الورقة الخائنة
قـلـم : سـليـمان نـزال

سـليمان نـزال

في صبيحة اليوم الذي أعقبَ  غارة الإرهابيين على المخيم, جلس الصديقان تحت شجرة التين, تحدثا عن جنازات الصقور و الفرسان..و عن إغتيال النجوم و  أطفال المدارس..و تكلما بحرقة, عن  صمت المومياءات القريبة و البعيدة .

 

 

إمتدت يد ثابت إلى أحد أغصان شجرة التين..قطعَ ورقة من الأوراق التي كانت تبدو  دخيلة في شكلها و حجمها, و غريبة عن المكان ,  إلتفتَ  إلى صديقه حسين, ثم بادره بالقول:

 

-هل تملك قلماً يا صديقي؟

 

قال حسين:- أملكُ قلماً و دفتراً..

 

-أعطني القلم فقط..

 

-حبره أسود , لا يهم!

 

أجابَ ثابت:-  هو  بغيتي..و مربط فكرتي في صهيلها..

 

أخذَ   ثابت القلم  و كتبَ بضعة أسماء و عناوين على ورقة التين الصفراء.. قبل أن يلقي بها في حفرة قرب الجدار المهدم, نتيجة القصف و عمليات التجريف.

 

-ماذا فعلتَ  يا صديقي..ماذا تكتب؟

 

-أسماء بعض العملاء و الجواسيس"عصافير الشر و العار" من قبيلة أبي رغال و أبناء العلقمي, الذين إنتشروا  أفخاذاً و بطوناً مثل الفقع السام..في معمورة هذه الأمة!

 

قال حسين:- يا ثابت..طالَ  ثباتك..أنتَ تلتقط المشهد مكثفاً و مختصراً  في وريقة تين..أتراها تتسع لأبالسة الطعنات الغادرة؟

 

إجابَ  ثابت:- تتسع للموقف الصحيح و توابعه في مدار الزلازل الغاضبة.

 

-نحتاجُ  إلى غابة كبيرة كي نكتبَ على أوراقها أسماء الخونة..

 

أشعلَ ثابت لفافةً..تحسس مسدسه الصغير, و إستندَ  إلى جذع التينة و قال:

 

- أنظرْ  يا حسين إلى الورقة الملقاة في حفرة العِقاب.

 

- في حفرة العقاب ! ما بها يا ثابت؟

 

- ألا تلاحظ شيئاً يحدث؟

 

نظرَ حسين إلى ورقة التين المذعورة الآخذة في التقلص و الضمور .. نهضَ من مكانه و توجه إلى حيث توجد ..و أطلقَ بصقة نحوها..عادَ  إلى صديقه ثابت و قال له:

 

- أراها أصبحت أكثر إسوداداً و ذبولاً  بعد أن بادرتها ببصقتي الهائلة.. و يخيَّل إليَّ  أني سمعتُ  أنينَ  أسماء محترقة و عناوين هاربة إلى أسيادها..

 

بعد لحظات أخذت الأسماء الهجينة المكتوبة على ورقة التين المسودة تحترق..إشتعلت فيها النيران..

 

قال ثابت:-  هل رأبت..نتيجة كتابتي لأسماء الخنازير على ورقة ذابلة ؟

 

أجابَ حسين:-  هل رأيتَ نتيجة بصقتي و لهيبها؟

 

-لكنك لم تفهم في البداية.

 

- لكني فهمت.. و فعلت.

 

كادا  يختلفان..

 

 غير أن الصوت الذي أنطلقَ  من أعماق و جذور شجرة التين..كان  واضحاً, قوياً , حاسماً.

 

-"أنا من  أحرقت هذه الأسماء العميلة..أنا من طردت هذه الورقة الخائنة"

 

تعانقا كصديقين حميمين..و عادا للجلوس على حصيرة في ظل الشجرة العملاقة.


___________________
سليمان نزال
01.11.2004