مناقشة مشروع سيفيتاس أو كيفيتاس حول حق العودة
بقلم : نضـال حمد ـ اوسلـو

كنت قبل عدة أيام كتبت عن مشروع سيفيتاس أو كيفيتاس لكن باختصار شديد لان موضوعي يومها كان عن مؤتمر فيينا لفلسطينيي أوروبا حول حق العودة والذي أقامه مركز العودة الفلسطيني ومقره لندن.فقد مررت على كيفيتاس مرورا سريعا و قلت من ضمن ما قلته أنه يلتف حول حق العودة وفي حال تأكد ذلك يجب أن يقاوم ويسقط. وذكرت أيضا أن كندا مثلا وهي من الممولين لمشروع سيفيتاس بحاجة لسكان جدد فلتسكن الهنود والسود والصفر والحمر والبيض ومن تريد من أهل الأرض، وقبل أي إنسان آخر فلتسكن اليهود من أوروبا وإثيوبيا والأرجنتين وفرنسا والهند والسند...خاصة يهود الاتحاد السوفيتي سابقاً لأنهم اقرب إليها ثقافياً واجتماعياً،وتستطيع كندا تقديم خدمة للإنسانية باستقبالهم إذ هي تجعل إمكانية عودة الفلسطينيين إلى بيوتهم المسلوبة واردة وممكنة،وتخفف عن كاهل أرضنا الاستيطان والسلب والنهب والاستعمار.

لكني التقيت في اوسلو يوم السبت الفائت بأحد القائمين على المشروع وجرى بيننا حوار طويل ونقاش مفتوح في ندوة أقيمت هناك حول مشروع كيفيتاس،وكان جواب الأخ سفيان القادم من أكسفورد وهو زميل عمل لمبدعة أو صاحبة المشروع د كرمى النابلسي،أن مشروعهم لا تموله أي مؤسسة كندية.على كل حال أنا اعتقد أن المشروع مدعوم وممول من جامعة أكسفورد ومن الاتحاد الأوروبي كذلك. وعنوان المشروع هو التالي :
" أسس للمشاركة : الهياكل المدنية لمخيمات اللاجئين الفلسطينيين والجاليات الفلسطينية في بلدان الاغتراب... جامعة أكسفورد / مشروع كيفيتاس".

يتحدث المشروع عن اللاجئين والجاليات الفلسطينية في الشتات والاغتراب وخارج فلسطين المحتلة،أول ملاحظاتنا السلبية عليه هي تجاهله للاجئي الضفة والقطاع. فقد اعتبر كيفيتاس أن اوسلو حسم وضعهم من خلال مشاركتهم في بناء السلطة الفلسطينية والانخراط في مؤسساتها. كما ويزعم المشروع سعيه إلى تمكين اللاجئين في الخارج من إقامة إطارات وهياكل وآليات عمل مدنية حتى يتمكنوا من التوصل إلى اتصال مع ممثلهم الوطني. وهنا أريد القول هل الشعب الفلسطيني بحاجة لوسيط فلسطيني أو غير فلسطيني من أوروبا حتى يتوسط بينه وبين ممثله على الصعيد الوطني ؟.. خاصة أن القائمين على المشروع يقرون بان الغالبية العظمى من اللاجئين يؤكدون على أن م ت ف هي ممثلهم الشرعي والوحيد وليس السلطة الفلسطينية. ونحن نعلم أن منظمة التحرير الفلسطينية مغيبة عن الساحة ومحاربة من قبل أركان السلطة أولا، لأنهم يريدونها مجرد لجنة تنفيذية ومجلس وطني ومركزي لتمرير الاتفاقيات مع الأعداء. وبالنسبة لأبي مازن وسلطة اوسلو فكل شيء محسوم تقريبا منذ ما قبل وفاة الرئيس عرفات، فهم أنفسهم أرسلوا سري نسيبة وياسر عبد ربه للقيام بمهام اختبارية واستباقية مع الصهاينة، وقد تمثلت تلك الاختبارات في مبادرة جنيف حيث شارك فيها وزراء في السلطة (قدورة فارس،هشام عبد الرازق، جبريل الرجوب ، ياسر عبد ربه وآخرين) وأعضاء في التشريعي وقيادات ومستشارين للرئيس الراحل ياسر عرفات. لذا ليس من المناسب إجراء الاتصالات بهذا الشأن مع الذين يعتبرون من أسباب الحالة المزرية التي يعيشها اللاجئون في الشتات.لكن ومع هذا فالقائمين على مشروع كيفيتاس يراجعون رئيس اللجنة التنفيذية( م ت ف) ممثلة بشخص أبو مازن محمود عباس. وهنا نسأل لماذا لا يتحدثوا مثلا ًمع رئيس الدائرة السياسية في م ت ف فاروق القدومي الذي يمثل آخر ما تبقى من قلاع صامدة في المنظمة تتمسك بالثوابت الوطنية وبحق العودة. وللعلم فان القدومي صرح لوسائل الإعلام السنة الماضية ان حق العودة أهم من قيام الدولة الفلسطينية. لماذا أيضاً لم يتحدثوا مع رئيس المجلس الوطني الفلسطيني سليم الزعنون الذي له موقف شبيه لموقف القدومي. ولماذا لا يقرون بالمستجدات الكبيرة والتحولية الأساسية التي شهدها الوضع الفلسطيني، فهناك نصف الشعب الفلسطيني أو أكثر من نصفه ضد السلطة ومع حماس والجهاد والخط الإسلامي والوطني المعارض لاوسلو ومشتقاتها في فلسطين المحتلة وخارجها.

