شرف عميل..
قـلـم : سـليـمان نـزال
إحتشدنا في الغرفة الصغيرة الضيقة, في بيت صديقنا " علي", كنا سبعة أصدقاء في عمر الفراشات و الغضب, ننتمي إلى تنظيمات فلسطينية متعددة, أخذَ البعض منا يستغيب صديقنا الغائب عن مجلسنا ," رفيق" الذي أطلقَ النار على قطة أثناء نوبة حراسته, خارج المخيم. ظناً منه أن هجوماً صهيونياً قد وقع..و سط تموجات التعليقات الساخرة, خاصة ممن ليسوا في مثل شجاعة رفيق..تدخلتُ , مدافعاً, و ذكرتهم بدوره البطولي , حين كان أول من تصدى لإجتياح الخنازير, الشهر الماضي.
قلت لهم:- يا جماعة..مرة بتصيب و مرة بتخيب..
إقتنعَ معظم أفراد "الشلة "بكلامي..ما عدا الأخ" فايق" الذي مسحَ بظهر يده الغبار العالق ببذلته السوداء التي لم تكن مناسبة لأجواء المكان و الزمان و الغرفة و المقاعد القديمة و المستعملة ..نظرَ إليّ موجهاً حديثه و قال:
- كيف لم يستطع صاحبك أن يميز بين مواء القطط و دبابات و طائرات العدو..ثم أضاف: أنت تدافع عنه لأنه معك في التنظيم..
تجاهلتُ الأمر.. و أخذتُ أنظرُ في ساعتي القديمة التي ورثتها عن المرحوم جدي..
سادَ صمت مطبق لدقيقة أو دقيقتين..فإذا بصديقنا "خالد" يقف فجأة, و يتقدم من فايق, ممسكاً به من ربطة عنقه .. فتأزَّمَ الموقف, و علت الأصوات..و حضرَ " أبو علي" و وزعَ علينا شتائمه" التراثية" بالتساوي و ثم طردنا من الغرفة إلى الشارع..فمضينا نجرجر أمانينا و إنكساراتنا الأولى صعوداً إلى تلال الزيتون و السرو الحارس في الجوار, بعد أن أصلحنا بمفردات الإلفة و الصحو بين خالد و فايق..
جلسنا تحت شجرة الزيتون الكبيرة, نتحدث في شؤون جراحنا و مواجعنا..و كان الإفتخار بما يقوم به البواسل سيد الحاضرين في كل جملة إعتزاز..
فوجئنا بفايق ينتقد الفصيل الذي ينتمي إليه خالد, متهماً إياه بعدم ممارسة الكفاح المسلح مثل بقية القوى و الفصائل و الكتائب..
إستشاطَ خالد غضباً و قال :- إسمع يا فايق! لقد إعتذرتُ منكَ و قبلتَ إعتذاري..لكني دعني أسألك و بصراحة أمام الجميع..عن علاقة الحب التي تربطك مع" فاتن" إبنة العميل الهارب" أبو نافذ البطيخات"
أحمرَّ وجه فايق..و أخذَ يتشاغل بليّ غصن من شجرة سرو كان قطعه و نحن في الطريق..
قال صديقنا محسن " أنه يسألك لمَ لا تجيبه.دون زعل و مشاكل و إستفزازات!"
-قضية خاصة و خلص!
علَّقَ "صادق" قائلاً: - "لا مش خلص..قول مثلاً هي شي و أبو ها شي ثاني.."
لم يجب فايق..الذي أخرجَ سكيناً صغيرةً و بدأ ينزع القشور عن الغصن الصغير.
أُستفزَّ " جاسر" مثل الآخرين من صمت فايق و ألقى بقنبلة جديدة:- عندي معلومات مؤكدة عن تورط أخيها في سرقة و تهريب السيارات..
تقدَّمَ أخي" محمود" المعروف بتدينه من الأخ فايق و إبتسمَ له و قال بهدوء:
- كما جاء في الآية الكريمة" لا تزر وازرة وزر أخرى" فإحتمل أصدقائك..و إشرح موقفك..
- أجاب بنبرة حزينة و أكثر هدوءاً:- "شو بدي أشرح يا زلمي..خليها مستورة"
قلتُ-"أحكي , فضفض..باين عليك مهموم"
قال فايق:- إسمعوا يا جماعة..البنت خطيبتي..خطبتها من أمها و خالها..و لم نذع الخبر..و لم نقم حفلة.. تمَّ الموضوع بسرية..لأن تهديداً قد وصلها من أبيها" البطيخات" الخائن., بسبب علاقتها بي..و لمعلوماتكم أيضا, خطيبتي" فاتن" تعمل في المقاومة..و هي ضحية ..
أخذنا نتعذر له..و عانقناه الواحد بعد الآخر.. و كان خالد أول المعانقين.
بعد أسبوع قرعت أجراس الحادثة..أرسلَ أبو نافذ البطيخات أحدَ شركائه العملاء وإغتالَ فاتن , برصاصات أطلقها عليها حين كانت تقف على الشرفة في المخيم, تنتظر خطيبها فايق.
و إشاعَ العميل أبو نافذ البطيخات أنه قتلَ إبنته إنتقاما " لشرفه"..
ملاحظة: الأسماء الواردة في هذه القصة هي من وحي خيال الكاتب
___________________
سليمان نزال
09.11.2004