طبقـات الكتـاب !
قـلم : سـليـمان نــزال

سـليمان نـزال

الكاتب العربي الذي يمتنع خوفاً و إنبطاحاً و تبعية و إرتزاقاً, عن الكتابة ضد العدوان الشامل المسعور الإمبريالي الصهيوني الذي تتعرض له شعوبنا و أمتنا, يتوقف عن كونه كاتباً محترماً, منتجاً و خادماً للجماهير العربية و معبراً عن همومها و متواصلاً مع مشكلاتها و متفاعلاً مع تطلعاتها و آمالها في النهضة و النماء و الحرية و التقدم, و يصبح من الواجب تصنيفه تحت خانات أصحاب الكتابات العاقة و حَمَلَة العقول المتسلقة و المتزلفة و المُحَرِّفة و المُخَرِّفة و المترفة و العميلة إلى آخر تصنيفات الذهنيات المرتعبة, و "الثقافات" الوصولية و الإستعراضية, التي تزخر بها هذه الأنواع المدمرة من نتاجات الخنوع و التسليع.

الكاتب الذي يتجاهل تلك الملاحم و المعجزات و الأعمال البطولية التي يجترحها صقور و فرسان المقاومتين الباسلتين العراقية و الفلسطينية, يستحق الرجم بنبال الإحتقار و التجاهل..

إن الإمعان في الكتابة عن كماليات عقد النقص و التقليد الأعمى الدوني للآخر الغازي المحتل و بهدف إغراق المجتمع العربي بتوافه الأمور و تسالي و بضائع الإستلاب بالتناغم و التوازي مع أبواق و إتجاهات إستسلامية تركز على تلميع و ترويج بضائع الغزاة و ثقافتهم في الغزو و النهب و الإغتصاب و بالترافق مع إستخدام ببغائي لتقنيات المستبد المتغطرس و مناهجه النقدية و الفكرية , هذه النوعية من الكتاب و المثقفين و الفنانين لا يمكن لها إلاّ أن تتعارض مع نصوص و مضامين و مفردات الوقائع العربية المؤلمة, القاسية تلك التي تحتاج إلى تغيير جدي و عقلاني و جوهري يخدم الإنسان العربي و يلبي طموحاته و مصالحه الحقيقية.

إذ أن بعض الكتابات و الأعمال تهرب من مسؤولية و طنية و قومية و إنسانية, خوفاً و قصداً, تعمل على إشاعة العبث و تسليع الوعي و خلق مناخ خبيث من اللامبالاة الباردة و الإحباط الشديد, تحت عناوين تزجية الوقت و الراحة و الترفيه و "التطور" و الإنتقائية البهلوانية و النزعات النخبوية و الجماليات المبالغ فيها.

و تكون النتيجة التنكر لعذابات و حاجات الناس, بل مضاعفتها بلغة مغرورة تفضل الإتصال السلبي المُسطح مع تنظيرات و أفكار ريمون بارت و جاك دريدا و هنري كيسنجر... على الإتصال التفاعلي الإيجابي البناء مع أفكار و رؤى و طروحات و إنجازات, الزعيم الخالد الرئيس جمال عبد الناصر أو القائد الشهيد الشيخ أحمد ياسين و القائد الأسير مروان البرغوثي و الناصر صلاح الدين الأيوبي..

ما الفرق إذن ما بين الكاتب المُعبر عن مصلحة الجماهير العربية العريضة,وذاك الذي يعمل و بشكل ممنهج على تزييف وعي المواطن العربي بالكتابة عن سخافات مفتعلة و مسائل مُفبركة و يقدم للناس وجبات سريعة من كلمات تشبه ساندويش الهمبرغر اليانكي في محلات ماكدونالز, المنتشر بصورة معيبة في كل أرجاء الوطن العربي الكبير ؟

مثلما يوجد سياسي فاسد و موظف فاسد ومسئول فاسد يوجد كاتب فاسد و شاعر فاسد و صحفي فاسد و مثقف فاسد.

كثيرة هي النصوص الراقصة البهلوانية و التي تنافس في غنجها و دلالها, أغاني الهبوط و الإغراء لنناسي و روبي و سائر القطيع الفاتن !

فما جدوى أن يصعد أحدهم-مهما بلغت شهرته- فوق النص ثم ينزل تحته و يلف حوله و لا يدخل في النص مباشرة, و إذا فعلَ ذلك في مناسبة من المناسبات فلكي يضع جل إهتماماته و جهده في سلة المعادلة الفنية أحادية الجانب, دون توازن بين طرفي وظيفة التبليغ و الإرسال و هندسة العمل الأدبي و الفني - أحادية مقيتة مثل خطة الحقد و المكائد في إنسحاب السفاح شارون من غزة- تاركاً سلة الجماهير فارغة من إلتزاماته و واجباته نحوها ؟

حين تبتعد عينُ الكاتب عن المشهد الواقعي الملموس, بكل أزماته و إختناقاته و مسالكه المتنوعه و بطولاته التي يجترحها الفلسطيني المنتفض الصامد و العراقي الباسل, فإنها عين تريد لنا بقوة النظام الراصد و أدوات القمع و الإعلام السلطوي و الغازي و المتصهين, أن نرى رؤيتها اللئيمة , و أن نتبنى تصوراتها المريضة و ننتهج أسلوبها في التفكير النرجس النفعي الذي إن وجد مصلحة له عند معسكر الأعداء الصهاينة و اليانكيين و من يسعى في ركابهم , لذهب إليها على جناح الذل, تسبقه التنظيرات الصفراء التي تجد في خيانة المبادىء و ذبح التاريخ و جهة نظر تكتب في صحف و تنشر في مواقع و تظهر في فضائيات عربية !

