المتسلـق ..
قـلم : سـليـمان نــزال
فركَ عينيه بيدِ التجارب المريرة..و أخذ ينظر في تحولات المخالب و العوسج في ولدٍ شبّ عن طوق الطاعة و تخطاه إلى علقم الجحود..أبصرَ الوجهَ الطفولي الذي كان بالإمس القريب يتقاسم ملامح الصفاء مع الملائكة يتحول إلى بائع أقنعة في سوق التضليل.. و كان يكذب نفسه..يكذب قلبه..يجد له الأعذار..يختلق له المبررات..و كان يقسو على بقية أبنائه حين يشكون إليه تصرفات "دخيل".
و إحتارَ في أمر هذا الولد العاق "دخيل"..دربه, علمه, رباه, أطعمه, دافعَ عنه, أغدقَ عليه, عطفاً و دلالاً و هدايا.. أكثر من كلِّ أخوته و أخواته..فيزداد قسوةً ويمتهن الكذب, و يتورط في أعمال مشبوهة..
و كانت سمعة الوالد تسوء بسبب دخيل و عالمه الإجرامي..لم تثمر كل التدخلات و الوساطات من وجهاء الحي و من شخصيات القبيلة لردعه و إرجاعه إلى جادة الصواب!
الولد كان يكبر..غداً شرساً مثل ذئب..صار شاباً كبيراً, يهابه الجيران و يبتعدون عن دروبه الشريره.. أسَّسَ شركة تجارية بأموالٍ قيلَ أنها من المخدرات.. و تدوالَ الناسُ إشاعات كثيرة منها إشاعة إرتباطه ببيع اراض لليهود..
أُسقطَ في يد الأب المغلولة إلى عنق التردد ..كان دخيل يجمعُ حوله أنيابَ طموحاته الخيالية.. و يمعنُ في صنعِ الكوارث..
حين جاء دخيل مرتدياً زياً شاذا غريباً .لم يدر بخلد أبيه أي معنى للتواطوء و للوقاحة..لم يعلق على زي إبنه الفاضح..قال في نفسه" غيمة إستعراضية و سوف تزول مع الوقت"
في المرة الأخيرة..دخلَ غرفة والده بلا إستئذان.. أخذَ البابَ في طريقه و دخل..
-: ما أجمل أكتافك يا أبي!
تفرَّسَ الأب المصعوق في سحنة إبنه ثم قال-: تأدب يا دخيل..
لكن دخيلا لم يتأدب..أقتربَ من أبيه..أمسك بيديه و أخذَ يصعد و يصعد على أكتافه...
إستشاطَ الوالد غضباً..ألقى بالولد الجاحد أرضاً, ثم أطلقَ ساقيه للريح...
عندما شعرَ بالتعب..جلسَ كي يستريحَ في ظلِّ شجرة زيتون..
و بدأ يمسح كتفيه من آثار الجحود.
سليمان نزال
تاريخ النشر : 13:30 06.09.04