الأرجوحة
قـلـم : سـليـمان نـزال

سـليمان نـزال

دخلَ في إستراحة الفجر المحارب..إستأذنَ بعضَ أيامه الوفية و مضى إلى حقل إنتظاراته المجاورة للقلب الكبير, ألقى بعباءة حلمه الصقري و ظلال صمته المفاجىء بين زيتونتين للمسيرة و الجذور , ثم توغلَ في أرجوحة الندى, يستطلعُ السكونَ الطيِّعَ في مفاصل اليخضور بحثاً عن نجمته المفقودة في الحرب و الأحزان و الرحلة الأخيرة.

يفتشُ عنها في الحديقةِ القديمةِ, على ضفاف أنهار الخوف و الإسمنت, لا يجدها, يصوِّبُ قلبه و نظراته نحو حديقة أخرى مُحايدة, في المدينة الكئيبة..يلقي تحيةً قلقةً على بوَّاب الورود الغريب و يقفز بين دروب السؤال و منعطفات الرد الحزين..فلا يسعفه الشجر في معرفة لون عينيها و إسمها و ملامح حضورها..و تعتذر منه العصافير لجهلها بمكان حبيبته..يخرجُ منهكاً من وعثاء التفتيش المضني, و عبث التجول في مساحة تائهة.

يزجره البواب الأبرص بنظرات مريبة, يتهارب من عينين مُشككتين, إلى عيني الصبا و اللقاء الآخر..يرفعُ يده في الهواء كأنه يلتقط شيئاً ضائعاً..فيطلق البوابُ المتجهم خلفَ مواجعه كلمةً سمينةً..

عادَ إلى قريته مشياً على أقدام التوثب..تعمَّدَ أن يسيرَ في طرقٍ غير معبدة حتى لا يلحظه صديق يمر بعربة خضار أو سيارة نقل..فيلح عليه أن يصعد, ليوصله إلى بيته, و سط البيادر و المراعي الخضراء و الحصارات القريبة و البعيدة..

الأرجوحة تهتزُّ حيرةً..تتسمَّرُ اليقظةُ المستعادة في خطوط السرد و نسيج التمني..تداعيات تتسلق أغصانَ الزيتون الحارس..

أمسكَ شريطَ التوق و الذكرياتِ من أوله, لفًه حولَ ساعديه..لا يريد أن يذكرها..لا يريد أن يفكرَ بفتاة عرفها و أحبها حين جاءت إلى فكرته و حياته في يوم ممطر.

لا يريد إستدعاء فيض القصد البريء في كلمات الود عنه.. و إبتسامة أخته الكبرى"إباء" و تلميحات الضياء و التواصل .

سيعبِّدُ طريقاً للنسيان الحُر في ضلوعه..سيزيل علامات التوقف بين شهيقه و زفيره و لن تمر صورتها في القرنفل و ساعات "الغاردينيا" و نزهات الزمن الأخضر.

سينسى كل شيء و لا ينسى..

جلسَ تحت دالية الشروق المبكر في منزله..صنعَ شاياً ثقيلاً.. حاولَ أن يوقفَ صوتَ محركات السهو و التجاهل في أرجاء الروح و البدن..هدير..ضجيج..صرخات.. إصطدامات.. أضواء مبهرة, تقاطعات صاخبة و سرعة قياسية لأشواقه لا تعبأ بأي إشارة مرور يطلقها شرطي معتوه..

تهتزُّ الأرجوحة من جديد..يحدقُ في زرقة الحضور.. مبهوراً , سعيداً, يرفعُ رأسه إلى الأعلى, يبصرُ كلَّ حدائق الفرح و الإلفة في وجهٍ باسمٍ يعود.

___________________
سليمان نزال
10.12.2004