هذا شاعر يكتب نصاً كل سنة-حرصاً على التجويد و إنتاج الحوليات على طريقة زهير بن إبي ُسلمى دون أن يبلغَ مكانته- فينتظر في كهف صمته سقوط عاصمة عربية جديدة حتى يتمكن من كتابة قصيدة مجاملة..فهو يحتاج إلى محفزات أكثر إستفزازاً من سقوط بغداد و مجازر الصهاينة المتواصلة في فلسطين المحتلة ..حتى يستعيد روح الكتابة التي روحها في جائزة نويل و غيرها من جوائز غربية, لذا تراه يضحي بدوره حتى لا يضحي بالفني و الجمالي و الهندسي و الإيقاعي و المصلحي في كتابة تبحث عن المال قبل الجمال.. و ذاك كاتب يجعل من العمالة و الخيانة مقالات تروج لفلسفة الخنوع و الإستجداء و الدونية التابعة, نفحات و نفخات "فلسفية" أشبه ما تكون بطريقة اللدغ الأفعواني, و آخر ينادي "بالديمقراطية" و أخواتها من النسل الإمبريالي الشجع الكاذب, و آخرون يساعدون الغزاة في كتاباتهم و تنظيراتهم على محاكمة البطولات و التضحيات العربية في العراق و فلسطين و سوريا و لبنان.. وفي اللحظة التي ينتشرون فيها سمومهم, تجد من يتبنى و ينشر لهم هذه السموم على إعتبار أنها من جنس العسل و الترياق, و إن الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية و ما علموا أن الخلاف في الثوابت الوطنية و القومية هو خلاف تناحري لا يتسع للود المفتعل و المجاملات الرسمية !

فأي قرف أكثر من هذا يصطدم به الإنسان العربي, وهو يشاهد الخيانة مكتوبة ومتلفزة و مذاعة.. وفي أحاديث بعض المسئولين والقادة . خيانة وقحة, تعقد لها النقاشات و تدخل زوراً وتعدياً في زاوية رأي آخر أو حرية الآراء وتعددها أو تحت بند "الواقعية" .

تتعدد الآراء و تكون حرة و محترمة حين تجلس كلها تحت مظلة القاسم العربي المشترك, وطنياً و قومياً و ديمقراطياً و إنسانياً.

الخائن لا يكتب أو يُسمح له بالكلام, الخائن يُعزل, يُنبذ, يُحارب ,يُحاسب, يدفع ثمن خيانته و ترويجه لقيم و بضائع و مخططات الغزاة.

و السكوت عن المطبلين و المسبحين بحمد أمريكا و الصهاينة و الجواسيس على إختلاف أنماطهم و أدوارهم و مواقع وجودهم, هو الذي شجعهم فتمادوا في غيهم و شر أعمالهم, فصاروا يشكلون "قبيلة" عربية علقمية الطبع, فاقدة القيم, بمواصفات و تصاميم و شروط أمريكية و صهيونية .

و من هنا تنبع أهمية الكاتب العربي و طبيعة العقل الذي يقود أفعاله, حين لا يتخلى عن دوره الطليعي التحريضي التعبوي التثقيفي الفني, حين يعتبر نفسه بالفعل مقاتلاً على جبهة الكلمة الأمينة, الشجاعة, التي لا تهادن سلطان لمال أو لوظيفة أو لقب يسبغه عليه , علية القوم الأدعياء, و الكاتب الجريء, لا يقبض من ولاة جبناء نظير السكوت عن مخازيهم و تدبيج مقالات في مديح يستحقون عكسه تماما.

إن الحديث عن الكتاب و الشعراء و المثقفين و أدوارهم و ألوانهم و طبقاتهم و أنواعهم ,حديث طويل.

المهم في الأمر, أن تظلَّ يدُ الكاتب الحقيقي الملتزم و الشجاع, ممسكة بصلابة, بيدِ الواقع العربي لا تتركها, مهما تعددت الهموم و بلغت المشكلات, تمنعها من مصافحة الروح الإنهزامية و خيبات الأنظمة الرسمية, لا تهجرها إلى واقع آخر هجين دخيل, تحت مزاعم و مكائد الإصلاح و التغيير و إشاعة مناخ الحرية و التعددية, من صنع أعداء واقعنا العربي الحزين الذي يحتاج بالفعل إلى تغيير جذري على أسس عقلانية, نهضوية جريئة , إجتماعياً و إقتصادياً و سياسياً.. لكن من داخل البيت العربي الواحد, و في ظل المحافظة على ركائز و سمات أساسية في الهوية العربية الإسلامية, و تجديداً لها و تعميقاً لجذورها و توسيعاً لآفاقها الإنسانية الرحبة .

سليمان نزال
تاريخ النشر : 13:54 04.08.04