حول ببيع الكنيسة الأرثوذكسية لأحد شوارع القدس لليهود
تاريخ النشر :15:22 2005-03-18

لا يخفي رجال الدين اليونان ، خشيتهم من قيام الفلسطينيون بإعلان بطريركية أرثوذكسية عربية بديلة عن تلك التي حولها البطريرك اليوناني ايرينيوس الأول ، من مؤسسة دينية قوية ومتماسكة إلى مجرد مؤسسة سياسية تابعة لأطراف عديدة ، أهمها وأشدها خطورة على مستقبل البطريركية ووحدتها ، هو الطرف الصهيوني الذي عرف السبيل إلى استغلال قوانين بالية ، يعود معظمها إلى عهد الانتداب البريطاني والأردني على الضفة الغربية بما يخدم مصالحه ، وهي تلك القوانين التي تنظم علاقة البطريركية بكل من الأردن و"إسرائيل" والسلطة الفلسطينية ، لا سيما وأن أحد هذه القوانين ينص على ضرورة حصول أي بطريرك جديد على اعتراف كيان صهيون به ، كشرط يسبق ممارسته لمنصبه .

أن تكون الكنيسة الأرثوذكسية قد باعت أحد الشوارع الرئيسية بما فيه من مبان وفنادق في مدينة القدس لمجموعة من اليهود ، حسب ما ذكرت صحيفة معاريف العبرية في عددها الصادر اليوم الجمعة 18/03/2005 ، فهذا نبأ لم يفاجئ أي مطلع على مجريات الأحداث ولا غرابة فيه .

بيد أن الشيء الذي يدعو للغرابة والقلق في نفس الوقت ، هو موقف السلطة الفلسطينية اللامبالي من كل ما يحدث ، وكأن الأمر لا يعنيها ، فلربما لا يعرف عباس ودحلان بأن البيع وإذا ما بدأ ، فهو لن يتوقف عند الشارع المذكور ، خصوصاً وأن من بين الأراضي والعقارات التي لاتزال تمتلكها الكنيسة الأرثوذكسية ، وتجري حول بيعها مفاوضات سرية منذ تولى أرينيوس الأول شؤون البطريركية ، نذكر :
- قطعة الأرض المقام عليها مبنى الكنيست الصهيوني
- قطعة الأرض المقام عليها ديوان رئيس الكيان موشيه كتساف
- قطعة الأرض المقام عليها بيت رئيس الكيان موشيه كتساف
- قطعة الأرض المقام عليها بيت رئيس وزراء الكيان أرئيل شارون
- قطعة الأرض المقام عليها مبنى وزارة التربية والتعليم الصهيونية

السلطة الفلسطينية وبموقفها اللامبالي وكذلك ، تخاذلها وعدم وقوفها بجانب المسيحيين الفلسطينيين الذين ثاروا أكثر من مرة على البطريرك اليوناني وتصرفاته ، ساهمت ودون أدنى شك ، في جعل كيان صهيون يستفرد ببطريركية القدس ويتحكم في قراراتها ، وهو موقف ، لا يمكن فهمه بمعزل عن السياق العام الذي تموضعت فيه أحداث المنطقة بعد عملية السلام الزائف التي أدت إلى هرولة الجميع نحو التطبيع مع الكيان ومن ثم السكوت على تجاوزاته ، بالإضافة إلى حقيقة أن موقف السلطة الفلسطينية هذا ، لا يبتعد كثيراً عن المواقف التي دأبت أنظمة الحكم العربية على اتباعها ، تجاه مواطنيها من المسيحيين العرب ، وهو النهج الذي دفع ببعض المؤسسات الكنسية العربية للتوجه إلى الغرب من أجل الحصول على مساعدات مالية تمكنها من مواصلة تقديم الخدمات الاجتماعية لرعاياها ، خصوصاً وأن أي من الحكومات العربية لا تخصص في ميزانيتها ، ولو الحزء البسيط من الأموال لدعم الكنائس العربية أسوة بالمساجد ، لا بل على العكس من ذلك ، تقوم هذه الحكومات بإصدار قرارات عنصرية تعسفية ، تمنع من خلالها بناء كنائس جديدة أو حتى ترميم القديمة وهو الأمر الذي يتنافى مع الشرائع والمفاهيم الإسلامية ، ويعطي في نفس الوقت صورة مهتزة عن الدين الإسلامي ، بما يخدم مصالح الصهيونية والمتصهينين الذين يسعون إلى دق الأسافين بين أبناء الشعب الواحد ، وكما نراه يحدث الآن في مصر ، حيث لا تحتاج أجهزة الإستخبارات الصهيونية أو العربية المتعاونة معها ، إلا لدس مقالة أو خبر ملفق ، لإحداث فتنة طائفية من النوع الذي يحتاجه أي نظام عربي يسعى لصرف نظر الشعب عن سياساته الداخلية القمعية ، أو الخارجية المتمثلة في الارتماء في أحضان كيان صهيون والهرولة نحو التطبيع معه ، ومن ثم فتح المجال للأجنبي للتدخل في شؤون البلد ، بذريعة حماية المسيحيين العرب ، علماً بأن غالبية العرب المسيحيين تعارض هكذا تدخلات .

