همس في الضجيج ونكهة في التطبيع!!
بقلم : نضـال زايـد ـ تكساس
تاريخ النشر : 02.01.2005
يزعجني الهدوء أحيانا...وأحيانا لا أنام إلا على صوت قطار...وأتذكر أنني في "نيويورك" عشتُ في شقة تابعة لمحطة القطار لستة أشهر نمت فيها نوما عميقا...وعبر مراس غير شاق أصبح صوت سكة الحديد أرق من صوت "فيروز" في صباح لبناني كالحرير المشغول بضوء القمر.
وهكذا هي صوت الإنفجارات في العراق وفلسطين مجرد قرع طبول أو نقيق ضفادع على ضفة بحيرة هادئة...والجثث المتفحمة على قارعة الطريق مجرد تقصير من عمال النظافة أو تهالك في الموت على قارعة الطريق...والمآتم مثل صناديق البريد نلقي فيها رسائل شوق للذين سافروا قليلاً..وكنا نود أن نبكي لكن الدمع أصبح أغلى من "النفط" وفي خاصرة الوجع تقاس "التنهيدة" بالـ "الفدان" والحشرجة في الصوت أحيانا أوسع من "هكتار" ، كنتُ أود أن نبكي كما يفعل بقية الناس ولكن العين قرص شمس والقلب ينبض حسب توقيت "جرينتش" أما الفؤاد وما يهوى فضاع في "خارطة طريق".
لا أهذي...لكنها الحقيقة المُرَّة...، فبالأمس ودعتُ صديقا لم يمت لكنه اختفى..وكل يوم نشاهد عشرات الجرحى والانفجارات وأصبحت نشرة الأخبار غير مستساغة بدون "شلال الدم" واللون الأحمر هو اللون المفضل لدى معدي البرامج الحوارية التي يشبع فيها المتحاورون لطماً على (وطن) لم يحافظ عليه أحد ولم يلتفت إليه أحد، والأشلاء أوراق شجر ملقاة على قارعة الطريق...ونواح الأمهات خرير ماء.
ما الذي دهانا؟! فجأة، تطبعنا مع الهزيمة واعتدنا الانكسار وطأطأنا أكثر من اللازم ولم تعد تؤثر فينا مصيبة ولا تعرقلنا نكسة ولا يخطف أبصارنا منظر دامي ولا حتى نجفل لموت...نحن نسير (مبرمجين) وبوتيرة متسارعة نصعد إلى الهاوية.
حقيقة لم يعد يلفت انتباهنا عدد القتلى أو الجرحى وعدد الطائرات التي قصفت نساء وأطفالا ومدنيين أبرياء في منازل ومدارس وطرقات عامة...لا شيء يرعبنا سوى ارتفاع سعر رغيف الخبز، وزيادة طارئة على الوقود أو رفع الدعم الحكومي عن سلعة رديئة بالأصل..لا شيء أبدا...، بل وصرنا نغضب ونثور عندما نسمع عن فساد مسؤول حكومي ، وتقوم قائمتنا ولا تقعد عندما نسمع بفساد في الدولة أو يتسرب إلينا خبر تورط مسؤول أو رجل أعمال (مدعوم حكوميا) بعملية نصب أو رشوة أو هدر للأموال العامة في الوقت الذي لا نهتم فيه عندما تسقط عاصمة عربية أو تقصف أخرى أو تداس أخرى وتطأطئ حكومتها وتبتاع صكوك الغفران بثروة الشعب وثورته!!
أعتقد أننا حساسون أكثر لبريق الدولار.. ونداء المعدة طغى على نداء العقل ونحيب الضمير...وقسوة الجوع والحرمان أشد إيلاما من قسوة التشريد والخضوع للاحتلال والإذلال.
في مظاهرة أقامتها مؤسسات ومنظمات أمريكية مناهضة للحرب الأمريكية على العراق وللتواجد الامريكي في أفغانستان والعراق وما رافق ذلك من انتهاكات لحقوق الإنسان بالاشتراك مع ناشطين أمريكيين وأوروبيين في واشنطن العاصمة أحجم العرب الأمريكيون عن المشاركة في هذا النشاط بحجة انهم مشغولون بـ (لقمة العيش) إلا عربي واحد وقف في منتصف المظاهرة من الصباح وكان آخر المنفضين، طبعا هذا العربي لم يرفع ولا لافتة واحدة حيث كان مشغولا ببيع ساندويشات الفلافل والشاورما والمرطبات...
حناجر الأمريكيين المتظاهرين انشغلت بعشرات العبارات والهتافات وحملوا أعلام فلسطين والعراق ورفعوا لافتات شديدة اللهجة تدين الوجود الأمريكي العسكري في العراق وتدين سياسات أمريكا الخارجية ولكن حنجرة صاحبنا العربي كانت أعلى من كل الأصوات عندما كان يصرخ ويهتف وينادي: (فلافل فلافل هوم ميد - home made - شاورما فريش - shawerma fres....الخ).
هل هو (الجوع) الكافر...وكيف نشبع..ومتى نخرج من (شرنقة لقمة العيش)؟!
نضال زايد - رئيس تحرير جريدة (شرق غرب) هيوستن - تكساس - الولايات المتحدة الأمريكية - sharqgarb@sharqgarb.com