الشعب الفلسطيني : بين الفيتو الأمريكي والعدوان الإسرائيلي
بقلم : سـري القـدوة *

سـري القـدوة

إن غياب الموقف العربي والتواطؤ الدولي وعدم قدرة الجامعة العربية على تحديد موقفها منح شارون مزيداً من المناورة والكذب والخداع للاستفادة من الوقت والاستمرار في التملص من استحقاقات عملية السلام..

لم يكن بوسع شارون وحكومته إلا الاستمرار في سياسة القتل ومصادرة الأراضي وتضليل الرأي العام العالمي وتوجيه الاتهامات للشعب الفلسطيني وتصويره بأنه شعب إرهابي يمارس الإرهاب لأن حكومة شارون جاءت على قاعدة أساسية ترفض اتفاقيات السلام وجاءت لتمزيق أي معاهدات موقعة مع السلطة الوطنية الفلسطينية وبالتالي سيستمر شارون في مناوراته وليس بالغريب أن يغير مواقفه في اليوم الواحد إلى أكثر من ثلاث مرات فهذا هو شارون يفاوض الإسرائيليين أحزاباً وتجمعات على أن ينسحب من غزة أو لا ينسحب وكأن أحزابه هي التي تحكم غزة أو تحدد عملية الانسحاب من عدمه .. متنكراً للحقوق الفلسطينية ومتناسياً أن عنوان الشعب الفلسطيني ومرجعيته السياسية وقيادته التاريخية والمخولة في التفاوض على انسحاب الاحتلال من غزة واستمرار عملية السلام هو عنوان واضح ومعروف للجميع حيث يحاصر الرئيس ياسر عرفات في رام الله.

واليوم ومع إعادة احتلال قطاع غزة والضفة الغربية وممارسة التنكيل بالشعب الفلسطيني بكل صورة وفرض الاحتلال بالقوة تدخل انتفاضة الأقصى عامها الخامس والتي وحدت الشعب وأبرزت أن الحل لا يكون إلا عبر إعطاء الفلسطينيين حقوقهم السياسية قبل أي شيء، مع رفض أية محاولة لتقزيم مطالب الشعب الفلسطيني إلى مطالب تتعلق بإدارة الحياة اليومية المحصورة في أطر جغرافية ضيقة.

مسيرة انتفاضة الأقصى تميزت بالتضحية الفلسطينية العظيمة المعبّرة عنها بمئات الشهداء وآلاف الجرحى والأسرى والمعوقين، وبالصمود الأسطوري الذي أكد تمسّك أبناء الشعب الفلسطيني بحقهم ووطنهم وأرضهم ومقدساتهم.

كما إن هذه الانتفاضة تميزت بالعدد الكبير من الشهداء والقادة الذين ارتقوا إلى العلا وهم على ثباتهم وصمودهم.. لم يتنازلوا ولم يتهاونوا. ضربوا المثال والنموذج وأناروا بدمائهم طريق النصر والحرية والعودة والتحرير

إن انتفاضة الأقصى تمثّل إنجازاً سياسياً وشعبياً وعسكرياً فلسطينياً يستحق التوقف أمام محطاته.

في ظل استمرار تضحيات شعبنا وتعاظم عطاءه تستمر حملة الابادة التي تمارسها حكومة الاحتلال وجيشها الإرهابي ضد الشعب الفلسطيني في غزة والتي يصر قائد الإرهاب الدولي المنظم سفاح صبرا وشاتيلا شارون على استمرارها رغم أنف المجتمع الدولي، وبتغطية امريكية منظمة .. في ظل ذلك يعيش أبناء المخيمات الفلسطينية في جباليا وبيت لاهيا وبيت حانون تلك المناطق التي تشكل أعلى كثافة سكانية في العالم على حافة كارثة إنسانية مخيفة.

حياة قاسية وواقع يثير الألم والفزع يتحمله هذا الشعب الفلسطيني الصامد الذي يئن من وطأة الاحتلال الاسرائيلي والذي فاقت جرائمه كل الممارسات النازية . هذا الواقع الذي يتجاهله مجلس الأمن الدولي في ظل دعم امريكي مطلق لاسرائيل وحمايتها والذي يفترض بمجلس الامن الدولي أنه يعبر عن ارادة المجتمع ومن مهامه ردع المعتدين ورفع المعاناة عن المقهورين.

