ما بعد الانسحاب من غزة
بقلم : سـري القـدوة *

سـري القـدوة

لم يكن بوسعنا أن نتصور أن مخطط الانسحاب من غزة أحادي الجانب سيكون بفعل خطة شارون على حساب استمرار نهج الاستيطان في الضفة الغربية وبأن خطة الانسحاب ستكون خطة مدروسة وممنهجة مسبقاً من أجل بناء المزيد من الوحدات الاستيطانية في مستوطنة معالية أدوميم والاستمرار في تنفيذ مخطط قرية سلوان لمصادرة أراضيها والاستمرار في اتباع سياسة تهويد القدس وكأن الدولة الفلسطينية هي دولة في قطاع غزة فقط وبانسحاب جيش الاحتلال من قطاع غزة تكون المشكلة الفلسطينية قد انتهت ويكون قطاع غزة هذه البقعة الجغرافية التي نعتز بها والتي نفخر بأنها ستحرر من نير الاحتلال حيث لم يكن أمام شارون سوى الإعلان عن انسحاب من قطاع غزة من جانب واحد واستغلال هذا الانسحاب الذي كان نتاج المقاومة الفلسطينية الباسلة والتي ألحقت في جيش الاحتلال خسائر فادحة ، ولم يكن لقيادات الجيش الإسرائيلي إلا الهروب من غزة أمام اشتداد ضربات المقاومة ، ولذلك أراد شارون وحكومته استغلال هذا الهروب للاستمرار في منهج واضح لحكومته ألا وهو الاستمرار في الاحتلال لباقي الأراضي الفلسطينية وتكريس سياسة تهويد القدس واستمراره محاربة المؤسسات الفلسطينية فيها.

لقد بات واضحاً للعالم أجمع بأن شارون وحكومته وأجهزة مخابراته يعملون باستمرار على خداع العالم مكرسين دبلوماسيتهم وخاصة في البيت الأبيض من خلال سيطرتهم على مراكز صنع القرار الأمريكي للحصول على دعم مطلق وانحياز أمريكي تام لمخططاتهم ، وبالتالي وفي ضوء ذلك أصبح العالم الذي يقع في القبضة الإسرائيلية والذي تسيطر عليه رغبة بوش الرئيس الأوحد للنظام العالمي الجديد في استمرار تأييد السياسة العدوانية الإسرائيلية على حساب تضحيات وحقوق قضيتنا العادلة في ظل تجاهلهم للموقف الدولي والأممي الداعم للشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة ، فإسرائيل لا ترى العالم إلا بعيون أمريكية وأمريكا لا ترى العالم إلا بعيون إسرائيلية.

في الأسبوع الماضي كانت أزمة سياسية بين السلفادور وإسرائيل وخلفيات هذه الأزمة قيام السلفادور بتدشين تمثال في وسط العاصمة سان سلفادور يمجد الرئيس الفلسطيني الزعيم الخالد ياسر عرفات ، مما دفع وزير الخارجية الإسرائيلي إلى أن يطلب من سفيرها بعدم التوجه إلى السلفادور احتجاجاً على تمثال برونزي أقامه أحزاب المعارضة في ساحة كبيرة أسمتها ساحة عرفات في وسط العاصمة السلفادورية ، وقد حاولت الخارجية الإسرائيلية دون جدوى التدخل لمنع حفل التدشين الذي تم بحضور زعماء سلفادوريون يمثلون أحزاباً ومنظمات جماهيرية أجمعوا على اعتبار عرفات رمزاً للمقاومة المشروعة.

إن مشهد السلفادور بات يتكرر وبشكل دائم في كبرى العواصم العالمية وإن التأييد الدولي لشعبنا في تزايد مستمر فهذا الشعب هو صاحب الحق في الحياة ولا يريد أكثر من ذلك فإن شعوب العالم تدرك حقيقة العدوان الإسرائيلي وممارسات الاحتلال بحق أبناء هذا الشعب الذي يطالب بحقه والذي يرفض العيش تحت نير الاحتلال وظلمه ، هذا الأمر على حسب ما يبدو يتجاهله بوش الذي قطع على نفسه وعوداً أمام العالم كله بإقامة دولة فلسطين مستقلة ذات سيادة إلى جانب دولة إسرائيل ، واليوم بوش وإدارته الأمريكية يعملون من أجل تبني وجهة النظر الإسرائيلية وكأن الانسحاب من غزة هو النهاية بالنسبة للفلسطينيين ولا يعترفون بأن هناك شعب في الضفة الغربية يعيش تحت الاحتلال معتمدين سياسة مصادرة الأراضي وضمها وإقامة المزيد من الوحدات الاستيطانية تحت مسمع ومرأى من الآذان الأمريكية وساسة البيت الأبيض.

إن حجم المؤامرة التي يتعرض لها شعبنا الفلسطيني في هذه المرحلة كبيرة وشرسة وتشتد وطأتها من كل الاتجاهات للنيل من الصمود الفلسطيني وإصرار شعبنا العظيم على مواصلة نضاله ، فالهدف من هذه المؤامرة بات واضحاً وهو تركيع الشعب الفلسطيني وإذلاله وفرض سياسة سلام القوة والإذعان بعيداً عن احترام نضال وتضحيات الشعب الفلسطيني وبعيداً عن لغة الحوار الهادف وسلام الشجعان التي مازالت القيادة الفلسطينية تنتهجها ، فهل يدرك البيت الأبيض هذه الحقيقة قبل فوات الأوان ؟.

لقد بات من المهم وفي ضوء المتغيرات السياسية الراهنة في الموقفين الإسرائيلي الأمريكي تجاه نضال شعبنا وحقوقه بات من المهم العمل ضمن وحدة واحدة وقلب واحد بين جميع أبناء الشعب الفلسطيني ، فالمطلوب فلسطينياً أن يقف الجميع على قلب رجل واحد وعلى قاعدة أننا شركاء في النضال وشركاء في القرار ويجب على جميع فصائل العمل الوطني الفلسطيني التحلي بروح المسؤولية وتجسيد الوحدة الوطنية الفلسطينية كأساس للحوار ومنهج للعمل الوطني فالوحدة الوطنية لم تعد حاجة فلسطينية فحسب بل هي صمام أمان المستقبل الذي يجب علينا جميعاً أن نجسدها متحملين المسؤولية التاريخية تجاه قضايا شعبنا وحقوقه العادلة غير القابلة للتصرف.

* سري القدوة : المحرر المسؤول رئيس تحرير جريدة الصباح - فلسطين
للمراسلة : alsbah@alsbah.net
ALSBAH.NET
تاريخ النشر : 05.06.2005