حوار في الجدار !
بقلم : سليمان نزال
قال الصديق لجرحه التوأم : أصدرت محكمة العدل الدولية في لاهاي رأيها الإستشاري, معتبرة بناء سور الضم و العزل و القضم و القهر و التشريد عملاً غير قانوي, يتعارض مع المواثيق و المعاهدات و الشرعية الدولية, ينهب الأرض, يعذب الإنسان الفلسطيني, يقطع أوصال التلاقي بين الفلسطيني و عائلته في القرى المجاورة, يشرد مئات الآلاف من المواطنين الفلسطينيين, يلحق الضرر بالفلسطينين في قطاعات الزراعة و التعليم و الصحة..فعد هذا الرأي التاريخي من الإنجازات الغير مسبوقة في تاريخ الصراع مع الصهيونية و إحتلالها البغيض و خططها التوسعيه, و أعمالها الوحشية, و نزعاتها التوسعية التصفوية..فإنشكفت إسرائيل الإستبدادية, و فُضحت جرائمها, و ظهرت معزولة إلا من دعم حاميتها و راعيتها و حليفتها المتغطرسة الولايات المتحدة الأمريكية...أما من شيء تقوله يا جرحي لجرحك في هذا الموضوع؟
الجرح : ألديكَ وقت بين ثنايا و طيات صرخاتك لنتذكر معاً عدد القرارات التي أصدرتها الجمعية العامة و مختلف المحافل الدولية؟ في حزيران عام 1967(قرار 242) و قرار التقسيم رقم 181 عام 1947.. و قرار العودة رقم 194..و الصادر عام 1949... و القراران 3089 و 3236, المتعلقان بحقوق شعبنا غير القابلة للتصرف و القراران 2649 و 2672 حول حق شعبنا الفلسطيني في تقرير مصيره بنفسه..إلى قرارات 338و 605 و 607 و 608 ..إلى آخر معزوفة القرارات الأممية و إتفاقية جنيف و معاهدة لاهاي.. هل من قوة في الأرض قانونية و سياسية أو سواها إستطاعت أن ترغم إسرائيل الإرهابية على تنفيذ أي من هذه القرارات, او الإلتزام ببنود الإتفاقات التي تحمي المدنيين الفلسطينين العزل الواقعين تحت إحتلالها غير المسبوق تاريخياً و بشرياً في وحشيته, و الآن تقول محكمة العدل الدولية, ما يسرنا-كفلسطينيين و كعرب- في الصياغة و المضمون و يلتقي مع مطالبنا في إزالة جدار الصهيونية الإحتلالي اللصوصي, الذي يفرض وقائع دموية ملموسة, إستباقية,إبتزازية, و يستكمل ما أُحتل من قبل الصهاينة و عصاباتهم في عام النكبة الكبرى , 1948, أتراني أبالغ في فرحي و الإدارة الأمريكية برئاسة أسوأ رئيس عرفته الولايات المتحدة الأمريكية, كعادتها, جاهزة لإلقاء خشبة الخلاص المتمثلة "بالفيتو" لتنجو ربيبتها الصهيونية من الضغط و الإحراج في حالة عرض الرأي الإستشاري, في مجلس الأمن أو في الجمعية العمومية للأمم المتحدة..مثلما تفرد القاضي الأمريكي عن بقية زملائه في محكمة لاهاي الدولية, سيحذو حذوه الإستفزازي, المتحيز للصهاينة, مندوب أمريكا في الأمم المتحدة.. فلا تتعجل و تثقب أذنك قبل التأكد من إمتلاك حلق حقيقي صالح للعرض و التباهي !
الصديق : لكنه إنجاز و نصر للقضية الفلسطينية, و صفعة فاضحة للسفاح شارون و سياسته الذئبية.. و خطوة في الإتجاه الصحيح.. و أساس سليم يمكن البناء عليه لتحرك عربي و فلسطيني على كافة المستويات الدولية و الإقليمية..
الجرح : إنجاز معنوي, حسناً, لكن العبرة تكمن في التنفيذ و النتائج التي ستتبع هذا الرأي القانوني الإستشاري للمحكمة الدولية, كما أن هنالك جدران كثيرة ينبغي زوالها و تحطيمها قبل أو بالترافق و التلازم مع هدم جدار الصهاينة البغيض و إذا كان يمكنني الحديث عن جدلية الهدم, فإن شيئاً من هذ القبيل, متلازم و متصل, يستوجب الحدوث.فالصهيونية, يا أخي, ما كانت لتجرؤ على إقامة الجدار التوسعي العنصري الإلغائي الإجرامي...لو لم تشاهد على أرض الملموس, العربي, الإسلامي, العالمي, إرتفاع أسوار لا حصر لها من الصمت و العجز و التراخي و الخنوع و التواطؤ و الهوان و جدران عالية للتخلف و الجهل و الركود و الإنهزامية..تصور ?على سبيل التمني- عالما ًعربياً لا تحيطه و تمزقه و تقسمه و تذله مختلف أنواع الأسوار و الموانع و الجدران حتى يسهل عليك إستبدال التصورات بجدية الأفعال, و قوة الأعمال, و وحدة الطاقات و الجهود العربية, و بشموخ أبنية النهوض و التقدم و الحرية و البسالة, وحين يحدث هذا..سيصبح جدار الصهاينة أثرا ًبعد عين و ستلحقه في المصير ذاته, أزمات عربية شاهقة و مرتفعة بسبب التراكم !