تسلسل الأحداث :
10/1/2001 : كشفت مصادر مطلعة عن محتوى رسالة سرية ، كان آرئيل شارون قد بعث بها إلى البطريرك اليوناني الجديد أرينيوس الأول ، يطالبه فيها بإقصاء الأرشمندريت عطا الله حنا عن منصبه كمتحدث رسمي للكنيسة الأرثوذكسية الفلسطينية ، وقد تبين لاحقاً بأن شارون ربط اعتراف الكيان الصهيوني بالبطريرك الجديد بشرط تنفيذه لقرار الإقصاء المذكور .

26/10/2001 : تعمق الخلاف بين الأرثوذكس الفلسطينيين والبطريرك اليوناني ، بعد أن تأكد ذهاب البطريرك أرينيوس الأول إلى الكنيست "الإسرائيلي" للمشاركة في تأبين خاص أقيم للجنرال الصهيوني رحبعام زئيفي الذي نجحت المقاومة الفلسطينية في تصفيته ، فسارع مروان الطوباسي رئيس اللجنة التنفيذية للطائفة العربية الأرثوذكسية في فلسطين بتوجيه كتاباً للبطريرك اليوناني يستنكر فيه تصرفاته الغير مسؤولة ومواقفه اللاإنسانية . كذلك أصدرت شخصيات أرثوذكسية فلسطينية بارزة بياناً ، اعتبرت فيه "إقدام البطريرك على هذا العمل بمثابة صفعة للطائفة الأرثوذكسية التي تشكل جزءا من الأمة العربية والشعب الفلسطيني، وبأنه مؤشر خطير جدا يدل على أن البطريرك الجديد قد ارتمى فعلا في الأحضان الإسرائيلية، وانه يرضخ لإملاءات الحكومة الإسرائيلية" .

03/07/2002 : أصدر البطريرك أرينيوس الأول ، قرارا أعفى بموجبه الأب عطا الله من منصبه ناطقا رسميا باسم الكنيسة الأرثوذكسية، وذلك بعد يوم واحد على إدلاء الأب عطا الله بتصريحات صحفية أيد فيها عمليات المقاومة الفلسطينية المسلحة ، والعمليات الاستشهادية بكافة أنواعها ، مما أثار حفيظة المسؤولين "الإسرائيليين" .

08/07/2002 : على خلفية قيام الجيش الصهيوني بالتعاون مع رجال دين يونان ، بتفتيش مكتب الأب عطا الله حنا في القدس ، قرر أعضاء المؤتمر الأرثوذكسي العام الذي كان منعقداً في مدينة عكا ، بحث السبل التي يمكن من خلالها مواجهة البطريرك اليوناني وإحباط محاولاته لإبعاد الأب عطا الله حنا عن منصبة . وأدان المجتمعون البطريرك أرينوس الأول ووصفوا رسالة وجهها إلى اجتماعهم، بأنها تضمنت عذراً أقبح من ذنب ، مشيرين إلى أنهم لم يكونوا يتوقعون أن يكون البطريرك اليوناني معاديا للقضايا العربية والفلسطينية بهذا الشكل" . ومن أهم القرارات التي اتخذها مؤتمر عكا ، هي مقاطعة البطريرك اليوناني واعتباره شخصية غير مرغوب فيها فلسطينيا ومسيحيا .

12/07/2002 : حذرت مختلف الجمعيات واللجان الكنسية والمؤسسات والأندية الأرثوذكسية الفلسطينية , وسائل الإعلام العربية والعالمية من التعامل مع ما يسمى المكتب الإعلامي الجديد لبطريركية الروم الأرثوذكس في القدس , وهو مكتب بديل تم تأسيسه, بعد إقالة الأب الدكتور عطا الله حنا من منصبه ناطقا رسميا باسم الكنيسة ووصفت في بيان أصدرته , المكتب الذي أعلن عن تأسيسه البطريرك اليوناني أرينوس الأول, بأنه مكتب مشبوه, يرتبط بـ "إسرائيل", وهو بوق صهيوني مغرض.

16/07/2002 : أثارت تصريحات البطريرك اليوناني لصحيفة (هآرتس) العبرية والتي قال فيها بأنه لا علاقة له بالقضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني ، أثارت غضب الفلسطينيين بكل طوائفهم ، خصوصاً وأن البطريرك شن حملة تحريضية ضد الأب عطا الله حنا عبر صحيفة صهيونية ، وصفه فيها بأنه يدعم "الإرهاب" الفلسطيني ويؤيد العمليات "الانتحارية" وله علاقات مع فصائل فلسطينية متطرفة مثل حماس .

