فتح في تكساس (المهزلة الأولى)
عندما يتحول المناضلون إلى "شير ليدرز"!!

بقلم : نضـال زايـد ـ تكساس
تاريخ النشر : 27.01.2005

حدثني عائدون من فلسطين بعد أن شاركوا ضمن اللجان المشرفة على الانتخابات عن نزاهة الانتخابات و"سلاسة" انتقال السلطة بعد وفاة الزعيم الراحل ياسر عرفات بإعجاب فائض عن الحاجة، في الحقيقة لم يكن ثمة حاجة إلى لجان مشرفة وكان المجال مفتوحا لكل من يملك ثمن تذكرة سفر وبدلة داكنة اللون وربطة عنق تتناسب مع القميص ويفضل توفر نظارات شمسية سوداء وجوازات سفر أمريكية أو كندية أو أوروبية تسهل لهم حركة العبور والتنقل بين المدن الفلسطينية بحرية لا يتمتع بها حامل جواز السفر الفلسطيني حتى لو كان من مسئولي السلطة الفلسطينية أو حتى كان أحد المرشحين للانتخابات...
وسافر من أمريكا بعض هواة تجميع الصور و"لملمة" المواقف والصدف والعلاقات التي يتزعمون من خلالها الجالية الفلسطينية الأمريكية ليعيدوا بذلك مجد التنازع على المناصب في مؤسسات فلسطينية أمريكية والتي تحولت بفعل فاعل من مؤسسات جماهيرية فاعلة أو مؤسسات خيرية ناشطة إلى دكاكين تستصدر للقائمين على تلك المؤسسات شهادات خبرة وسيرة ذاتية تفيد في حال توفر منصب شاغر!!
أحد "الفتحاويين" في أمريكا والذي صار طريقه سالكا إلى رام الله تغيرت لهجته الثورية ليتقن اللهجة الأمريكية بدون لكنة لدرجة اعتقدت أنه أخذ دروسا مكثفة في اللغة الإنجليزية كتلك التي واظب على حضورها محمد دحلان والتي أنفق عليها من "مصروفه اليومي" وتحويشة "العيد"!!
كان ذلك الأمريكي الفلسطيني "الفتحاوي" العائد للتو من فلسطين أكثر تفاؤلاً بعد انتخابات نزيهة علق عليها قائلا: "انتخابات ترفع الراس...ويحق فعلا لهذا الشعب الآن أن تكون له دولته"، وكأنّ الشعب الفلسطيني طوال السنوات الماضية لم يستحق تلك "الدولة" التي أصبحت متاحة الآن ومتوفرة في الصيدليات ومحلات البقالة...!!
عشر دقائق لا أكثر ولا أقل هو كل ما استطعت تحمله من تصريحات حول نزاهة الانتخابات أعطتني صورة حقيقة لعدم نزاهة الانتخابات وعدم تمثيلها كافة فئات وطبقات الشعب الفلسطيني...
وكيف للانتخابات أن تكون دقيقة ونزيهة في ظل ظروف احتلال وقمع وتشريد وبوجود حواجز تفصل المدن والقرى الفلسطينية..، وكيف يقبل محمود عباس أن يحتفل بفوزه وهو يعلم تماماً أنه ثمة من لم يستطع أن يصل إلى مراكز الاقتراع أو لم يتمكن من التصويت بسبب حجز أو اعتقال بينما الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية شارك كثير منهم في الانتخابات البلدية وسيشاركون في الانتخابات التشريعية..؟؟ ولماذا حرمتهم "اسرائيل" حقهم الدستوري في اختيار رئيس الدولة التي يقضون لأجلها ودفاعا عن شعبها وأرضها ربيع عمرهم في السجون والمعتقلات الاسرائيلية؟
ألا يكفي - مثلاً - أن هذا الرجل الفلسطيني الأمريكي الذي يتغنى بنزاهة الانتخابات وأن الشعب الفلسطيني اختار رئيسه أنه لم يشارك في هذه "التجربة الديمقراطية" و لم يحق له التصويت فكان ضمن جوقة المشجعين الـ "شير ليدرز cheer leaders"*فإن كان هذا الذي لا يخلع الكوفية العرفاتية عن عنقه لا يعتبر نفسه جزءا من الشعب الفلسطيني فمن أي شعب هو إذن؟! ولماذا غض عباس النظر وقبل بخنوع وهزيمة مستسلما للقرار الاسرائيلي بمنع الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في السجون الاسرائيلية من حقهم الانتخابي؟!
طبعا أعد صاحبنا عدته ليجيب عن أي سؤال بطريقة تتعامل مع الفلسطينيين في المهجر والشتات على أنهم شعب مستورد من اليابان لكنه شعب خارج خارطة الحدث والقرار بل وخارج حدود الرؤية الفلسطينية، الأمر الذي انعكس على أداء المؤسسات الفلسطينية الأمريكية القليلة الباقية في أمريكا مثل الكونغرس الفلسطيني الأمريكي واللجنة الخيرية المتحدة للأراضي المقدسة والتي تتلقى تعليماتها من السلطة الفلسطينية الأمريكية وتعمل حسب تطورات المشهد السياسي الفلسطيني وليس كما ينبغي أن يكون حسب المشهد الجاليوي في سبيل تكوين لوبي ضغط فلسطيني أمريكي يساهم في صناعة القرار الأمريكي أسوة باللوبي الصهيوني المؤثر في أمريكا ..
