جثة الجنرال
قـلـم : سـليـمان نـزال

سـليمان نـزال

دخلَ الحقدُ غازياً..يرفعُ أعلاماً مخاتلة على ظهور دباباته, توهجت مواقيتُ الشجاعة في عروق البواسل و إستنفرتِ الإراداتُ المتحدة في مخيمات الجنوب..و كان الصمود أسطورياً..و أسطورية كانت الملاحم البطولية.

.إنتبهتِ الأشجارُ للخديعة, نزلت إلى المتاريس, المعركة غير متكافئة, لكن اليخضور يـتألق في العطاء..الشباب يستبسلون..أشبال "الأر بي جي" في الرشيدية و البرج الشمالي والبص و عين الحلوة يطاردون الضغائن المعدنية المجنزرة بكامل وقتهم الفدائي المجهز بالثبات و الرصاص و القذائف.

كان القائد الشهيد" بلال الأوسط" يتقدم الكواكب و الحشود, يستبسلُ, يتفوق على جراحه..يغدو نشيداً و قصة ملهمة.

فادحة خسائر العدو كانت على أبواب" مخيم برج الشمالي"..دمَّرَ الشبابُ و أعطبوا عشرات الدبابات و المجنزرات الصهيونية..حتى العجوز "أبو سليم" إبن السبعين عاما, شوهدَ يطلقَ النار من رشاشه صوب جنود العدو..فتحمَّسَ الأخوة و الرفاق و إندفعوا إلى الأمام..

كان" محمد" الشبل إبن الثالثة عشرة, مع أبناء شعبه في المخيم يقاتل مثل الأسود..مثل الأسود يقفز من خندق خلفي إلى خندق متقدم.. جرأته كانت خندقه الأول. يتقدم.. يرسل النيرانَ صائبة في صدر الإجتياح المجرم.. نظرةُ صقر تبصرُ وجهاً بشعاً يختىء في أحد المجارير..يصوّب محمد سلاحه .. كان الوجه البشع يئن..فعرفَ فيه وجه ضابط صهيوني في رتبة جنرال, كان الجنرال "إكس" قائد القوة الصهيونية المهاجمة..

كان الغزو مستمراً..إجتياح همجي يدمر في طريقة كلَّ شيء..لم يستثن أحداً .. الصواريخ الصهيونية تستهدف" ملجأ الحولة" فيسقط مئات الشهداء و الجرحى من المدنيين و الأطفال..يسقطُ صاروخ آخر على ملجأ "النجدة الإجتماعية" فيستشهد خمسة عشر بطلاً..صاروخ إجرامي صهيوني يقتل عائلة و أطفال "أبو عثمان زيد" في أحد كهوف المخيم..صواريخ..غارات همجية تقتل المزيد من النساء و الأطفال في حارات و مغاور المخيم..

لكن محمد..الذي دُمِر بيته.. و نجت عائلته من الموت بأعجوبة..قبضَ على الجنرال, بمساعدة رفاقه, و إقتاده أسيراً..

يرتجفُ الجنرال"إكس" خوفاً و إصابة بالغة. و من مكان آخر مرتفع , يشاهدهُ نسر ٌ فلسطيني يبتسمُ رغم شلالات النزيف..

قُدمت الإسعافات الأولية للجنرال الإسرائيلي, فعلَ أهل المخيم كلّ ما في وسعهم لإنقاذه, كانوا يفكرون بأسراهم في المعتقلات الإسرائيلية..لكنه مات بسبب إصابته الخطيرة.. و إستمرَ القصف من الجو و البحر و الأرض..حتى لم يبق حجر على حجر في المخيم..

في ظل حالة المعمعة و الخراب الشامل التي جاءَ بها الصهاينة و شارونهم السفاح..إختطفَ بعضُ الشبان الصغار الساخطين جثةً الجنرال الصهيوني"إكس" و أخفوها وسط كومة هائلة من القاذورات في مزبلة المخيم..لم يكن هذا الرأي رأي الجميع..لكن هذا ما حدث..

إنسحبَ قسمٌ من المقاتلين إلى الخطوط الخلفية بإتجاه صيدا و بيروت.. و زُجَّ بقسم آخر كبير في معتقل "أنصار".

دخلَ الصهاينة..و هددوا بقتل كل سكان المخيم الباقين..إذا لم يتم تسليم جثة الجنرال..و أُجبرت مجموعات من سكان المخيم على البحث عن الجنرال القتيل..مرت بضعة أيام سود دون أن يتمكن أحد من معرفة مكان وجود جثة الضابط .

لاحظَ عجوز فلسطيني.. وجود مجموعة من الكلاب الضالة .. تتحلق حول مزبلة المخيم.. فأرتابَ في الأمر..كان جالساً أمام بيته المهدم عندما مرت دورية صهيونية..فأشارَ لهم بعكازه صوبَ المزبلة..همََ أحد الجنود بإطلاق النار عليه..لكن جنديا آخر كان يتكلم اللغة العربية منعه بقوله:

-"إصبر شوية خلينا نشوف ما له"

ثم قال للعجوز: "شو القصة يا خرفان..؟"

بلعَ العجوز ريقه و كتمَ غيظه و قال بهدوء: :"دوروا بالمزبلة عن جثة جنرالكو..مطرح ما الكلاب بتدور؟"

و عثرَ الصهاينة على جثة الجنرال في مزبلة المخيم.. تماماً كما قال العجوز.

___________________
سليمان نزال
26.12.2004