حـروق ذاتيـة
قـلم : سـليـمان نــزال
لم تتمكن الحرائق التي إستهدفت وأشعلت مقر المحافظة في جنين و مقرات أمنية فلسطينية من الوصول إلى تلك الأسئلة الكبرى التي يطرحها الوضع الفلسطيني في حالته المتشظية, الهشة و تعقيداته المتشعبة, و عليه ظلت تلك التساؤلات المصيرية سليمة, لكنها بقيت تبحث عن أجوية صحيحة, غير تضليلية, غير مُحترقة ...
لم يكن هذا التهور, الذي يعي ما يفعل, يتعامل مع الأمر المستهجن بطريقة عفوية بدليل تركيزه على إلتقاط الصور و المشاهد و هو يحمل الرموز بعيداً عن ألسنة الحرائق و إن لم يبعدها عن ألسنة الإحتجاج و الضغوط.. و هدفه في نيل حقوقه و الحصول على مطالبه و الإعتراض ضد الفاسدين.. لكن ألا تنطوي الفكرة على مفسدة مزدوجة, حين تركز على إصلاح الجزئي المتعلق" بحقوقنا" و نهمل برنامج المعالجات الشاملة للوضع الفلسطيني بكل ما يحتويه من مواجع و نواقص و أخطاء فادحة و سياسات شبه بدائية و ملفات للحل تشمل حالة الشعب الفلسطيني في مكابداته و معاناته و فقره و تأمين إحتياجاته و مقومات صموده و صبره في مواجهة الحرب التصفوية الإلغائية التدميرية الصهيونية التي تصب زيت أحقادها لتتسع رقع و مساحات الحرائق في الجسد الفلسطيني المطرز بالجراح و المنادي بتحقيق العدل و محاربة الفساد ضمن رؤية متعددة الأطر و المجالات, لا يقزمها النقص, لا يحرفها عن مسارها سلوكات و قرارات إنتقائية, و منطلقات شخصية تختزل الهم الفلسطيني في صورتين متقابلتين إلتقطهما ذات المصور في تحولاته الكثيرة..
لن تتقدم القيادة الفلسطينية الرسمية خطوة في الإتجاه الإصلاحي الصريح, إن هي بقيت متمسكة بنفس أساليبها القديمة, المتمثلة في التعامل مع الشعب الفلسطيني على أسس مناطقية و جهوية و عشائرية وما يرتبط بها من إقامة توازنات مصطنعة, و تقديم العطايا ...
هنالك منهج قديم, لم يعد صالحاً لهذا الوقت في ظل المتغيرات الدولية و الإقليمية و المحلية التي حصلت, و في ظل الوعي الشعبي الفلسطيني المتنامي..و لهذا, فإن المفاتيح "السحرية" التي كان يمقدورها أن تفتح كل الأبواب..إعتراها الصدأ.. و خاصمتها الأقفال و عاكستها الطرق التقليدية التي كانت معتمدة في مراحل سابقة ..
فليت النيران المتسرعة طالت المنهج الفاسد و طرائق التفكير الخاطئة و خطط الذين يرتدون ملابس محاربة الفساد و رهطه و أزياء الإصلاح الإنقلابي, حتى لا نتحسر على واقعنا المرير و نجبر على نعته بالحلاوة النسبية مقارنة مع نيران الفتنة التي تظهر مكشوفة بلا تغطية في عقولهم و تصريحاتهم .
و ليت نيران الجهل و العصبية التي بترت ساق السيد نبيل عمرو - بصرف النظر عن الإتفاق أو عدمه مع أفكاره- بترت أقدام الصهاينة الذين يدمرون و يقتلون الأطفال و النساء و يحاصرون بيت حانون و يرتكبون المجازر و المذابح في غزة و نابلس و جنين و طولكرم و كل فلسطين..
ليت هذه النيران تستهدف العملاء و الجواسيس الذين يسهلون على المجرمين الصهاينة مهمات إغتيال أبطال و نسور و نجوم إنتفاضة الحرية و العودة و السيادة و الإستقلال و تحرير المقدسات.
إذا قرر بعض الفلسطينيين, إعطاء ظهورهم للشعب و مطالبه و حقوقه العادلة, و تقديم نفس الظهور لإعداء شعبنا كيما يرسمون عليها مخططات و مكائد تدمير الوضع الفلسطيني الجمعي و إنهاء الإنتفاضة الباسلة, فرض الحلول الإستسلامية الخانعة , و محاكمة و مطاردة البواسل و الفرسان بدلاً من محاربة و مساءله الفاسدين و اللصوص, بصورة موضوعية و شجاعة و دقيقة وكاملة, فإن ما يشبه الجحيم الأرضي يجري"تدشينه" في الساحة الفلسطينية و قد يشمل المنطقة بأكملها..
أن الخلاص يكمن في تدعيم ركائز و دعائم الوحدة الفلسطينية, إن الحل مرتبط في إجراء إنتخابات بلدية و للمجلس الوطني و لسائر المؤسسات الفلسطينية و في أن تشترك كل القوى و التنظيمات في تحمل المسؤولية, لن يتأتى ذلك كله, دون أن تشترك كلُّ الأطياف السياسية - كل حسب وزنه و دوره و شعبيته- في تشكيل حكومة وحدة وطنية بعد عقد حوارات في العمق, مصيرية, يتم من خلالها الإتفاق النهائي على برنامج وطني فلسطيني مُوحَد و مُوحِد.
المطلوب ليس الدخول معركة مع الذات و مطاردتها بالنيران و الأزمات الإضافية, بل هي معركة ضد الإحتلال الصهيوني, و ضد الفاسدين..ضد كل من يستغلون عذابات شعبنا و لتتم ترجمتها إلى أرصدة و قصور و أرباح و مغانم..
من ذا الذي يستحسن أن يرى المطالب العادلة تتعرض للحروق وللتشويهات.. من ذا الذي يرغب في مشاهدة المنطق محمولاً على عربة إسعاف مصاباً بالحروق, من كل درجات التعصب ؟
سليمان نزال
تاريخ النشر : 23:49 31.07.04