عدم العمل ضمن أجندة واضحة للمؤسسات الفلسطينية الأمريكية أربك الجالية وأفقدها ثقتها بالمؤسسات الجماهيرية التي تمثل الجالية، والوصاية غير المباشرة على تلك المؤسسات جعلت معظمها مجرد امتداد لفصائل وتكتلات فلسطينية لا تتوافق مع الحالة السياسية في أمريكا بل تعزل الجالية الفلسطينية عن المجتمع الأمريكي لصالح الجمعيات اليهودية والمتطرفة في أمريكا... وللأسف، اختلت الموازين لدى هذه المؤسسات التي دعمتها تكتلات فلسطينية فأصبحت زيارة أصغر موظف في السلطة الوطنية الفلسطينية لأمريكا أهم بكثير من المؤتمر الجمهوري او الديمقراطي أو حتى العملية السياسية برمتها في أمريكا... وتسجيل مواقف لناشطي الجالية الفلسطينية لدى المسئولين في السلطة الفلسطينية أهم بكثير - بالنسبة لهم - زيادة تأثير الجالية الفلسطينية في عملية صناعة القرار في واشنطن.
فشلت المؤسسات الفلسطينية الأمريكية التي "تغذيها" منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسسات السلطة - من تحت الطاولة - فشلت في التخاطب مع الجالية الفلسطينية لتبقى الساحة مفتوحة أمام بعض مخاتير الجالية من الذين يتلقون تعليماتهم من تونس أو رام الله وكأنهم ممثلين للسلطة الوطنية الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية وليسوا ممثلين عن الجالية..؟!
قام الأسبوع الماضي السيد أحمد عقل وهو الرجل الثاني في دائرة التعبئة والتنظيم والتي اكتسبت اسما أخف وطئا وهو "دائرة المتابعة" بالالتقاء مع الجالية الفلسطينية في عدد من الولايات في إطار جولة غامضة له فيها لم تتضح أسبابها...ولم تتضح ملامح العلاقة بين الجالية ودائرة التعبئة والتنظيم في منظمة التحرير الفلسطينية الأمريكية...؟! والمضحك المبكي بالأمر أنه ورغم أن الداعين إلى الحفل والذين مثلوا مؤسسات فلسطينية أمريكية عديدة مثل الكونغرس الفلسطيني الأمريكي واللجنة الخيرية المتحدة للأراضي المقدسة قاموا بدعوة بعض أبناء الجالية - حسب مسطرة وانتقائية لم نفهمها - على وجبة عشاء في مطاعم وصالات فاخرة، إلا أن عدد اللذين استجابوا وحضروا اللقاءات في المدن المختلفة كان مخزيا ولم يمثل أصغر عائلة فلسطينية في أمريكا وكان أقل بكثير من العدد المتوقع، وتفاجأ الحاضرون بالضيف الفلسطيني يعود بهم إلى مقاعد الدراسة ويعطيهم درسا في التاريخ وخارطة الطريق.
في دالاس حيث تشير الاحصائيات إلى وجود ما يزيد عن 10 آلاف فلسطيني لم يحضر أكثر من 4 أشخاص ولم يسمح الحضور للضيف الفلسطيني (موفد المنظمة) أن يتحدث عن خارطة الطريق مؤكدين إلى وجود أجهزة كمبيوتر وانترنت وساتلايت في منازلهم.
وكذلك باءت تحركات بعض الناشطين الفلسطينيين مع السيد عقل في ولايات ومدن مختلفة بالفشل مثل لقائه مع الجالية في مدينة ممفس (تينيسي) والذي لم يحضره أكثر من 5 أشخاص وكذلك كان لقاء لويزيانا، وربما لو جلس عقل ومرافقوه في قهوة عربية أو مطعم عربي في أي مدينة لكان قد التقى بعدد أكبر من ذلك بكثير من الجالية الفلسطينية التي فقدت خط الاتصال مع المؤسسات الفلسطينية الأمريكية!!
زيارة عقل وتحركات منظمة التحرير الفلسطينية الأخيرة على الساحة الأمريكية أبعد بكثير من خارطة الطريق وهي عملية غير مدروسة لتهيئة "الطريق" بين رام الله وواشنطن، واستعدادا لجولات عباس القادمة لأمريكا في محاولة لإعادة ضخ الدم "الفتحاوي" في المؤسسات الفلسطينية الأمريكية التي فشلت في العمل مع الجالية واختارت أن تعمل مع السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية لتناقض بذلك مبادئ وأهداف تأسيسها.
وللمهزلة بقية...

* شير ليدرز (Cheer leaders): شباب وصبايا يقومون بقيادة مشجعي الفرق الرياضية حسب ايقاع منضبط وبرقصات مثيرة مرتدين زي موحد.
----------------------------
نضال زايد - صحافي وكاتب مقيم في تكساس - nzayid@sharqgarb.com