عيـد الميـلاد
بقلم : نضـال حمد ـ اوسلـو
مثلي مثل كل الناس في محيطي المهجري هنا في اوسلو البعيدة عن ناسي وخلاني وبيتي الأول، أجهز نفسي للعيد والعطلة ولما بين مناسبة ولادة السيد المسيح عليه السلام ورأس السنة الميلادية الجديدة. ففي مثل هكذا حال يشتري المرء شجرة مع زينتها وأنوارها وألوانها، ويضعها في مكان مناسب داخل المنزل،فيتراكض الأطفال لمعرفة سر هذه الشجرة ومن أين جاءت ولماذا تزين وتصبح مثل عروسة من الفلاحين على هودج عرسها بين الناصرة و الرينة وكفر كنا وعلى حشائش الجليل الذي سلب منا.ونقول لهم أن الشجرة فلسطينية والمسيح فلسطيني والبقية معروفة ...
انشغل كغيري بالمناسبة ولكني لا أنسى أبداً أن لي أهل وشعب وأمة ودين يحارب من قبل أعداء الشرق كل ساعة وكل هنيهة وكل لحظة وبلا توقف، ويحاول الذين يحاربون ديني ودنياي تصويرنا على أساس أننا إرهابيون منذ الولادة، وهذا ما قام به عتاة العداء للإسلام والملسمين وللعرب وللفلسطينيين في الغرب والشرق وكذلك في الشمال والجنوب.
كما أنني وأنا منهمك في هذا وذاك أتذكر أطفال فلسطين والعراق وكيف يقوم الجنود الذين يحتلون بلادنا هنا وهناك بقتلهم أو إطلاق النار والقنابل عليهم في المناسبات وبدون تلك المناسبات، وفي أضعف الايمان يقوم الجندي الغربي وبالذات الأمريكي الذي يحتل جزء من بلادي بإذلال الناس هناك، متسلحا بعصابة من الموالين له الذين صاروا بفضله حكاما للبلاد تستقبلهم القصور والموائد ويرحب بهم كل خائف وعاجز ومعاق من حكام بلادنا. ومثله وأحيانا بشكل أكثر بشاعة يمارس الجنود الصهاينة هواياتهم الدموية في فلسطين المحتلة.
عندما أهم بتحضير الطعام لأطفالي الذين ولدوا وتربوا وعاشوا في هذه البلاد بعيدا عن يوميات أطفال بلادنا تحت الاحتلال او في المخيمات الفلسطينية الموزعة على بلادنا العربية. أتذكر أطفال بلادي والعائلات التي تعيش بلا مأوى وأتألم لأنني وحدي لست قادرا على إعانتهم ولا تقديم مساعدة تحل مشاكلهم فالمشكلة اكبر مني ومنهم ومن جالية فلسطينية في النرويج ، نحاول جاهدين أن نضعها على السكة الصحيحة عل قطارها يسير بالاتجاه الصحيح. وأعرف أن مهمتنا صعبة وشاقة وأن التجاوب بطيء وأن الصبر مفتاح الفرج وأنه لا بد لأبناء الجالية من صحوة تعيدهم كما كانوا أبناء أوفياء يثقون بالجديد ويتغاضون عن القديم.
في يوم العيد المجيد نجد أنفسنا أمام أطفالنا المشردون في الوطن وخارجه، نجد انه لا بد من مساعدتهم فكيف نستطيع النظر في المرايا إذا كنا لا نستطيع سد رمق طفل جائع في مخيمات غزة ولبنان والضفة؟ وكيف نستطيع تناول الطعام والحلوى وهناك في مخيم خان يونس ومخيم يبنا من لا يجد ما يأكله كل صباح؟
في هذا اليوم ومثل كل مرة وكل سنة وكل عيد ميلاد قرأت وشاهدت في الأخبار ملكة هذه البلاد (الملكة سونيا) التي منحتنا مملكتها جنسيتها وثقتها ، تقوم بتناول غذاء العيد مع المدمنين على المخدرات في العاصمة أوسلو. وقرأت أن القاعة كانت مليئة بالضيوف من سكان الرصيف في العاصمة، فلم يكن هناك أي مقعد فارغ في المكان، وحضر الغذاء 200 من المدمنين على السموم، تناولوا غذائهم مع ملكة البلاد وتحدثوا معها عن همومهم ومشاكلهم وقاولوا ما يريدون بلا خوف أو حساب.
هذا الذي يحدث في النرويج لا يمكن أن يحدث في بلادنا العربية مادامت الفوارق قائمة بين الناس والحكام وبين الحكومات والقوانين، فالحكومة والحكام في بلادنا فوق القانون، لا بل هم القانون وهم أعلى منه بكثير. كأنه لم يكن لدينا في الزمن الغابر حكام لم تلد مثلهم أي أم في الدنيا ولم تحض بهم أية أمة في الخليقة، كان لنا الفاروق عمر وحفيده عمر العادل وكان لنا العشرات من الحكام الصالحين الذين لم يناموا دون الاطمئنان على الرعية وراحة الشعب وسد رمق كل محتاج وفقير في الخلافة بغض النظر عن دينه.
يوم الميلاد المجيد يجب ان يكون يوما للمجد العربي المفقود، للأمة التي يريدونها طيعة ولينة وفي قبضتهم. لكن هذه الأمة لا تقبل أن تكون غير ما جاءت لأجله، أمة ذات كرامة وشرف وأصالة وانتماء ودين ودنيا وسلام ومحبة وعلم ونور.. ونحن أبناء الأرض الفلسطينية الطيبة التي أنجبت يسوع لن نرضى بالعوز ولن نقبل بالجوع ولن نبقى مشتتين ولاجئين ولن ندير للذين سلبونا الأرض والبيت والحقل والمسجد والكنيسة أي خد بل سنواجههم ونقاومهم بالحرب والسلام حتى نعيد للبيت سلامه وأمانه ونعيد الأهل للديار..
عيد ميلاد مجيد لفلسطين ولكل العالم الذي يؤمن بان يسوع كان أول ضحايا شعب فلسطين ...
نضـال حمد ـ اوسلـو
24-12-2004