أساليب الصمت
قـلم : سـليـمان نـزال
بينما يقتل الصهاينة أطفالنا ,كالشهيدة الطفلة غدير مخيمر و الشهيدة الطفلة إيمان الحمص..تلوذ الأنظمة العربية بصمت التماثيل الدميمة, و كأنها تطلب من الحكومة الصهيونية المجرمة الإرهابية بقيادة السفاح شارون أن تسارع في الإجهاز على الضحية الفلسطينية..مرة و مرات كما حدث مع الشهيدة إيمان ذات الثلاثة عشر ربيعاً.. للتأكد بأن الفلسطيني سيعبر عن ندمه و سيتوقف عن المطالبة بحقوقه المشروعه و يتخلى عن إنتفاضته البواسل و و ثوابته الوطنية و أهدافه المتمثلة في نيل و إنتزاع حريته و إستقلاله و ضمان حق عودته الكاملة إلى أرضه وممتلكاته السليبة.
لم يحدث في تاريخ البشرية- الحديث على الأقل- أن تعرض شعب من الشعوب لعمليات تصفية و إبادة و إغتيالات, منظمة و مستمرة و أكثر من وحشية, كما يتعرض شعبنا الفلسطيني, دون أن يتحرك المجتمع الدولي للنجدة و الإحتجاج..
ما الذي يفسر هذا الصمت الإستفزازي ,على دمنا المراق في غزة الأبطال و ضفة النسور, للجوار العربي و الإسلامي و في كل جهات الأرض؟ هل قامت الصهيونية بالتحالف مع الأمريكان, غزاة العراق و معذبي شعبه, بإقناع كل دول العالم بأن جميع أبناء و بنات الشعب الفلسطيني و حتى أشجاره و حقوله هم أعضاء في شبكة القاعدة و لذا يقتضي مطاردتهم و تصفيتهم فرداً فرداً؟
في زمن عربي ساعات الخوف فيه و العجز و الرياء أكثر من ساعات الأمل و الحرية و السيادة, تطبق اللغة على شفتيها, تحمل صمتها الخاص على راحتها, ترى في سكوت أيامها صبراً و تأكيداً على دفع المواجع بمثلها..حتى تستقبل فرحاً يأتي من عراق المقاومة الباسلة, مواقيت مسرة و رجاء تتدفق بها ينابيع ضياء و عنفوان إنتفاضة صقور و أبطال فلسطين.
هي مرحلة قاتمة عربية تنتحر على أبواب الخنوع, مقدمات رسمية و حزبية تحفر خنادق للنسيان و التراجع و النكوص, تردم متاريس الصمود و الكبرياء بأفعال التراجعات المتولايات في هندسة الخيبات و تصميمها و تنفيذها تحت إشراف و هيمنة أعداء شعوبنا العربية و الإسلامية, الذين يمضون في إذلالنا حتى صبغَ التصورُ المقيت وجهه باللون الأسود و بات ينتظر –معاذ الله- أن يلقي علينا خطبة الجمعة, على ارضية قادمات المهالك و النكسات, موظف في البيت الأبيض أو شخص على شاكلة المجرم شارون!
لقد أصبحت لغة الحق شاهدة على الهوان و الإنتهاكات و الإعتداءات و الروح الإنهزامية و الخواء المفترس, هنا تصبح ثياب الصمت أجمل و ازهى من ثياب الكلام المزور المرعوب الذي يراعي و يتماشى مع ظروف الإنهيار, فينهار, و يؤسس لخطاب الهروب من الإلتزامات و الواجبات الوطنية و القومية و الإسلامية و الإنسانية, فيروح يبحث عن مريدين واتباع و جمهور مُصطنع , مستغلاً حالة الإحباط في الشارع العربي بشقيه الشعبي و الرسمي.
و للصمت إمتدادات في الجرح..في لهجة أضعف الإيمان..في المشهد الحزين الذي يصفع وجه العجز العربي الرسمي بالدم الغاضب في جباليا..في بيت لاهيا..في كل قطاع البسالة و الشموخ في غزة هاشم..في كل أرجاء العنفوان و مدارات التحدي و الجموح في ضفة الصقور و الفرسان..في كلِّ شبر من أرض عراق المقاومة الشجاعة الأبية.
لكن للصمت أنواع و أشكال و أتباع و تعبيرات و مستويات و وظائف متباينة...إن أكف الفداء حين ترفع الفعل المتقدم البطولي إلى أعالي الرفعة و البذل الأسطوري..تلوذ بصمت القادرين..لأن لغة السواعد المقاتلة أعلى صوتاً و أوضح نبرة و أقدر وصولا.. هي تترك الكلام العادي لأهل الكلام و الإعلام..فتجد منهم الصادق الذي يضيء بجهده و عرقه و سهره كلَّ ركن من أركان الملاحم الفلسطينية و العراقية..و تجد الرعديد الذي لا يجرؤ على ذكر سير و سجلات و عمليات العطاء النبيل لإبطال المقاومتين الباسلتين و تجد الذي يختار في تغطيته الإعلامية الناقصة منزلة بين المنزلتين! واضعاً على كتفيه المرتعشتين عباءة الموضوعية المزورة و الحياد الأعرج, كما نشاهد ذلك في العديد من الصحف و المواقع الإليكترونية و الفضائيات العربية. أما أصحاب المواقف الخانعة التابعة, فيتجاهلون عذابات و هموم و مكابدات شعبي العراق و فلسطين, و يشككون بمقاومتهما, و يصمتون عن حرب الإبادة الهمجية اليومية التي يتعرض لها شعب فلسطين,و يتعمدون في وسائل أعلامهم التعتيم اللئيم على المجازر و العقوبات الجماعية و القصف العشوائي التي تعرض له مدينة الفلوجة المقدسة و مدن الرمادي و الموصل و سامراء و بغداد و النجف الأشرف و غيرها من مدن عراق الحضارة و التاريخ العربي الإسلامي المجيد.
إذن, هو أسلوب في الصمت..و تباين في طريقة التعبير عن مكنوناته..حين يصمت المقهور قد يكون الأمر مفهوماً..حين يذهب بطل من بلادنا إلى مواقع الصمت البليغ لصالح لهجة المهام السامية, فقد بلّغَ و أفصحَ و أمسكَ بقبضته العزيزة جوهرَ الفصاحة و البلاغة.
أما ذاك الصمت الرسمي العربي..الذي يتبعه الصمت الدولي الهجين على جرائم و مذابح الصهاينة بحق شعبنا..فهو صمت مطبق شامل, غير حيادي في نتائجه و آثاره..صمت في المواقف..صمت الخائفين من الغزاة الأمريكان و من إصلاحاتهم الجبرية! صمت الجبناء المطبعين مع الصهاينة..صمت الذين تعبر البطولات الفلسطينية و العراقية , عن تخاذلهم..و تكشف هشاشة أنظمتهم و عجزها عن الدفاع عن كرامة شعوبها.تلك الكرامة التي يجسدها فرسان و نسور المقاومتين في أروع و أبهى صور وتجليات المآثر الجليلة و التضحيات الغالية.
___________________
سليمان نزال
تاريخ النشر : 15.10.2004