لا أحد فوق المساءلة
بقلم : سليمان نزال
عندما يرتطمُ القلب الفلسطيني السندياني الجمعي بما يكره من عوسج تسلطي و أخطاء شائكة وقرارات و تعيينات غير موفقة, و بمسننات فتنة داخلية مقيتة مرذولة, تشترك في صناعتها و تصميمها إسرائيل الإرهابية و معها أدوات متباينة و متداخلة من صبيان المعلم السفاح شارون من جهة و صبيان الجهات المرتعبة الذين وصلهم الدعم و ضُخَّت لهم الأموال , مؤخراً, من جهة أخرى, فإن القلب يتحول إلى كتلة لهب ساخطة ضد كل عابث و مفسد و مستغل للفساد لتمرير برنامجه الأكثر فساداً و المتعارض مع الثوابت الوطنية الفلسطينية , مهما كان موقعه, يهدد الوحدة الوطنية الفلسطينية, و يشوه أهداف الإنتفاضة و يحول معركة الإستقلال و الحرية و العودة من معركة عادلة شجاعة ضد الإحتلال و جرائمه و مذابحه و إعتقالاته اليومية إلى صراعات بين أبناء الوطن الواحد, و المصير المشترك, و الجرح الواحد.
و بدون أية مبالغة, فقد تمكن المجرم شارون بخططه الذئبية و مكائد إنسحابه الكذوب من مستوطنات غزة من بناء جدران عزل و خصومات و إحتقانات و منافسات, كثيرة و إلتفافية, بين الفلسطينيين, و يقينا أنه كان ينتظر حكم إدانة كيانه الغاصب في محكمة العدل الدولية, و إمكانية رفع قضية الجدار العازل العنصري الإجرامي, إلى أروقة الأمم المتحدة و جمعيتها العمومية و مجلس الأمن, فكان السيناريو معداً و جاهزاً للتنفيذ..فضغطَ على أزرار توابعه..و ضغط على أحقاده..لينشرها بين الفلسطينيين و فصائلهم و تشكيلاتهم القتالية الباسلة, و قد عثرَ على من يساعده على تحقيق أهدافه الوحشية, بقصد و تواطؤ أو بتسرع و عصبية و سوء تقدير للموقف, و كان له ما أراد من تحقيق هدفه في نقل أزماته و إخفاقاته كيانه المتعددة في كافة المجالات, الأمنية و السياسية و الإجتماعية و الأخلاقية, و جاءت عملية إغتيال الشهيد غالب العوالي أحد برز كوادر حزب الله في ضاحية بيروت الجنوبية, لتخدم ذات الأغراض الصهيونية الشارونية, التي تريد أن تبعد أضواء الفضيحة عن وجه الصهيونية الدميم, بعد القرار الإستشاري لمحكمة لاهاي الدولية و ما تلا ذلك و أعقبه من ردود فعل دولية و إقليمية و محلية..
و في ذات الإتجاه الهروبي التضليلي..لم تكن دعوة السفاح ليهود فرنسا بالهجرة فوراً إلى الثكنة المأزومه, إلا محاولة لإفتعال قضية تشغل وسائل الإعلام العالمية , فيتم التركيز على أكذوبة معاداة السامية, بدل من التركيز على فضائح و مجازر إسرائيل و فساد حكامها و جريمتهم الكبرى المتجسدة في منع قيام دولة فلسطينية مستقلة, ذات سيادة, من خلال خلق وقائع الشر و النهب و الضم و سرقة الارض و التشريد و العدوان, المتمثلة في بناء الجدار الإحتلالي القهري, والذي لن تسقطه المعزوفات الموسيقية كما أسقطت الأبواق و المزامير أسوار أريحا بنفخة إسطورية, ميتافيزيقية..
الأرض - كما هو معروف- جوهر العقيدة التوراتية الصهيونية في نسيجها المتعاون المترابط و بكل تدرجات وتنوعات منطلقاتها وألوان أدوارها..من هرتزل حتى شارون, و عملية بناء الجدار جزء لا يتجزأ من هذه التركيبة المتعنته, المريضة.. فإزالة هذا الجدار ينبغي أن ترافقها إزالة الكثير من الأوهام لدى بعض الفلسطينيين و العرب, و يجب أن يسقط هذا الجدار العنصري من عقل الصهيونية و رموزها الشريرة التي تهدد السلام الدولي..و في نفس النسق, هنالك جدار حماية تاريخية إمبريالية أمريكية لإسرائيل ?الثكنة, ينبغي رؤيته بوضوح و على أرضية الإزالة و الإسقاط..
فلسطينياً و عربياً و إسلامياً, لا يمكن لشخص أن يتبنى و يدافع عن قضية أقدس و أنبل من قضية صراعنا مع العدو الصهيوني و أدواته و ركائزه و حماته على شاكلة الغزاة الذين إحتلوا العراق, و عذبوا شعبه, و إغتصبوا نساءه, ونهبوا خيراته, و أسقطوا نظامه السياسي, نيابة عن إسرائيل و التي تولت على مدى عقود قمع المشروع النهضوي التحرري التقدمي العربي و نيابة عن الغرب و شركاته و سياساته الإستغلالية, الإحتكارية..
