الديموقراطية الداخلية لدى حركتي فتح وحماس
بقلم:سري سمور/جنين/فلسطين
تشكل حركتا فتح وحماس حوالي 70% من مجموع المسيسين في المجتمع الفلسطيني وحقيقة الأمر أن التنافس الحركي بمعناه الحقيقي على أرض الواقع هو ما بين هاتين الحركتين، فيما تشكل بقية القوى والفصائل ما يعرف "ببيضة القبان" ولا يمكن إنكار هذه الحقيقة التي يحياها المجتمع الفلسطيني منذ سنوات عدة.
وظل موضوع الديموقراطية داخل الأطر الحركية للطرفين غائبا أو مغيبا حتى وقت قريب، في هذه الأيام نلاحظ حضور هذا الملف بقوة سواء لدى المنتمين أو المناصرين أو المراقبين، ومما لا شك فيه أن الدمقرطة داخل حركة فتح ومنافستها حركة حماس سينعكس على الشارع الفلسطيني وستكون له آثار إيجابية ملموسة على الحياة السياسية والأوضاع الميدانية.
الديموقراطية داخل حركة فتح
لن أكون متجنيا ولا مجافيا للحقيقة ان قلت أن حركة فتح ظلت مهملة أو مغيبة أو متجاهلة لمسألة الديموقراطية داخل أطرها ومؤسساتها ولفترة طويلة لأسباب عدة، ولعل هذا الغياب الطويل للديموقراطية هو السبب في حالة الاحتقان والمشاكل التي تعيشها الحركة، ومن أبرز أسباب غياب الديموقراطية داخل حركة فتح:-
1) طبيعة الصراع:عاشت حركة فتح عمرها البالغ أربعة عقود من الزمن ظروفا معقدة وصعبة بسبب طبيعة العدو وظروف المعركة، ناهيك عن المواجهة مع عدة أنظمة حكم عربية بأشكال مختلفة، وهذا جعل موضوع الديموقراطية الداخلية إما مجمدا أو غائبا أو حتى منسيا.
2) التأثر بالآخرين:لقد تأثرت حركة فتح بالتجربة الناصرية التي لم تعر موضوع الديموقراطية أي اهتمام، كما تأثرت بجبهة التحرير الوطني الجزائرية التي استأثرت بالقرار الوطني الجزائري وفي نفس الوقت أصاب مؤسساتها الهرم والخلل لغياب منهجية ديموقراطية حقيقية داخلها، ناهيك عن تأثر حركة فتح بحزب البعث بشقيه الدمشقي والبغدادي وكذلك تأثرها بنظام الحكم في عدن (اليمن الجنوبي ) إبان ازدهار الاشتراكية، لقد نظرت "فتح" إلى هذه التجارب بإيجابية من منطلق دعم القائمين عليها للقضية الفلسطينية –على الأقل من وجهة نظر فتحاوية- وبعض الإنجازات التي تحققت على المستوى المحلي
للمكان والزمان الذي وجدت فيه هذه التجارب مع غض للطرف وبشكل بدا متعمدا لكل السلبيات الناتجة أساسا عن غياب الديموقراطية لدى كل تجربة من تلك التجارب، وإذا أردنا الإنصاف؛ لم يكن هناك أي نظام في البيئة السياسية العربية يمكن لحركة فتح أن تجعله نموذجا ديموقراطيا يحتذى، حيث أن الديموقراطية كانت غائبة تماما عن الواقع السياسي العربي من المحيط إلى الخليج.
3) قيادة عرفات:"اختلفنا معه ولم نختلف عليه"، هذه عبارة رددها الفتحاويون وما زالوا سواء كانوا من جيل الشباب أو الكهول أو غيرهم، ولكن عرفات أدار الدفة بمفرده، فيما ظل الباقون يقولون أنهم يراهنون على حنكته وبراعته وقدراته المتميزة، وأنهم وقت اشتداد الكرب يحتمون تحت عباءته، ولم يكن هناك أي شخص داخل "فتح" يستطيع تمرير ما يريد باستثنائه، وتحولت الأطر الفتحاوية والمؤسسات الحركية إلى ديكورات وانتقل الخلاف إليها وحول شخوصها وطريقة أدائها، ذلك أن ما يتعلق بالقائد الرمز كان متفقا عليه، رحيل عرفات كزعيم غطى ظله حتى الجزئيات الصغيرة فتحاويا بل لربما فلسطينيا
خلق نوعا من الإرباك داخل حركة فتح واستدعى ارتفاع الأصوات بضرورة اتباع منهج ديموقراطي لمعالجة الخلافات وتجنب الصراعات أو الانقسامات، والتصدي للتراجع الذي يبدو واضحا، فأعلن عن عقد المؤتمر العام السادس في آب/أغسطس القادم علما أن المؤتمر لم يعقد منذ 15 عاما!
