سَـجِّلْ أنا مـشبوه !
شـعر : سـليـمان نــزال

سـليمان نـزال

قالتْ النذالةُ عني :
هو مشبوه..
نطاردُ أحزانه من مخيم إلى مخيم
فقد تحمل رصاصاً مشبوهاً
في حزامٍ مشبوه !
أصبحتُ مشبوهاً إذن
بقدرةِ خانعٍ .. تابعٍ
و متسلط, طاغية,معتوه..
و يدي التي تحملُ أيامي و سلاحي
مشبوهة هي الأخرى
وعنفواني شيء مكروه..
دمي الذي أستشهد
-هذا الصباح المنتفض-
يُطارد من شارعِ إلى شارع
لكي يقتلوه.. و يقتلوه
و حلمي الذي بني منارات شموخ
لشعبِ البواسل
هو الآخر مشبوه..
نظراتُ الحقدِ في عيوني
و في قبضتي,
صوب عدوي..صانع عذاباتي و نكبتي..
مريبة..خطيرة...
تستدعي فوراً التنبيه..
فينبغي أن تكونَ متسامحة و مسالمة
و يعتليها سربُ حمام
بإقفاصِ الذلِ رَبوه..
أغنيتي لحرية البلاد مشبوهة..
فكيف تذكر حيفا و عكا و الجليل
و غزة و الضفة..و بغداد و النيل
و ذكريات البحر و البرتقال
بكل صراحة..
إذن فهي تقترفُ"التشويه"..
فقد تغامر بعد ذلك الجنوح
و تذكر السيادة و التحرير
و تشتم الإحتلال بشكل صريح
و تطالب بحق الرجوع
مع" الخطر" الذي يليه !
إذن أصبحتُ مشبوهاً
و إن ألقيتُ تحيةَ الإستقلال
على سنديانةٍ عنيدة
و مشيتُ في جنازةِ طفلة شهيدة
و صفني الجبان بالمشبوه..
لقد أنجبَ المخصيُ المهزوم
غلاماً من وهمٍ و سرابٍ و سديم
فأطلقَ عليه إسما إيقاعيا
ليرقصَ بقاعةِ الغامض .. المعلوم
و ألحقه زوراً بنسل أبيه..
و دعانا كي نحبو مثل خيبته
بدربِ التنازل الكريه..
و أمرَ كلَّ نسرِ
ينزع مخالبه
فهي غير شرعية
ويقص جناحيه
-لخطرها على القضية-
و يخلع من ضلوعه ماضيه..
فتوقعَ بعضنا مجازر جديدة
لن تسلم منها صرخة زيتون
و إستشعر البعض رمادا متسلطا
يُذر في كلِّ العيون..
و إستبشرتُ أنا-معكم- بالزلازل
يفجرها الغضبُ النزيه..
قالتْ الفتنةُ عني :
هذا الرجل إرهابي مشبوه
إذن انا مشبوه
و أنتَ و انتِ و أنتم
و أطفال الحجارة ..
و مبادىء الشهداء و الشهداء
و الأسرى و الشيوخ و النساء
وكل شيء مقدس
و كل ما لا يشبه الغزاة
تحت خانة مُطارد مشبوه
أنا مشبوه أيضا..
لأن حبي لموطني مبالغ فيه
فسرعان ما أسخط على أعدائي
فيغمرني الحزن فأتحمسْ..
لم أدر أني تطرفتُ كثيرا
و أن حماستي تحتاج إلى ترخيص
فلماذا لا أتبع" القانون"
فاحصل على خزيٍ مُرخصْ..
و عاطفتي ليست عفوية
فقد تخرج عني دون رقيب
لتمشي في المدينة بمسدسْ !
فأضيع على الخانعين
شيئاً رهيباً أراه يتأسسْ..
أني محتاج الآن-حسب خطة الهوان-
لتصريح من مسؤول
و إلى إذن لدخول
القاموس الوطني و القومي
من بوابة النسيان و الإهانات..
و لكي أقولَ أحبكِ يا بلادي
فعلي أن أقدمَ كلَّ البيانات
مرفقة بسببٍ وجيه..
و صرخاتي و آلامي..
وموقفي من العولمة
و قراءة مقال ضد الحشرات !
و و قوفي تحت الشمس
و إنتقادي للظلم و الطغاة..
أشياء ممنوعة..
و قد تُضم صرخة ميلاد طفل فلسطيني
وعربي من أب حُر
إلى لائحة القهر و الممنوعات..
فهات جديدك أيها العسف هات !
قد سقطَ المشبوهُ المذعورُ
على المذعورِ الشبيه..
و عليك أن تحصلَ-قبل الأكل و بعده-
على تصريح يوقع عليه سَفيه..
ما أصعب هذا الوقت الأعرجْ
ما اسوأ هذا الصمت الأهوجْ
يسيرُ من عاصمةٍ لعاصمةٍ
كأنه بلاغة و تنزيل و تأليه !
و أخيراً لا تقرب هذا الشعر
لا تأخذ صورة مع حكاية..
لا تدنُ من إستعارات تئنُّ مرة
و مرة تراها من القهر تتموجْ
كي لا تصبحَ مشبوهاً مثلي
لا تقرأ هذا الشعر !
و أن رأيته حزيناً يتأججْ..
فقد تصبح من المشبوهين..
و تفوز بلقب متطرف مشبوه.

*مع الإعتذار لدرويشنا الكبير و قصيدته الشهيرة "سجل أنا عربي"

سليمان نزال

تاريخ النشر : 17:53 22.07.04