الملاحظة الثانية والهامة جدا أيضا وهي الأهم برأيي : عدم وجود أي ذكر لحق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم التي شردوا منها بالقوة سنة 1948. ولا أي ذكر للقرار الدولي 194 الذي يؤكد على حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى الديار التي هجروا منها وتعويضهم عن الأضرار التي لحقت بهم.فالكتيب المذكور الذي أصدره القائمون على المشروع لا يتحدث عن أي شيء من هذا القبيل. وهذا بحد ذاته يجعل أي إنسان يشكك بمصداقية المشروع في تمكنه من إقناعنا بأنه سوف يحدث اختراق عالمي من ناحية إعادة الحق لأصحابه. وقد كنت سالت الأخ سفيان عن هذا الموضوع فكان جوابه أن مهمتنا أن نسمع منكم (الجاليات والهياكل التي تمثل اللاجئين) عن هذه الأشياء من اجل إيصال صوتكم ومطالبكم لممثلكم. وعندما أجبته بأنكم أصدرتم كتابكم هذا بعد سماعكم آراء اللاجئين فلماذا لم تضعوا العبارتين في الكتاب؟ أي عبارة حق العودة إلى الديار التي هجروا منها بالقوة والتأكيد على القرار 194. خاصة انه أقوى سلاح دولي وشرعي يدعم حق اللاجئ الفلسطيني بالعودة.لم اسمع جوابا.سوى أن القائمين على المشروع يريدوننا نحن أن نقول ذلك، ورغم أن اللاجئين قالوا ذلك سابقا ولاحقاً لكن القائمين على المشروع لم يغيروا الكتيب واعتقد أنهم لن يعيدوا إصداره من جديد ليشمل هاتين الجملتين.

كما هناك ملاحظة ثالثة حول المشروع وهي تجاهله للتنسيق مع المراكز الفلسطينية المعنية بحق العودة والعاملة في أوروبا وبالتحديد في إنكلترا مثل مركز العودة الفلسطيني العريق الذي يعمل منذ زمن في هذا المجال. وهناك ايضا صحافيون وإعلاميون ومثقفون فلسطينيين يعيشون في إنكلترا ولا يعرفوا شيء عن سيفيتاس، باختصار لم يسألوا عنه أبداً. كما أن صحيفة مثل القدس العربي تحمل راية الدفاع عن القضية و الثوابت الفلسطينية لم ينشر فيها أي شيء عن كيفيتاس. ثم أن هناك عددا كبيراً من الجاليات الفلسطينية في أوروبا لم تعلم بالمشروع إلا مصادفة،ونحن نقول لا يكفي أن يتم التعامل مع بعض اللجان الصغيرة التي تعمل من اجل حق العودة، فمعظمها لازال بلا عمل حقيقي ومجرد اسم فقط لا غير. ثم لماذا حصر أصحاب المشروع التنسيق في أوروبا مع كونفدرالية حق العودة فقط لا غير ،مع العلم أن طاقاتها محدودة جدا ومتواضعة،بالرغم من وجود بعض الأشخاص النشطاء فيها وهم منتشرون في عدة بلدان أوروبية. وتم بنفس الوقت تجاهل وجود مركز ضخم وكبير وهام كمركز العودة. يجب أن نذكر أيضاً بان مركز العودة أقام حتى الآن ثلاث مؤتمرات ضخمة ناجحة وفاعلة حضر آخرها مندوبون عن 21 جالية فلسطينية في أوروبا وشخصيات أكاديمية وروحية وسياسية وثقافية وقانونية فلسطينية وعربية مرموقة تمثل كافة أطياف الشعب الفلسطيني. وكان المؤتمر الأول في لندن والثاني العام الفائت في برلين والثالث في فيينا الأسبوع الماضي. وقد كنت من المشاركين بصفتي رئيس الجلية الفلسطينية في النرويج، وكنت أيضا من أعضاء اللجنة الخماسية التي صاغت البيان الختامي للمؤتمر. ولم اشعر أن البيان كان منحازا للطرف الإسلامي ولا لحماس أو غيرها من الإسلاميين.أقول هذا الكلام لان المعارضين أو الذين يقاطعون المركز يأخذون عليه توجهه الإسلامي. ثم منذ متى كان الانتماء للإسلام تهمة؟ وأذكر هنا بأنه حتى قسطنطين زريق وادوارد سعيد وجورج حبش ووديع حداد والياس خوري وكثيرون من مثقفي وقادة الأمة من المسيحيين يعتزون بالشرق الإسلامي وبالثقافة الإسلامية العربية التي ينتمون لشرقها. وفي العودة لبيان فيينا، فقد كان بيانا شاملا وجامعا ركز على العمل التنسيقي والوحدوي المشترك وعلى الديمقراطية والتعددية والانتخابات الديمقراطية والوحدة الوطنية في إطار م ت ف المتجددة والمستعادة والمعادة البناء على أساس وطني وديمقراطي مؤسساتي يحفظ فيها مكان للجميع ولكل فئات واتجاهات الشعب، بمن فيهم الجاليات في أوروبا والشتات العربي و العالمي.وهنا يكون المؤتمر المذكور قد أجاب على سؤال كيفيتاس عن التمثيل وكيفية إيصال صوت اللاجئين لممثلهم. ولا اعتقد أن الشعب الفلسطيني بحاجة لوسيط بينه وبين ممثله، فهو شعب مجرب وناضج وذو خبرة سياسية وتجربة ميدانية غنية.