سلبيات غياب الديموقراطية الحقيقية عن الداخل الفتحاوي انعكس سلبا على الحالة الفلسطينية ككل لا سيما بعيد اتفاق أوسلو وانتقال كوادر الحركة وقادتها إلى الداخل الفلسطيني، تأجيل عقد المؤتمر العام، وتراجع المد الجماهيري للحركة، وتمترس البعض وراء ما ينافي الديموقراطية عبر شراء الذمم بالأموال والامتيازات، إضافة إلى اتباع أساليب الجهوية والمناطقية والعشائرية والمحاصصات ساهم بتعطيل المنهج الديموقراطي الحقيقي القائم على الشفافية والتنافس الحر داخل الحركة وأطرها.
الديموقراطية داخل حركة حماس
كان الوضع داخل حماس شبيها لنظيره لدى "فتح" باستثناء ظهور حماس كحركة على درجة كبيرة من الانضباط والتماسك والوحدة، حركة حماس ربت عناصرها على الطاعة العمياء مستعينة بنصوص قرآنية وأحاديث نبوية لتمرير هذه المنهجية التربوية، من ذلك على سبيل المثال؛ قصة سيدنا موسى عليه السلام مع الخضر الموجودة في سورة الكهف، وكيف أن موسى عليه السلام كان يكثر من الأسئلة والاعتراضات بسبب ما قام به الخضر من أعمال بدت خاطئة أو غريبة في نظر سيدنا موسى،فظهر أخيرا أن الخضر تصرف بناء على معرفة وحكمة وهو مأمور بما فعل،طبعا وبكل تأكيد هذه القصة وهذا المثال لا ينطبق على الواقع الداخلي لأي حركة فلسطينية بما فيها "حماس" ،ثم إن الخضر قال لموسى:"وما فعلته عن أمري" أي أن إيحاء ربانيا وراء تصرفاته ،ثم إن الاتفاق أو العقد بين الطرفين (موسى والخضر) كان قائما منذ البداية على ألا يسأل موسى الخضر حتى يحدث الأخير للأول منه
ذكرا.
أما الآية الكريمة "وأمرهم شورى بينهم" فقد اختزل فحواها ومفهومها داخل أشخاص بعينهم، وظلت القرارات التي تصدر عنهم ملزمة للجميع داخل الحركة وكان عناصر حماس يرددون نفس الموقف باستخدام نفس الكلمات من رفح وحتى جنين دون تفكير أو تمحيص ،أيضا هناك أسباب لغياب النهج الديموقراطي داخل حركة حماس يمكن تلخيصها بالنقاط التالية:-
1) طريقة قراءة وفهم النصوص: المثال الذي ضربته آنفا ينم عن قصور في فهم النص القرآني وسياقه العام والخاص، وهذه مشكلة لعل الأمة بأسرها تعاني منها، فالطاعة لها حدود ولا يقتصر انتهاء الطاعة عند معصية من القائد أو المسؤول بارتكابه فاحشة أو دعوته لمنكر يظهر بجلاء، بل إن الاستئثار بتقرير المسيرة الحركية هو مبرر لانتهاء الطاعة في حقيقة الأمر.
2) ظروف المواجهة والتنافس:للإنصاف أيضا يجب القول بأن المعركة مع اسرائيل وجيشها وأجهزة مخابراتها أجبرت حماس على اتباع أسلوب عمل قائم على السرية وإبراز قيادات معروفة وإبقاء أخرى في وضع السرية المطلقة وتمرير التعليمات بشكل يخضع لمعايير أمنية صارمة لأن اسرائيل كانت ومازالت تريد تصفية حركة حماس وبالتالي لم يكن من المنطقي أن تسلم الأخيرة رقبتها إلى الشاباك من أجل عيون الديموقراطية التي تعتبر هنا نوعا من "الترف" المؤدي إلى الهلاك والاندثار.
