السـقطـة..
قـلم : سـليـمان نــزال

سـليمان نـزال

إتصلتْ بي على هاتف المعهد الطبي, رأيتُ في صوتها غزالة تتوق إلى ملاقاتي, إتفقنا أن نلتقي في البساتين المجاورة , خارج الضجة و المدينة.. مضت ثلاثة أسابيع على آخر لقاء جمعنا بسبب إنشغالي و سفرها مع أبيها لزيارة عمها المريض الذي يعيش في دولة مجاورة.
لم أكن جاهزاً إلآّّ للإستحمام ثم النوم لمدة عشر ساعات متواصلة..ثم للحلم , و تحقيق الإتصال و المشي معها على بساط من سندس و أمنيات..
قبل ثلاثة أيام..لم أكن قد تخلصتُ من سطوة الحلم..إشتقتُ لفسحةِ تفكير تحت الرذاذ المتطاير..كان الممرُ لزجاً.. و ضعتُ منشفةً على رأسي و ثانية حول وسطي.. و خرجتُ من الحَمَّام كي أردَّ على مكالمة هاتفية..تقطعت أنفاسي بعد خطوتين..إرتطمَ ظهري بالجدار.. غبتُ عن الدنيا..غطستُ في بنفسج الغياب..وحده الشاهد كان مرفوعاً في الهواء.. و كان جسدي يسقط في هوة, قزحية الألوان..كان يسقط بلا قرار..
شعرتُ بدفقة ماء تُلقى على وجهي..أخذتُ أعودُ إلى المكان..شيئاً فشيئاً أصحو.. أتميَّزُ ملامحَ صديقي سرحان..أشمُ رائحة عطرية..يساعدني صديقي على النهوض, يعجز عن رفع جسمي الثقيل.. يسحبني إلى الصالون..يضعني على السجادة ..يرسل كلماته متتابعة..أفشلُ في إستقبالها أول الأمر..تمضي عدة دقائق..حتى أتمكن من فهمه..
- أتحدث معك منذ مدة.." و أنت مش هون" هل تسمعني الآن..
- أسمعكَ الآن..
- الحمد لله, أنني حضرت في الوقت المناسب..الحمد لله, أنني صديقك وجارك في السكن..رأيتكَ و أنتَ تدخل البيت عائداً من "كشك" السجائر القريب..تلفنتُ لكَ أكثر من أربع مرات.. ولما لم تجب..حضرت لأطمئن عليك و من حسن حظكَ أيضا ترككَ للباب مفتوحاً..
-
- أطلقتُ تنهيدة وتنفستُ بعمق و قلتُ -أشكركَ يا أخي..
- قالَ سرحان: سأعملُ لك قهوة .. لكن قبل ذلك إخبرني لماذا كان إصبعكَ مرفوعاً في الهواء..هل تشاهدت؟
- لا أعرف.. يبدو..
ما زلتُ أشعرُ بألمٍ في أسفلِ ظهري.. السقطة كانت قوية..لكن رغبتي في لقاء الغزالة أقوى..
إرتديتُ أجملَ ما عندي من ثياب.. أخذتُ معي الخاتمَ الذي كنتُ قد إشتريته لها, قبل عشرة أيام..قلتُ في نفسي و أنا أمنيها بالسعادة: "ستكون مفاجئة رائعة"
في نفس الوقت, كنا نصلُ إلى أول شجرة عند بستان إبراهيم..مدتْ حريرَ يدها كي تسلِّمَ عليّ .. إحتضنتها وضعتها فوق قلبي, ضحكتْ..
-تعال نجلس قرب ذاك البئر..
-لماذا ذاك البئر.
-"شو نسيت" هنالك إلتقينا لأول مرة..
و قفنا ننظرُ إلى البئر من الأعلى..كانت تضحك و أنا أشاهدُ وجهها في البئرِ و أشاهدُ فرحتي تطوف فوق سطح الماء..
قلتُ لها: أغمضي عينيكِ و مدَي يدكِ الجميلة..
قالت" شو..جبتْ لي خاتم ...حبيبي"
قلت: نعم يا غزالة..
سمعنا صرخات ..جفلتْ حبيبتي..دورية من جنود الإحتلال البغيض كانت تقترب منا.. كانت تطلق الرصاص..إحتمينا بالأرض..
سقطَ الخاتم في البئر.

سليمان نزال
تاريخ النشر : 09:42 01.09.04