طـوى الغيـابَ تحـتَ إبطيـه
شـعر : سـليـمان نــزال
شاهدت ُ سنوات السنديان
أبصرتُ أيامَ الجمر
تطوفُ بين كفيه
و عوسج الجهات و الصخر..
على صهوةِ غيمتين من جليلٍ و تذكار
كان أبي ينقلُ صلصالَ الأماني
و يغرسُ بذورَ التلاقي في الصدر
و يرسلُ مهرَ التوقعاتِ الحنطية
في مدى الزيتونِ
و يتشبثُ بجذورِ الصبر...
كان "أحمد" يحوكُ من زفراتِ البيادر
عباءاتٍ لإسماء الصقور
و يرى ندى المواويل
على أطرافِ كوفيته يدور..
فيقرأ الفاتحةَ للشهداء
و يزيلُ بالدعاءِ عن جبينهِ
خريفَ الوعودِ و القهر..
رأيت دروباً يركضُ فيها الماضي و حصانه
أبصرتُ أمواجَ يديه العسلية
تفيضُ حناناً و أسئلةً فدائية ..
و كان صوتُ الشروقِ القديم يأتي
يصالحُ المواقيت البهية..
و يرجعُ مرفوعَ القامةِ إلى زمانه..
على مهل كان يأتي..
يلقي على تفاصيل جرحه تحية..
يتوضأ من غيث الفجر..
إبتسمتْ آهاتُ أبي
لبرتقالةٍ ما زالت في الوريد
تحرسُ الذكريات و النشيد
صارتْ في بريدِ القلب ترسلُ صيحتها
و مع النجوم تُسَجِّلُ الردود
فأدنو من أبي..
ألثمُ طيفاً في عينيه
مرَّ مثل لمحِ البصر..
أدنو من لفتةٍ تكسرُ القيود..
أرى ما تبقى في خاطره
من فصول اللوزِ و الشجر..
يدنو مني..
يسلمني مفتاح َ العهود
فيراني محتشداً بأشواقي
مزنراً بالتنهداتِ و الفِكَر
أبصره في سنواتِ السنديانِ
أقرأُ في زندِ حكمته الصورْ
أرى "لوبية و عنزةَ و طوباسَ" *
أرى القدسَ بعينيها مطرْ..
أراه يطوي الغيابَ تحت إبطيه
مثل المنديل و الثمرْ
حتى خلتُ أنني هناك
أراه بَعد قرنفلتين ينتصرْ
على بُعد وثبةٍ ينتصرْ
فأعرفُ أنني في الشتاتِ
طويلاً لن أنتظر..
طويلاً لن أنتظرْ .
* لوبية و عنزةَ و طوباس : أسماء بلدات فلسطينية مغتصبة
سليمان نزال
تاريخ النشر : 11:12 05.08.04