عندما سألتني الأمريكية: كم رجلا خطفت وكم رهينة ذبحت؟!
مخطوفون في وطن مخطوف

بقلم : نضـال زايـد ـ تكساس
تاريخ النشر : 02.01.2005

ألقت بسؤالها لتوقظ في رأسي بركان خامد، وقالت تلك السيدة الأمريكية الجالسة في المقهى بعد ان تأكدت أنني عربي بل ومسلم (وكأنها تشير إلى تهمتين مع سبق الإصرار والترصد) - سألتني بدون تردد وبكل بساطة : كم رجلا خطفت وكم رهينة ذبحت؟! والذي أفزعني هو الهدوء الذي كانت تتحدث فيه فاتنة المقهى وكأنها تسألني: كم سيجارة تدخن في اليوم...!!

تلعثم لساني وتحجرت حنجرتي وركضت نحو "دورة المياه" عساني أفيق من هذا الكابوس... وغسلت وجهي بماء بارد وكأني أحاول غسل دم الضحايا الأبرياء الذي يراه الأمريكيون على جبين كل عربي ومسلم في أمريكا لأخرج من شرنقة الإرهاب ودائرة الاتهام...نظرت إلى وجهي في المرآة ولم أر سوى دخان وسمعت دوي انفجار وشاهدت مقاطع بثتها القنوات الفضائية لتهديدات "بن لادن" ، نظرت أكثر فرأيت كل المخطوفين والرهائن الذين أعدموا يقفون خلفي يحملون رؤوسهم في أيديهم...أطلت النظر أكثر فاختفى رأسي.

بعد ان استوعبت الموقف وتداركته عدت إلى مقعدي، وعدت إلى نفس السيدة التي كانت تستعد لجولة أخرى من النقاش..أو الحوار المفتوح الذي قد يشارك فيه رواد المقهى وعمال النظافة في الشارع لكنني بادرتها بالسؤال وسألتها عن أصلها أي جدودها الأصليين من أي أرض هاجروا فأجابت من ألمانيا - وكم أسعدني هذا الجواب فوجدتها مناسبة جيدة للتشفّي- فسألتها: ترى كم يهوديا أحرقتي وقتلتي؟

ثم تابعت "انتقامي" وقلت لها بلكنة المهزوم: نحنُ يا سيدتي مذبوحين ومخطوفين منذ الحادي عشر من سبتمبر وفجيعتنا أكبر من فجيعة أهالي الضحايا في كافة العمليات الإرهابية التي ارتدت عباءة الدين.

لم تفهم السيدة ما كنت أحاول أن أقوله،ولن تفهم...فهي "تقرأ" وجوه العرب الأمريكيين والمسلمين في أمريكا بـ "نظارة المؤامرة" التي دست الإسلام في عمليات إرهابية من خطف وقتل وتفجير.

في السابق كان العرب والمسلمون متهمين في أمريكا والدول التي تطالها تهديدات "القاعدة" وعمليات التفجير أما الآن فهم متهمون في كثير من البلدان مثل روسيا والنيبال وكوريا وفرنسا وإيطاليا والهند ومعظم دول العالم التي دخلها المسلمون خاطفون وإرهابيون عبر الإعلام وأشرطة الإعدامات والرسائل التي يعلن فيها الخاطفون عن مطالبهم ...فأين نذهب بهذه التهم؟!.

استمعوا لي جيدا فأنا مرتبك ومحبط ومن عيني يسقط ألف جيل وأرى الهزيمة مراجيح أطفال نلهو بها...والابتسامة مفخخة والدهشة مجرد مؤامرة لنقع في ذات الحماقة...حماقة أكثر من جيلين..