عادة, ما يركز الفلسطينيون الرسميون, خاصة, جهودهم على مسألة واحدة-على أهميتها- إفتعلتها إسرائيل و حكومتها المجرمة, لتبقى الحالة الفلسطينية في وضعية مرتبكة للدفاع المشروع عن النفس, أسيرة ردات فعل..خجولة في القيام بمبادرات تربك العدو, تجبره على تبديل خططه العدوانية , تساهم في مراكمة أزماته, تفاجئه من حيث لا يتوقع..كما يفعل بواسل و صقور الشعب الفلسطيني, أبطال الإنتفاضة, عبر عملياتهم البطولية و أنشطتهم النضالية الجريئة المتنوعة..
و الفلسطينيون منشغلون في صراعات و خلافات مراكز القوى, داخل حركة فتح, كبرى فصائل م.ت.ف.. و سط هذه الأحداث المؤسفة المؤلمة, تتم أبشع عملية إستغلال للمطالب الملحة و المشروعة و التي طالما رفعها المناضلون و جماهير شعبنا ضد زمر الفساد و رموزه.. بحيث تجري تحت هذا العنوان الصحيح, مناورات و ألاعيب خبيثة و تصفية حسابات و محاولة لإستلام السلطة من قِبل تيار سرعان ما يقبله شارون و يعلن عثوره على الشريك الفلسطيني المناسب الخانع الخاضع المفرط.. أما دعاة الحلول الناقصة الفردية الإنتقائية المتفردة و تلك المعالجات المتسرعة التي قد تؤجل الأزمة و لا تمنع إنفجارها لو بعد حين, فقد ساعدوا خصومهم حين إبتعدوا عن شعبهم و عذاباته, و جمدوا عمل المؤسسات الوطنية مثل المجلس الوطني الفلسطيني و لم يفعلوا شيئاً لإنصاف المناضلين البواسل, و محاربة الفاسدين , وتركوا للتيار الآخر أن ينمو و يزدهر في غزة, و أن يستثمر قضية الفساد و يحرض من خلالها..
و إسرائيل تتفرج, تستغل الأوضاع المزرية, و شارون المجرم العتيد يقول لشركائه المجرمين الصهاينة: إعترضَ بعضكم على خطة الإنسحاب من غزة..أنظروا ماذا حدث..هذه ثمار خطتي"الجهنمية" فأقطفوا فاكهة مكائدي و قد وقع يها فلسطينيون و عرب رسميون..
لكن, يبدو أن الكثيرين من كبار السياسيين الفلسطينيين, لم يسمعوا بنداءات و بيانات من فصائل و شخصيات فلسطينية حذرت من مغبة الوقوع في أحابيل و حيل المجرم شارون في قضية الإنسحاب الأحادي الجانب من غزة..حتى أنهم لم يطلعوا على كتابات و مقالات كثيرة لكتاب فلسطينيين دقوا ناقوس الخطر و طالبوا بمحاكمة و محاسبة الفاسدين.. و دعوا إلى التمسك بالوحدة الوطنية, و تصحيح الأوضاع الشاذة, و تشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية تشترك فيها كافة القوى و الفصائل و التنظيمات على قاعدة القواسم النضالية المشتركة..
و ضروري التأكيد في هذا المرحلة العصيبة القاسية بالذات..أن لا أحد فوق المساءلة.. و الرئيس عرفات نفسه يخطىء و يصيب..هو رئيس منتخب من شعبه و رمز كياني و من حق شعبه أن يحاسبه..يدعو له أو يدعو عليه ! و الذي لا يجوز هو أن يأتي أحدهم في غزة, مسلحاً بأجندة خارجية..فيشتري الولاءات خلف الكواليس محركا للصراعات الغير شريفة.. و يمسك دواليب الإنتهازية و يدحلها دحلا في توقيت ملغوم..
للرئيس عرفات من يعارضه من داخل فتح خصوصاً. و هذا من حقهم, المهم كيفية التعبير عن الحق, في أية أطر و ضمن أية معطيات و ظروف و لمصلحة من ؟..
هل يأتي أحدهم و هو غارق في الفساد حتى أذنيه, و متواطىء في تقديم معلومات للعدو عن المناضلين الأبطال, مطالباً بالتصحيح و التغيير و تبديل النهج الفاسد, إنطلاقاً من أوامر أمريكية و صهيونية و عربية رسمية..فيجد الفلسطينيون أنفسهم, مثل حالة الشعب العراقي العظيم, تحكمهم جهات-مثل المعارضة العراقية العميلة- تتحدث عن الأخطاء و المفاسد في شبكة الحق الذي يراد به كل الباطل و المنفعة الشخصية..كي يسكنوا قصور الذات و السلطة و الإرتباطات المشبوهة..
الحل يأتي من فتح.. من مناضليها, حين يسارعون إلى عقد مؤتمر حركي عام إستثنائي..ينتخب و يصعِّد من يراه جديراً بالثقة و القيادة..من أصحاب سجلات نضالية ناصعة..من كفاءات نظيفة..من مناضلين لهم تاريخ نضالي لا يمكن شطبه بالكلمات و الشعارات البرَّاقة
سليمان نزال
تاريخ النشر : 00:01 20.07.04