لقد عاش الفلسطينيون في الضفة الغربية وقطاع غزة إشكالية كبيرة تمثلت بتناقض لا تخطئه عين ناظرة ؛هناك من يستشهد وهناك من يزج به في السجون وهناك من يهدم بيته وهناك من يخرب الجيش الاسرائيلي منزله أو محله التجاري أو ورشة عمله الصناعية ،هناك من تسبب الاحتلال بمعاناته من الفقر والبطالة حيث أصبح الكثير من الناس يعيشون على المساعدات التموينية التي تقدم من هنا وهناك ،في نفس الوقت هناك فئة من الناس تتمتع بالمناصب و بالأموال والأرصدة الضخمة والامتيازات والسيارات مدفوعة ثمن الوقود لم تتعرض لأي ضرر يذكر من قبل قوات الاحتلال الاسرائيلي وان حدث وتعرض هؤلاء لأي ضرر فلأمر محض صدفة ويتم تغطية تكاليفه!
هذا الأمر خلق شعوراً كبيراً بالظلم الاجتماعي لدى عامة الناس ،ويخشى من تنامي هذا الشعور إلى ما لا يحمد عقباه.
يجري الحديث عن مجرد تعديل وزاري إلى حين إجراء الانتخابات التشريعية في تموز/يوليو المقبل ولكن الشارع الفلسطيني كان يأمل بتغيير جذري في الطاقم الوزاري فقد سئم الناس رؤية نفس الوجوه وسماع نفس الكلمات ،لقد ملّ الناس حديث من لم يعش همهم ومعاناتهم على الحواجز وأثناء والاجتياحات المستمرة وفي نفس الوقت يتحدث هذا البعيد عن الهم والمعاناة باسمهم وعما يعانونه بنفس الجمل ونفس التعليقات!
والحقيقة أن الأمل والرغبة بالتغيير سيطرت على مشاعر الناس بعيد ما عرف بعملية "السور الواقي" في نيسان /ابريل 2002 فالاستهداف طال المناضلين من شتى الفصائل ومقر الرئاسة "المقاطعة" ،لكن الفئة إياها لم يحدث لها شيء وبقي شخوصها يتنقلون بحرية داخل وخارج الوطن ببطاقات الـ VIPوهم يتحدثون باسم الوطن والمواطن المعتدى عليه!
نريد توزيعاً عادلا للثروة ،نريد محاسبة الفاسدين ،نريد شفافية مطلقة ولا نريد أن نسمع عبارات مثل "المرحلة لا تتحمل " ،"نريد وقتاً لأن الاحتلال لا يعطينا الفرصة " ،إن البدء الفوري بفتح ملفات الفساد وتقييم أداء المسؤولين واحداً تلو الآخر سيمنحنا الأمل بأننا وإن كنا قد تعرضنا لبطش آلة الحرب الشارونية فإن داخلنا متين وقوي، نحن لا زلنا في مرحلة الأقوال لا الأفعال في هذا الملف.
ولعل نتائج الانتخابات البلدية في غزة رسالة واضحة بأن الشعب غاضب من الأداء السابق ويجنح بقوة نحو التغيير ،وأنا أوجه حديثي إلى حركة فتح التي أدارت مؤسسات السلطة خلال العشر سنوات الماضية بالقول :عليكم أن تحسنوا اختيار مرشحيكم وعليكم تنظيف داخلكم الفتحاوي وتنقيته من الشوائب وإبقاء وجه النضال المشرف والعمل المخلص عنواناً لكم لأن الناس بفعل الشوائب والمتسلقين لم يعودوا يرون إلا صورة أحسبكم تدركون طبيعتها !
هناك من أبناء فتح من بدأ يتحدث للفضائيات ويكتب بالصحف عن ضرورة التغيير وعن أزمة حركة فتح وهذا أمر إيجابي بعد سياسة دفن الرؤوس في الرمال التي قادت إلى تفاقم الأزمة، ولكن لا فائدة من الأقوال بلا أفعال ،الوعود بلا فعل لا تكفي ،والترقيعات غير مجدية ،وحتى فتح الباب أمامي وأمام غيري لقول ما يريد حول الموضوع بحيث تذهب الكلمات أدراج الرياح هو أمر في غاية السلبية ؟
اسرائيل لن تعطينا شيئاً، جميعنا نتفق على هذه الحقيقة ،ولكن لم لا نعط أنفسنا حقها ؟ لم لا نراجع أداءنا ؟لم لا نصحح مسيرتنا؟ أنا أكره الشعارات الفارغة لذا أكتفي بالدعوة إلى إزالة الشعور بالظلم الاجتماعي ولن تتحقق هذه الإزالة إلا بإجراءات فعلية يراها المواطن البسيط في المدرسة، في الشارع،و في جيبه الفارغ !ولا مجال لتأجيل بدء عملية القضاء على الفساد والظلم الاجتماعي تحت أي مسمىً!
وللأسف ألحظ أن هناك من يريد الاحتفاظ بالمال والمنصب والنفوذ من خلال ما ستعطيه لنا اسرائيل من تسهيلات مزعومة بحيث يكون رفع حاجز ،أو إدخال مجموعة من العمال إلى الداخل بالنسبة له مخرجا ومهرباً من مراجعة أدائه ومحاسبته إن كان مخطئاً!
سري سمور/جنين/فلسطين
sari_sammour@yahoo.com
20:16 2005-02-07