كما هناك تعليق عن خلفية المشروع فقد جاء بعد توصية لوفد أو لجنة تقصي حقائق من البرلمان البريطاني زارت المخيمات الفلسطينية وأصدرت تقريرها المذكور في مارس / آذار 2001. والقائمين على المشروع يقولون أنهم بدئوا اهتمامهم به بعد فشل مباحثاث كمب ديفيد سنة 1999. ومشروع كيفيتاس يتحدث عن الجاليات والمؤسسات والهياكل الفلسطينية في أوروبا وشرق المتوسط في إيجاد الطريقة التي يرونها مناسبة للتواصل مع ممثلهم الوطني. وهذا سلاح ذو حدين يعني بامكان المشروع أن يلغي مستقبلا الكيان الوطني الفلسطيني الذي هو م ت ف. وبامكانه ان يأتي بافرازات جديدة لا ندري ما هي وكيف ستكون. وبنفس الوقت بامكانه ان يعزز من مكانة ودور المنظمة من خلال إعلان تمسك الشعب الفلسطيني واللاجئين بها وبالثوابت الوطنية الفلسطينية لأن حق العودة أهم تلك الثوابت.

الملاحظة الأكثر أهمية هي أن المشروع مصاغ بلغة أكاديمية مبتدعة وفي أحيان كثيرة يصعب فهمها واستيضاح معانيها، مما يجعلنا نشك بأمره. فلماذا هذه اللغة الغريبة المصطنعة ولماذا تلك الصعوبة في انتقاء العبارات التي يصعب فهمها من قبل الإنسان العادي؟ أليس هناك حق واضح للفلسطيني ويعرفه القاصي والداني، لماذا لا يكون السؤال واضحا كما هو الحق الفلسطيني بالعودة؟

اعتقد أن هذا أفضل من جمع المعلومات وبناء قاعدة البيانات التي ستشمل التجمعات الفلسطينية كلها خارج البلاد. فالدول الأوروبية وإسرائيل وأمريكا والجميع يعلم أن أعداد اللاجئين في ازدياد. أيضا من يضمن أن لا يتسرب بنك المعلومات الدقيقة عن الفلسطينيين للصهاينة أنفسهم. وبما أنني لست رجل قانون ولا أخصائي بقضية اللاجئين وبصفتي مجرد كاتب وصحافي و سياسي لن احكم على المشروع من الناحية القانونية، لذلك اترك الأمر للمختصين من أهل القانون وشئون اللاجئين والقرارات الدولية.

على كل حال نحن نؤمن بان معركتنا من اجل العودة طويلة و دروبها مليئة بالأشواك والتعاقيد والحفر،هذا بالرغم من تسلحنا بالحق والعدالة وقرارات دولية تؤيد وتؤكد ذلك، لكن كذلك علينا ان نفهم انه لا يوجد عدل بدون قوة ولا حقوق تسترد بدون مقاومة، ومؤامرات التوطين موجودة ويعمل بها كثيرون من كندا حتى استراليا، لكن أرحام نساء شعبنا كفيلة بهزيمة مشاريع التوطين والتهجير والتشتيت والتقتيل.