18/07/2002 : أصدر المكتب الإعلامي الجديد الذي أسسه البطريرك اليوناني بياناً ، أكد فيه على أن الكنيسة الأرثوذكسية ترفض "العنف الفلسطيني"، وترفض تحريض الأب عطا الله على القيام بأعمال "انتحارية" ضد الإسرائيليين.

05/08/2002 : كشف النقاب عن محتوى رسالة بعث بها البطريرك اليوناني إلى شارون عن طريق محاميه يعقوب نئمان ، يعرض عليه شراء اراضي وعقارات تابعة للطائفة العربية الاورثوذكسية .

14/08/2002 : تعرض منزل الأب عطا الله حنا لاعتداء بالحجارة وتم العثور على ورقة ملصقة على مدخل المنزل كتب عليها بالعبرية و اليونانية : "اِرحل من هذا المكان فليس لك أو للعرب حقوق في البطريركية اليونانية ومن يسعى لتعريب الكنيسة سنقتله" .

20/09/2002 : شن الأب عطا الله حنا أثناء محاضرة ألقاها في بيت لحم ، هجوماً عنيفاً على ما يسمى بالسفارة المسيحية في القدس المحتله والتي تحظى بدعم البطريرك اليوناني ، ووصفها بالدكاكين المسخرة في خدمة المشروع الصهيوني وأنها تمثل مجموعات "المسيحية الصهيونية" الناشطة في الولايات المتحدة ، وأكد أن المسيحية الحقيقية يمثلها المسيحيون العرب وليس ذلك القابع في البيت الأبيض والمجموعات الصهيونية الأخرى الذين يبررون عدوان الكيان الصهيوني على شعبنا الفلسطيني ، ويدعمون تهويد أراضنا الفلسطينية والاحتلال ، وأشار إلى أنه سيستمر بالقيام بدوره الوطني ولن يأبه بأية تهديدات صهيونية ، وشدد على أهمية أن تكون هناك أصوات مسيحية عربية تدافع عن الحق العربي وتدافع عن القضية الفلسطينية، خصوصا في الغرب حيث توجد وسائل إعلام مسخرة لخدمة الصهيونية .

01/03/2005 : في مؤتمر صحفي عقد في دير القديس جيراسيموس في قضاء أريحا ، طالب عدد من رجال الدين الأرثوذكس الفلسطينيين ، البطريرك اليوناني أرينيوس الأول بتقديم استقالته فوراً لكي تتجنب الكنيسة مزيداً من الفضائح والكوارث وحفاظاً على وحدة الصف الأرثوذكسي ، وقال رئيس الدير خريستيموس، خلال المؤتمر ، إن بيع الأراضي أصبح سمة عهد أرينيوس وكذلك علاقته بأشخاص مشبوهين وضعهم في مناصب مسؤولة وحساسة لا سيما المسؤول المالي السابق ، الذي سرق الملايين من الدولارات وهرب ، وكذلك المسؤول الإعلامي السابق المتهم بتهريب المخدرات والقتل . واتهم رجال الدين الأرثوذكس أرينيوس بعلاقته المباشرة وتآمره مع (الموساد) الصهيوني، مشيرين إلى أن "البطريركية مسيّرة الآن من قبل جهاز الموساد، أما أرينيوس فهو المخلب الذي تستعمله "إسرائيل" لضرب وتهميش الشخصيات الوطنية داخل الكنيسة وإضعاف الموقف الكنسي فيما يتعلق بالمسألة الفلسطينية .

الخلاصة :
كما يتضح من خلال تسلسل الأحداث ، فإن جوهر الخلاف يتمحور حول مواقف البطريرك أينيوس المعادية للعرب وليس لكونه يوناني ، وخير دليل على ذلك ، أن البطريرك الراحل ثيودورس الأول وكان يونانياً أيضاً ، كان يتمتع باحترام الجميع بسبب مواقفه المعتدلة تجاه العرب والقضية الفلسطينية .
بيد أن هذا لا يعني بأن يبقى منصب بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية العربية حكراً على اليونانيين أبد الدهر ، فقد حان الآوان وكذلك الفرصة ، لإعطاء مال اليونانيين .. لليونان وما للعرب .. للعرب ، خصوصاً وأن لدى الفلسيطينيين الأرثوذكس شخصيات وطنية عديدة مؤهلة لشغل المناصب القيادية في الكنيسة بجدارة ، وكم بودي أن أرى الأب عطا الله حنا وقد تبوء المنصب كأول بطريرك فلسيطيني .
إعداد : احمد منصور ـ المانيا
18/3/2005