الصديق : لكن الصهيونية غضبت من الرأي الإستشاري لمحكمة العدل الدولية.. و قرر المجرم شارون مواصلة العمل في الجدار الإرهابي العنصري..وهذا موقف يجعله في تصادم مع الإرادة الدولية و الرأي العام العالمي..لو كان علينا إنتظار تمنياتك و تطلعاتها.. لزادَ نزيفك و نزيف شعبنا الصابر الصامد..و لشلت حركتنا الفلسطينية و العربية ..و هي في حالة رقود إلى أن تحدث المعجزة العربية و يتخلص الجسد العربي الرسمي من الشلل..ثم تحدث تغيرات جوهرية في سياسة الإدارات الأمريكية الحامية لإسرائيل, المتقاطعة معها في أجندة إخضاع العرب لسياسات و مخططات الهيمنة و النهب و الإذلال و التقسيم..
الجرح : أنا أميز بين أن تحصل لكَ الأمم المتحدة على حقوقك الوطنية الفلسطينية المشروعة, في العودة و الحرية و السيادة و الإستقلال, و أنت تسقط ,مع نواياك الطيبة, غير مستفيد من التجارب السابقة, في عسل المراهنات على رأي إستشاري من محكمة لا تملك آليات تنفيذ فعلية و عناصر قوة رادعة تمارس ضد إسرائيل و حكومتها الشارونية المجرمة, لتجبرها على هدم الجدار و ترك أرض الفلسطينيين و ممتلكاتهم للفلسطينيين, و أن تناضل ضد الجدار الصهيوني الدموي, و بناته و خططه و إنتهاكاته, مستخدماً في نضالك مختلف أشكال النضال المشروعة, متلازمة و مترابطة, و أكثرها فاعلية الإنتفاضة الباسلة و صقورها و أبطالها..
الصديق : لكن وجه إسرائيل القبيح..لم يكن أكثر قبحاً من هذه الأيام التي أعقبت صدور رأي محكمة العدل الدولية و يقول البعض أن له قوة القانون!..ربما رفعت القضية إلى مجلس الأمن, فننتقل من التوصية و الإستشارة إلى التنفيذ الملزم.. و لعل الأمم المتحدة تصدر عقوبات إقتصادية أو غيرها ضد إسرائيل المعتدية,إن هي إمتنعت عن إزالة الجدار..
الجرح : إن إسرائيل المجرمة التي إغتصبت أرض و حقوق الفلسطينين, في الأصل, وجدت قبيحة, هي تملك" الحق" في تدمير جدران و سقف البيت الصغير فوق رأس الشهيد المقعد المُسن, محمود خلف الله في خان يونس, في قطاع غزة, و لا تجد من يحطم جدارها الإحتلالي التصفوي الكبير, فوق رؤوس القتلة الشارونيين و لا تجد من يردعها و حتى من يضغط عليها كي تخفض من سقف مذابحها ومجازرها ضد شعبنا.. إن قوة أي قانون تتجسد في تنفيذه و العمل بأحكامه..لا مجرد التغني بصفعاته الإنشائية للثكنة الإرهابية الصهيونية .. ها أنت أيضا تبني جسور التمنيات.. التي لن تعبر عليها أقدام أمنية واحدة طالما أعتقدنا أن أمريكا ستقف على الحياد في مسألة الجدار فلا تتدخل في كل المنابر و المحافل لصالح الصهيونية و دفاعاً عن مزاعمها الأمنية الكاذبة في قضية أسباب بناء الجدار العنصري الذي إختلطَ إسمنته و حديده بمقرارات الشرعية الدولية و نذالة الفاسدين..
إن العقوبات مفصلة على قياس العرب و المسلمين و التصميم عولمي قاهر إحباري. وموازين القوى في وضعها الراهن, دولياً و إقليمياً و في مجلس الأمن..لا تسمح بالضغط إلاً على الفلسطينين و إنتفاضتهم الشجاعة المباركة و فصائلهم المناضلة و على سوريا و ضد كل العرب الشرفاء.. و ستظل إسرائيل العدوانية, ترتكب المجزرة تلو المجزرة ضد شعبنا الأعزل, و تقذفنا بشرور و جرائم الأمر الواقع..فننتقل من أمر واقع إلى واقع أكثر مرارة.أصبحنا أسرى ردات الفعل غير المؤثرة , غير المنظمة, فلا نكاد نفرغ من صياغة رد على مشروع تصفوي..حتى نحاصر بمشروع آخر..يشتت الجهود في الحالة الفلسطينية-كقضية الإنسحاب المرواغ أحادي الجانب من مستوطنات غزة- بين رد خافت خجول و رد ناقص مرتبك..فلا يكمل و ينجز الرد الموجع الصحيح إلاّ نسور كتائبنا الفلسطينية بمختلف أطياف جموحها و رشقاتها الصائبة في الفعل المتقدم و في ميادين البطولة و التضحية..
الصديق : لكن رأي محكمة العدل ينص على.. و يقول..
الجرح : و هل يأتي فعل عادل عملي, ينصف الفلسطينيين, يعيد لهم كافة حقوقهم المشروعة و يؤدي إلى إزالة الجدار و الإحتلال بعد هذا القول الجميل ؟
سليمان نزال
تاريخ النشر : 18:17 12.07.04