الثابت والمتحول في حركة فتح
قـلـم : سـليـمان نـزال
في حياة الرئيس الرمز الكبير الشهيد ياسر عرفات , لم تأخذ الإنتقادات الموجهة لنهجه السياسي, و خاصة لإتفاقية أوسلو و ملاحقها..إجازة مفتوحة,بغية التوصل إلى تهدئة مفتعلة تجامل الزعيم المؤسس و الذي لم يفرط بالثوابت الأساسية, على حساب الشعب الفلسطيني و مصلحته في إنتزاع حريته و سيادته و حقه في العودة إلى وطنه السليب.
كان المديح على قدر التمسك بالحقوق. .كما كان النقد على قدر الأخطاء و الثغرات الكثيرة, و هكذا ينبغي أن يكون الموقف من إبي مازن.
و حين إنتقلَ الشهيد الخالد أبو عمار إلى جوار ربه, رأينا كيمياء السلاسة ترتب معادلاتها بشكل منظم, يدعو للإنبهار الممزوج بكثير من علامات الإستفسار,فإعتبرها البعض حكمة فلسطينية تولد في زمن الشدائد و أوقات الملمات و الفواجع.. و لم يحجم البعض الآخر عن وصفها وجبة معدة مسبقاً توطئة لوصول تيار سياسي يقوده السيد محمود عباس يرمي إلى إخماد الإنتفاضة و فرض القانون من وجه نظره, و إستناداً إلى أفكاره المعروفه حول"عسكرة الإنتفاضة" و عملية التسوية.
كانت توجهات السيد أبو مازن تلقى معارضة شديدة في أطر و تشكيلات حركة فتح..وصلت حد إتهامه بأقذع النعوت..ناهيك عن موقف الفصائل الديمقراطية و الإسلامية من مجمل سياساته.
كيف تغيرت اللغة" القديمة" الفتحاوية من مواقف أبي مازن, ليتحول بين ليلة و ضحاها إلى مرشح إجماع من حركة فتح للإنتخابات الرئاسية القادمة؟
ما هي طبيعة و أسرار و اسباب و كواليس الصفقات المتعددة التي تمت ,لتتحلق كلُّ ألوان الطيف الفتحاوي حول شخص السيد محمود عباس و فكره؟
(ملاحظة : هذه المقالة أرسلت قبل إعلان عقيلة السيد مروان البرغوثي تسليم أوراق ترشيح زوجها للجنة الانتخابات)
شعبية ترتفع و بشكل صاروخي..القائد الأسير المناضل مروان البرغوثي- الذي كان يمكن أن تنتخبه قلوب الفلسطينيين و عقولهم لو تقدم للترشيح- يمحض دعمه لمرشح حركة فتح الوحيد السيد عباس.
إذن, ما الذي يحدث داخل حركة فتح و التي هي كبرى التنظيمات الفلسطينية, و ما يجري فيها يؤثر, بالضرورة, على شكل و مضمون الحالة الفلسطينية؟
من المعروف, أن السيد أبو مازن يمثل نهج خلافي في الساحة الفلسطينية, و هو لا يتمتع "بكاريزما" الشهيد الخالد أبو عمار..رغم تأكيده على تمسكه" بثوابت عرفات" فإن تأييده من قبل الأطراف الدولية و الأقليمية.. يتعارض مع ثبات هذه الثوابت و إمكانية التمسك بها في المرحلة الفلسطينية الآتية؟
من نافلة القول, أن لا أدعم نهجاً.. و لي إختلافات جوهرية حول رؤيته للحل السياسي و لعملية السلام؟
سيقال, أن حركة فتح تنطلق من وحدتها..من حرصها على لمِّ شتات المواقف..كل من في الساحة الفلسطينية كان يطالب بوحدة حركة فتح و منذ أمد بعيد..لكنها الوحدة المؤسسة على القيم و المبادىء و الأهداف التي قدمت حركة فتح, و كل فصائل الشعب الفلسطيني, آلاف آلاف الشهداء و التضحيات الغالية الباهظة, من أجل تحقيقها و بلوغها.
هل وجدت حركة فتح نفسها بحاجة إلى مراجعة و تقييم لوضعها الداخلي و إلى هدنة لإلتقاط الأنفاس..فقرر المحارب أن يستريح لبعض الوقت, و أن يعطي للسيد محمود عباس فرصة لتحقيق ما كان يطالب به من سياسات و توجهات, رغم أن بعضها كان يصطدم بمنطلقات الشهيد القائد الكياني أبو عمار؟
أم هي مرحلة إنتقالية في المؤقت الضاغط, ومسألة تقطيع وقت في ممرات الإجبار و الضغوطات المتنوعة, المتواصلة؟
التيار الفلسطيني الديمقراطي لم يتمكن بدوره من طرح مرشح إجماع..و هذا يعكس أزمة تعيشها الحركة اليسارية الفلسطينية..فقد سمي المناضل تيسير خالد مرشحاً رئاسياً عن الجبهة الديمقراطية, و هو قائد فلسطيني معروف يتحلى بمناقبية عالية و السيد الصالحي مرشحاً عن حزب الشعب و الدكتور المناضل مصطفى البرغوثي الذي نال تزكية من الدكتور حيدر عبد الشافي..كذلك رشح نفسه للرئاسة الدكتور عبد الستار قاسم ..و عدد آخر من الأسماء..و بهذا تتوزع أصوات الناخبين الفلسطينيين على عدد غير قليل, نسبيا, من المرشحين.و من الصعب أن تؤدي كل هذه الترشيحات إلى فوز مرشح آخر غير السيد محمود عباس و إلا فإننا سنجد أنفسنا أمام رئيس آخر مُحاصر و مطلوب تغييبه!
هذه فرصة أيضا للتيار الديمقرطي الفلسطيني, لإختبار قوته و شعبيته لدى جماهير الشعب الفلسطيني التي تميل إلى إنتخاب من يمثل مصالحها و يعبر عن همومها و تطلعاتها في إقامة دولة فلسطينية مستقلة, عاصمتها القدس الشريف و ضمان عودة اللاجئين إلى أرضهم و ممتلكاتهم المُغتصَبة.
___________________
سليمان نزال
01.12.2004