لقد اطلقت 12 منظمة غوث تابعة للأمم المتحدة صرخة انسانية عن معاناة شعب غزة. وحذرت من خلال احدث تقرير لها من الارض المحتلة من تردي الاوضاع المعيشية هناك.

يقول التقرير ان اكثر من 70% من الفلسطينيين يعيشون تحت خط الفقر، أي انه بموجب تعريف منظمة الامم المتحدة، يعيشون على أقل من دولارين في اليوم.

ويشير التقرير الدولي أيضاً إلى أن 13% من الاطفال الفلسطينيين في القطاع ـ تحت سن خمسة أعوام ـ يعانون من سوء تغذية مزمن. كما أن فرص العمل امام السكان تبدو معدومة. وبسبب ضعف امكانياتهم لا يستوردون السلع والبضائع الاساسية والضرورية لحياتهم المعيشية.

كما أن منهم من يعجز عن ارسال اولاده إلى المدارس، والسبب هو القيود الاسرائيلية وعلى رأسها شبكة الحواجز التي يضعها جنود الاحتلال على كل الطرق.

وبسبب حملة الابادة وسياسة الارض المحرقة التي ينفذها الارهابي شارون، فقد أكثر من 24 ألف فلسطيني منازلهم بعد أن هدمها الجيش الصهيوني في الفترة الأخيرة، وبموجب التقديرات التي اشار إليها التقرير، تم هدم 120 مبنى سكنياً بمعدل كل شهر.

تلك هي لمحة موجزة تقدمها منظمات الاغاثة الدولية نقلت جزء من حياة الشعب الفلسطيني وظروفة المعيشية في قطاع غزة المنكوب. فمن سيرفع المعاناة عن هذا الشعب؟

ان الفلسطينيين يواجهون محنة تهدد وجودهم وكيانهم، وما لم يتحرك المجتمع الدولي لرفع المعاناة عنهم، فإن غزة ستشهد كارثة انسانية يتحمل مسئوليتها اولئك المتفرجون الصامتون على جرائم شارون.

إن حكومة شارون وقيادة أركان الاحتلال يدركون تماماً بأن السبب الأساسي لاحتدام الصراع هو الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية واستمرار هذا الاحتلال يؤدي بالدرجة الأولى إلى استمرار النضال الفلسطيني ولا يمكن مهادنة هذا الاحتلال على حساب الدم الفلسطيني أو تجاوز الاحتلال على أنه خلاف عابر أو وجهات نظر.

إن الاحتلال هو المشكلة الكبرى وهذا العدوان على الشعب الفلسطيني هو الأساس ولا يمكن لمن كان أن يحاول القفز عن القيادة الشرعية قيادة النضال الفلسطيني للنيل من صمود الإنسان الفلسطيني وإرادته وعزيمته وإثناؤه عن المطالبة بحقوقه لتقرير مصيره وإقامة دولته الفلسطينية المستقلة..

إن شارون اليوم بات في مأزق حقيقي فهو يعيش في حصار كامل ولا يمتلك أي محاولات لمزيد من المناورة والكذب للاستمرار في تضليل الرأي العام والمحاولة للنيل من الحقوق الفلسطينية المشروعة ..

إن الصراع لا يمكن أن ينتهي بأي حال من الأحوال في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي واحتلال الأرض الفلسطينية واغتصاب ومصادرة الأراضي ولا يمكن للاحتلال أن يستمر في ظل عدوانه الظالم على شعبنا حيث هذا التطاول الواضح على الحقوق الفلسطينية ولا يمكن لأي من كان أن يحاول تمرير مشروع تصفوي استسلامي يهدف إلى إفراغ القضية الفلسطينية من محتواها الوطني.

إن شارون وأجهزة مخابراته يتناسون أن شعبنا وقيادته التاريخية لن يتخلوا عن الحق الفلسطيني المعترف به من الشرعية الدولية ولا يمكن لهذا الشعب أن ينسى حقوقه ونضالاته على مدار الزمن وعلى شارون أن يتوجه إلى رام الله بدلاً من استمرار مخادعة العالم والتوجه إلى عناوين يرفضها الشعب الفلسطيني والاستمرار في تلفيق الحجج الواهية والأكاذيب التي من شأنها فقط أن تؤجل ساعة الحسم ولكنها لن تستطيع أن تحسم الأمور لصالح نهجه العدواني القبيح .

* سري القدوة : المحرر المسؤول رئيس تحرير جريدة الصباح - فلسطين
ALSBAH.NET
تاريخ النشر : 10.10.2004