كيف دخل الخاطفون العراق...وأين كانوا؟! كيف حزموا حقائبهم وسافروا وعبروا الحدود دون أن يشك بهم أحد...؟ بينما بالنسبة لي على الأقل لم تفلت كلمة ولا مقال ولا رسالة عشق بريئة بدأتها بالبسملة وأنهيتها بالدعاء - لم تفلت من عيون المخابرات ورجال التحقيق...كيف مرَّ هؤلاء في الوقت الذي تستوقف فيه المطارات في كل العالم من الشرق والغرب أي كلمة بريئة في حنجرة كاتب مقموع...أو صرخة مكتومة على لسان مواطن من الدرجة العاشرة...علما بأن الأشعة التي تفتش حقائب المسافرين في المطارات متقنة ومتقدمة لدرجة أنها تخترق حتى ضمائرنا وتكشف عن النية الكامنة لتفجير الشهقة في وجه رجل الأمن؟

دعونا نفكر مرة أخرى...خاطفون يلبسون عباءة الدين مثل كثير من تجار وسماسرة الأوطان، يختطفون عمالا وموظفين لا ذنب لهم سوى أنهم فقراء "يسعون في مناكبها" أو أنهم طموحين أو مجرد عابرين ثم تنتشر الرسائل والتهديدات والتلويح بقطع الأعناق ما لم تتحقق طلبات الخاطفين في وطنهم المخطوف في الزمن المخطوف؟ ومعارضون يحملون "أجندات" مستوردة على مقاس "الحدث" ومشاهد لجزارين يجزون الأعناق يتداولها باعة الأشرطة على الأرصفة العربية وتلقى رواجا أكثر من أشرطة "نانسي عجرم"!!

ثمة رسائل مصورة للـ (القاعدة) وأخرى للـ (الزرقاوي) وثمة بيانات وتفجيرات في (بث حي ومباشر) وتصريحات مفخخة تنشرها مواقع الكترونية...إذن تصل الرسائل وثمة وسائل اتصال مع وسائل الإعلام ومواقع الانترنت وثمة خاطفين يتجولون في الأسواق العراقية بحثا عن "ضحية" سمينة وثمة بحبحة في الموقف الأمني لا نعرف مداه...وثمة عرض وطلب وسوق للرهائن لا يشبه في شيء أي من الأسواق و"المولات" العالمية...يا لها من حرية لا نتمتع بها ويا لها من مصادفة عجيبة لا يزرعها الحظ على دروبنا..

قصة الرهينتين الفرنسيتين التي أثارت المجتمع الدولي قبل أشهر بل وأثارت الحكماء في العالمين العربي والإسلامي هي الأكثر شيوعا حيث كانت الفتاوي الجاهزة "تيك أوي" معدة مسبقا ويتم تسخينها على "المايكروويف" ووجبة كل يوم كانت غنية بالهراءات غير القابلة للهضم...

من الضحية..؟! غيري وغيرك عزيزي القارئ...وهل يستحق المخطوفين أن تجز أعناقهم ويتم إعدامهم بطريقة بشعة لا نستخدمها حتى مع الحيوانات ومن هم الضحايا..، غير أبرياء في متناول الأيدي ومواد قابلة للاستهلاك الإعلامي، فعلى سبيل المثال وليس الحصرفرنسا دولة مستقلة ولعل موقفها الرسمي من الحرب الأمريكية البريطانية على العراق كان أشرف بكثير من موقف بعض البلدان العربية والإسلامية ومع هذا أصرّ الخاطفون على التدخل في قوانينها وشؤونها الداخلية فيما يتعلق بقرار منع ارتداء الحجاب لطالبات المدارس...!! وربما خاطف آخر اقترح المطالبة بتأشيرات دخول إلى الولايات المتحدة الأمريكية أو طلب هدنة في "الفلوجة" تكفي لأكل بيتزا من الحجم العائلي ومتابعة مسلسل الساعة التاسعة مساء..!!

إسراف ومبالغة في التفاهة والاستخفاف في عقول الناس باسم الدين فما هي الصورة التي يحاول هؤلاء تقديمها للعالم كله غير تلك الموجودة الآن على وجوه المسافرين العرب والمسلمين في المطارات الأمريكية والأوروبية بل والنيبالية والعربية والروسية أيضا..؟!

وما الثمن الذي قبضه هؤلاء الذين يقدمون هذه المكافأة للأعداء الذين لن يقصروا في استهلاكها واستثمارها حتى نصبح جميعا بدون رؤوس..؟ ولماذا الفتاوي بهذا الشأن ركيكة وهزيلة؟

*** بالمناسبة هل أصدر "الشيخ" بن لادن بيانا تبنى فيه عملية الزلزال البحري "تسونامي" في آسيا؟!

  • نضال زايد - كاتب مقيم في الولايات المتحدة الأمريكية - nzayid@sharqgarb.com