في الختام هذا دليل تلخيصي يشتمل على الملاحظات حول المشروع، التي جاءت بعد مشاركتنا في ندوة اوسلو وسماع رأي القائمين على كيفيتاس:

أولا : تجاهله للقرار 194 وعدم ذكره ولو مرة واحدة في الكتيب ولا اعني الكتاب الصادر ب 300 وكذا صفحة بل الكتيب ذو ال 11 صفحة بعنوان " أسس المشاركة : الهياكل المدنية لمخيمات اللاجئين والجاليات الفلسطينية في بلدان الاغتراب". وهو الأساس في العمل والجولات الميدانية لأصحاب المشروع، وقد وزع على كل الناس ونحن نناقش ما جاء فيه وليس في الكتاب الآخر المعنون حق العودة.

ثانيا : لا يذكر الكتاب ولو مرة واحدة حق عودة اللاجئين إلى ديارهم وممتلكاتهم التي هجروا منها في النكبة. وعندما سألنا الأخ سفيان عن ذلك لم نسمع منه إجابة سوى نحن نريدكم انتم أن تقولوا ذلك... وكان جوابنا : جيد لكن هذا الكتيب أصدرتموه انتم بناء على شهادات وأقوال اللاجئين في الشتات وكلهم بحسب زعمكم أعلنوا التزامهم بال 194 وبحق العودة إلى الديار التي هجروا منها.

ثالثا : د كرمة ومن معها في المشروع لهم موقف سلبي وغير ودي من مركز العودة في لندن. لذلك هم يتعاملون مع كونفدرالية حق العودة التي لا تمثيل عملي قوي لها في أوروبا.

رابعا: أصحاب كيفيتاس ينسقون مع أبو مازن ونحن نعرف موقف الرجل وعليهم أن ينسقوا مع آخر المعاقل الصامدة والمقبولة فيما تبقى من م ت ف وهو الأخ فاروق القدومي والدائرة السياسية للمنظمة ومع رئاسة المجلس الوطني الفلسطيني لا مع السلطة، وهي التي لم ترفض او تقبل علنا مبادرات سري نسيبة وياسر عبد ربه مع أنها هي ايضاً التي دفعتهم للذهاب وللعلم فانها شاركت بوزراء وأقطاب كبار منها في جنيف بالذات.وللتذكير شرعيا لا سلطة للسلطة على شعب فلسطين فهي مؤسسة من المفترض أن تكون تحت مراقبة وسيطرة وقيادة م ت ف.

خامسا: بالنسبة لتمويل المشروع لا يوجد جهات أوروبية ودولية غربية تمول أي مشروع يهدف لإعادة اللاجئين إلى ديارهم التي هجروا منها.بل العكس هناك جهات تعمل على التهجير والتوطين وإعادة التوطين.نحن نعيش في أوروبا ونعمل في أحزاب أوروبية مختلفة (أنا شخصيا عضو في حزب العمال النرويجي) تقبل بحق العودة كما ورد في 194. أي تمويل أوروبي يبقى عليه علامات سؤال واستفهام،قد يكون هذا هو السبب في عدم ورود ذكر للقرار 194 والجملة التي تخص العودة للديار في كتيب المشروع.

.سادسا : أؤيد في المشروع قضية ان اللاجئين تركوا في الخارج بدون شيء عملي .فالسلطة مشغولة بحالها والمنظمة مغيبة والاونروا تموت ببطء والحالة تعبانة جدا جدا .. لكن بنفس الوقت اسأل: هل اللاجئين فعلا بحاجة لوسيط بينهم وبين من يرون فيه ممثلهم الشرعي والوحيد؟ اعتقد أنهم بحاجة لإجراء انتخابات حرة ونزيهة ينتخبون فيها ممثليهم لعضوية المجلس الوطني الفلسطيني الذي سيعيد بناء منظمة التحرير الفلسطينية من جديد وعلى أسس متجددة متمسكة بثوابت وحقوق شعب فلسطين الوطنية و القانونية والتاريخية والشرعية.

سابعا : لا يمكنني ككاتب و سياسي ان احكم على المشروع من الناحية القانونية لذلك اترك الأمر للمختصين من أهل القانون وشئون اللاجئين والقرارات الدولية.

www.safsaf.org
نضـال حمد ـ عضو تجمع الكتاب والأدباء الفلسطينيين

30/05/2005