام بها من توحيد عمل الأجهزة الأمنية الفلسطينية إلا أنه لا يوجد أي شخص يمكنه كبح مخطط شارون أو التدخل لإيقافه بل نلاحظ الصمت العربي على جرائم الاحتلال والانحياز الأمريكي الواضح للسياسة الإسرائيلية وهذا بالتأكيد سيعيد شعبنا وقيادتنا إلى المربع الأول مما يهدد بانهيار التهدئة وتكريس لغة القتل التي يعشقها شارون ، فمن الواضح أن حكومة الاحتلال لا تعرف إلا لغة الدم والعربدة والقتل.

والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق ، كيف للتهدئة أن تستمر في ظل مواصلة حكومة الاحتلال في سياسة الاغتيالات ؟ وكيف للتهدئة أن تستمر والحصار يشتد حصاراً على المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية ، والقدس تتعرض لأكبر تهويد لها والاستيطان يبتلع أراضي الضفة الغربية ؟!.

إننا نقف بالتأكيد أمام مفترق طرق حيث تتحمل حكومة الاحتلال المسؤولية الكاملة أمام هذا التطاول السافر على الشعب الفلسطيني والقيادة الفلسطينية ، حيث يرفض شعبنا وقيادتنا العيش تحت وطأة الاحتلال ولا يمكن لأي فلسطيني أن يرضى أو بوسعه أن يتحمل هذه السياسة الحمقاء التي لا تخدم إلا المصلحة الإسرائيلية ، فشعبنا اليوم أحوج إلى تكريس وحدته الوطنية ووحدة موقفه من أجل التصدي للمخطط الإسرائيلي ، فالوحدة الوطنية الفلسطينية هي صمام أمان المستقبل.

فالمطلوب من فصائل ومنظمات العمل الفلسطيني أن تنطلق لتعزز الوحدة الوطنية الداخلية وتقوية أوصالها وتوحيد لغة الخطاب السياسي الفلسطيني ضمن منهج واضح يكرس رفض الاحتلال ويعبر عن لغة الوحدة ويكفل التصدي للاحتلال ومخططاته العدوانية.

* سري القدوة : المحرر المسؤول رئيس تحرير جريدة الصباح - فلسطين
للمراسلة : alsbah@alsbah.net
ALSBAH.NET
تاريخ النشر : 24.05.2005