التمـاثيـل..
قـلم : سـليـمان نــزال
فشلَ المعلمُ مع تلميذه الإنتهازي, تركه لأقنعته و مكائده المتعددة الخدمات و مضى يشكو لجرحه طعنات الأقزام.. إصطحبَ معه همومه و أوراقه و خريطة إنتسابه و إنطلقَ خارج المدينة..
إخترقَ الغابة بصبره..صرعَ في طريقه العديد من الذئاب, نزعَ بحد الجموح الكثير من الأشواك و النباتات العدائية.. و ظل يمشي و يمشي صوب جهة القصد, و كان وصوله في ساعات الفجر الأولى..
نزلَ من الجبل, إلتقطَ الزعتر البري..وصلَ إلى الوادي.. جلسَ على حافة جدول صغير , أخذَ يحرك المياه بإصابعه .. كانت صورة التلميذ تبتعد و تبتعد ..
جمعَ كومةً حجارة من وادي العرفان..أخرجَ خنجر جده من جيب بنطاله الأزرق, وبدأ ينحت في الحجارة..
صقلَ الحجر الأول على هيئة البلاد..جرحَ إصبعه , سالت قطرات الدم, سقطت فوق المنحوتة الصغيرة..وضعها في الشمس..حطت يمامةٌ فوق الصورة..
نحتَ من الحجر الثاني علماً بأربعة ألوان..حمله بثقة و حرص و رجعَ يتسلق الجبل.لم يحس بالتعب..كان سعيداً , قبَّله ثم وضعه على القمة..
صاغَ الثالث على شكل صقر بأجنحة جميلة و قوية.. و لما فرغَ من العمل..أطلقهُ نحو السماء..و نظرَ إلى الأعلى بقلق.. لكن الصقر لم يسقط..و مرَ سربٌ من الصقور فوق الوادي.. أشارَ بسبابته نحو الفضاء و قال بصوت سمع رجع صداه:- ذاك صقري أني أميزه بوضوح من بين الصقور المحلقة..
شربَ بعض القطرات من الجدول..و مدَّ يده يلتقط الحجر الرابع.. أعطاه شكلَ المسجد الأقصى..إنحنى , قبلَ أن يضعه في جيب قميصه فوق القلب.
تَذَكَّرََ جدته و حصان العائلة..فنحتَ الخامس على شكل حصان..سمعَ صوت الصهيل..كان يأتي..
تعرّق ..قطعَ بعضَ أوراقِ الدفلى.. مسحَ جبينه..حدَّقَ بالجبلِ القريب و قال:" لن إستسلم حتى أنجز مهمتي"
تنهدَ بعمق, و أمسكَ بالحجر السادس.. كان صلداً قاسياً..جرحَ يده للمرة الثانية..و صنعَ منه تمثالاً يشبه خارطة الوطن العربي..وضعه تحت شجرةِ خروب..
و إلتقطَ السابع..شكلًه على هيئة مفتاح بيته في الجليل.
داهمه النوم.. قاومه قدر إستطاعته و أكثر..نظرَ إلى كومة الحجارة المتبقية خارج التشكيل, و همسَ بصوت خجول:- هؤلاء هم تلاميذي..
و غرقَ في نوم عميق.
كانت غرفة السجن ضيقة.
سليمان نزال
تاريخ النشر : 09:52 10.09.04