لا مفاضلة بين فاسدين
قـلم : سـليـمان نــزال
يتكىء الفلسطيني الصابر المعطاء , على سنديانة جراحه و همومه, يدفع سفائن إنتفاضة الحرية و الإستقلال و العودة بزفراته و صرخاته , و لا يستمع لنصيحة شرور الظلام الصهيوني و الضغوط الخارجية و العبث الدائري المداور, حين يتأكد له بجمرات الملموس, أن الرياح التي يراد له أن يغتنمها و ينتهز هبوبها المدمر, سطت على لغة الحق, و أنها ماهرة و خبيثة, تكره بحره و نهره, و شعبه و بواسله و تغيظها بطولاته, و يستفزها صموده الأسطوري, و تزعجها وحدته الوطنية,و يسرها أن تراه مقسما ًغارقاً في صراعات و معارك جانبية, فتجدها تمهد للكارثة الكبرى, و الفتنة السوداء, بنسيم مخاتل ثعلبي تلقيه على جوانب الشعار, قبل أن تنقض برياحها و عواصفها و أعاصيره و جرائمها الصهيونية المستمرة, فلا تترك سفينة فلسطينية واحدة تمخر بحر العزائم و التضحيات الهائلة الخالدة, تصل ميناء الإنعتاق و الفرح السيادي المطلوب.
و كان واضحاً في صيحته: أريدُ إصلاحاً لا يقود إلى المزيد من الخراب..أريدُ تغييراً صحيحاً مبنياً على أسس و معايير سليمة, لا يقسم الفاسدين إلى فئات و مراتب و أولاد ست و أولاد جارية, إصلاحاً شاملاً جذرياً لا ينقل الحالة الفلسطينية من حضن الفاسدين المتسلطين, رواد سياسة الفهلوة و الشطارة, إلى أحضان الصهيونية و الإمبريالية الأمريكية - و أحضان من يجلسون في حضن اليانكي و يأتمرون بأوامره..
كمقدمة ضرورية لفهم حقيقية الأوضاع الفلسطينية, و كشف ما يجري عملياً من تمرير أحصنة خشبية تزخر بحمولة من الهتافات و المطاليب الملُحَّة و المسروقة من أجندة مناضلي فلسطين التي هي نفسها ما يطرحه شعبنا و ما طرحته العديد من فصائل العمل الوطني الفلسطيني قبل إتفاق أوسلو السيء و بعده و حتى وقتنا الراهن..تنطلق أسئلة تقليدية مباشرة عن المعنى و الهدف و التوقيت و طريقة الحل و أسلوب الإحتجاج و مرجعيات التحريض و أجهزتها الإستخبارية.. و منها الآتي :
من الذي يريد محاربة الفساد حقا ومن مواقع الإنتماء للإنتفاضة و برنامجها و أهدافها التحررية و الوفاء لشهدائها الأبرار و الدفاع عن حقوق شعبنا و وضع حد لمسلسل عذاباته و من ذاك الذي يريد إستغلال مسألة الفساد لتحقيق مآرب شخصية, و تصفية حسابات, و الوصول إلى السلطة و الإستفادة من منهج الفساد, لا لتبديله بمنهج ثوري صحيح, بل "لتحسينه" و وراثته في خدمة مصالحه و محازبيه و تنفيذاً لنصائح و تعليمات الجهات اللئيمة والعدو الصهيوني الشاروني المجرم الباحث وسط شلالات دمائنا عن شريك مقبول, يكمل معه مسرحية عرس الإنسحاب الدامي الفظيع ! ؟
هل تتم عملية مساءلة الفاسدين و المستغلين و لصوص المال العام, عن طريق إشاعة الفوضى, و تمزيق النسيج الإجتماعي السياسي الفلسطيني, و عمليات الإختطاف بصرف النظر عن المختطف فاسداً كان أو لم يكن! و إخافة وترويع المواطنين الفلسطينيين و تهيئة أجواء فوضوية تسمح لدخول و تدخل الصهاينة و المستعربين و طابور من العملاء و المندسين و المشبوهين و الموتورين كما ظهر ذلك في محاولة إغتيال وزير الإعلام السابق السيد نبيل عمرو و إحراق المقرات الأمنية ؟!
كيف يعبر بعض المطالبين بمحاربة الفساد عن صدقية و حسن نية, و هم يطرحون ما يطرحون في هذا الوقت بالذات , و كانوا بالإمس القريب من أشد الخصوم لكل فلسطيني ينادي بالإصلاح و تصويب المسارات التائهة , و ينتقد النهج الفاسد و أزلامه, و يدعو إلى تشكيل قيادة موحدة للشعب الفلسطيني, تسترشد ببرنامج سياسي واضح, و مُلزم لكافة القوى و الفصائل و السلطة على أساس الإلتزام بالقواسم النضالية المشتركة ؟
لماذا أثمر هذا السكون المزمن عن أخطاء و تجاوزات و سرقات و خطايا كثيرة أرتكبت بحق شعبنا, كل هذا الأصوات التي إنتبهت -فجأة, بعد قراري محكمة لاهاي و الجمعية العمومية ضد إقامة الجدار العنصري الإجرامي- إلى مساوىء الوضع الفلسطيني و أزماته و مواجعه و حالة السلطة الفلسطينية شبه المشلولة, و لتدعي لنفسها شرف طرح المبادرات الإصلاحية, و قد سبقها الكثيرون في الساحة الفلسطينية, و من خيرة مناضلي شعبنا, دون ان تكون لهم مطامع شخصية أو رغبات محمومة في ثروة أو جاه أو سلطان ؟.
و هنا, لا مفاضلة -في الجوهر- بين فاسدين.. أيهم أكثر أو أقل فساداً..لكن المسألة تنحصر في رؤية موقف سياسي, يمكن تطويره و البناء عليه, يمثله الرئيس الرمز ياسر عرفات- رغم كل الملاحظات النقدية على سياساته- موقف يتمسك-حتى الآن- بحق العودة و بناء الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة عاصمتها القدس الشريف, على كامل مساحة الضفة و القطاع, دون تواجد لأية مستوطنة, أو أي شكل من أشكال التواجد العسكري أو غير العسكري الصهيوني, و بين موقف يرمي إلى إنهاء الإنتفاضة على إيقاعات الخنوع الرسمي العربي و الشروع في عمليات قهر و إعتقال و إغتيال فرسانها و صقورها و كوادرها و القبول بفتات و مخازي الحلول التصفوية لقضية شعبنا, في ظل دعم و تشجيع من إدارة غازي العراق و مكائد شارونية جاهزة لإستقبال كلَّ المغفلين و المراهنين على لعبة الإنسحاب الدموي الشاروني من قطاع غزة .
سليمان نزال
تاريخ النشر : 22:46 26.07.04