أيضا ظروف التنافس مع حركة فتح وهي المنافس الرئيسي لحماس دفع القائمين على أمور الأخيرة إلى اتباع تكتيكات إدارية حركية تتسم بالسرية تارة وبالغموض تارة أخرى، ولا يخفى على أحد أن أجهزة الأمن الفلسطينية شنت حملات اعتقال ضد قيادات وعناصر حماس ولو لعبت حماس بأوراق مكشوفة لغدت بوضع لا تحسد عليه،لا سيما وأن كثيرا من عناصر حركة فتح يعملون في أجهزة الأمن ،أي أن الحركة التي تشكل المنافس والغريم لحماس لها أجهزة قوية على الأرض وهذا ساهم كثيرا في تعطيل مسيرة الديموقراطية داخل حماس.
3) الالتزام بالخط العام للحركة الأم: حماس هي الابن الشرعي للإخوان المسلمين كما تحب أن تصف نفسها،لذا هي مضطرة للبقاء في البوتقة الكبيرة للحركة الأم ؛مما يجعل الديموقراطية داخلها أمرا ليس بذي قيمة أو أهمية عند القيادات والأطر المختلفة لأن حركة الاخوان المسلمين تعاني هي الأخرى من غياب الديموقراطية الداخلية وهي تعلل ذلك بالحملات الأمنية التي استهدفتها من النظم العربية الحاكمة.
الديموقراطية داخل الحركتين الأكبر والأهم على الساحة الفلسطينية تشق طريقها ولو بشيء من الخجل أو البطء،سجل لحماس في هذا المجال تشاورها مع عناصرها في السجون وفي الميدان حول موضوع التهدئة الحالية والهدنة أيام تولي محمود عباس رئاسة الوزراء ،والمشاورات الداخلية التي أفضت إلى قرار بالمشاركة في انتخابات المجلس التشريعي المقبلة.
من جهتها قررت حركة فتح عقد مؤتمرها العام وتجري في أوساطها مشاورات وجدل واضح حول ضرورة إفراز مرشحين للانتخابات القادمة وإخراج قيادات وفق أسس ديموقراطية وضرورة الابتعاد عن التعيينات الفوقية المزينة بالانتخابات الصورية.
حالة الدمقرطة لها أسباب كثيرة داخلية وخارجية ،أنا شخصيا أعتبر أن السبب الأهم هو تطور وسائل الإعلام وسهولة الحصول على المعلومة وتوفر أدوات تحليلها،في الماضي كانت المعلومات ووسائل التعبير عن الرأي محصورة في إطار ضيق وساد أسلوب التلقين واحتكار المعلومة،اليوم أصبح بإمكان أي كان أن يصبح محللا سياسيا أو قارئا بارعا للواقع السياسي على أقل تقدير ،وغدت أساليب التنظير والتعبئة الحركية والتنظيمية القديمة جزءا من الماضي الذي لا يمكن إسقاطه على الواقع لأن الكل بإمكانه أن يرى ويسمع ويقرأ ،هذا الأمر فرض على القيادات ضرورة وضع ملف الديموقراطية الداخلية على الطاولة بل تطبيق آليات ديموقراطية في أساليب العمل وتقرير المواقف السياسية وغيرها.
تعزيز حالة الديموقراطية لدى حركتي فتح وحماس من شأنه أن ينهض بالحالة الديموقراطية للمجتمع الفلسطيني بأسره، ولا أريد الإفراط في التفاؤل، فما زالت الطريق طويلة ومليئة بالأشواك بل الألغام، لأن هناك من يؤمنون "بديموقراطية اللاديموقراطية "، مثل الديموقراطية المبنية على الكوتات والدكاكين والعشائرية والجهوية وغيرها من ديموقراطية لا تسمن ولا تغني من جوع، لذا أستغل الفرصة لدعوة حركة فتح وحركة حماس إلى بناء نهج ديموقراطي داخلي سليم لأن هذا يصب في مصلحتهما أولا وفي مصلحة الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج،ولا يكفي القول من كل طرف أن التنافس بين الحركتين جرى ويجري وسيجري في جو ديموقراطي ،بينما الداخل جوه لا زال شبه ديموقراطي!
===============================
سري سمور
عضو تجمع الأدباء والكتاب الفلسطينيين
sari_sammour@yahoo.com
ربيع أول 1426هـ