البيت الفلسطيني ليس شركة خاصة
بقلم : نضـال حمد ـ اوسلـو

كثر الحديث مؤخراً عن الانتخابات الفلسطينية وكثر أيضاً المرشحون لتلك الانتخابات،حتى أن خمسة فصائل فلسطينية يسارية شبه منسية خرجت بتفاهم يدعم ترشيح مرشح ما يكون قريب منها، ولا يهم من هو، مِن هذا او ذاك الفصيل أو حتى مستقل. كما أن احد مشايخ سلطة أوسلو ( من حماس سابقا ) وهو (الشيخ سدر من مدينة الخليل) رشح نفسه أيضا للمنصب المذكور، بالإضافة للأكاديمي عبد الستار قاسم الذي ذاق ما ذاقه من الديمقراطية الفلسطينية في ظل حكم الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات. و لا بد أيضا من التذكير بمرشحين معروفين حتى الآن عن فتح، الأول ممثلا للسلطة وأهل اوسلو بكل أشكالهم السيد محمود عباس ابو مازن الذي بعد رحيل عرفات أصبح رئيسا للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية. وكذلك الأسير مراون البرغوثي (أمين سر مرجعية فتح في الضفة الغربية) الذي أعلنت زوجته انه رشح نفسه من سجنه، وصدرت بيانات صحافية باسم كتائب الأقصى تساند ترشيحه وأخرى لا تسانده، كما رفض معظم قادة فتح القدماء ترشيح البرغوثي.

تكاثر مؤخرا اللغو حول ترشيح البرغوثي ومؤيدوه ومعارضوه في فتح، إذ يتضح يوما بعد يوم معارضة جيل القدامى في فتح لترشيح أشخاص معينين من جيل الشباب، وبعيدا عن مروان البرغوثي وقريبا من حشرات أوسلو فإذا قيست الأمور بمقاس القادة الشباب( دحلان، الرجوب، رشيد ، مشهراوي ،ابو شباك وغيرهم) الذين عرفهم الشعب مع سلطة اوسلو، الأفضل ان لا يكون هناك قادة من الشباب وأن تترك القيادة لمهندسي سلام الشجعان، لأنهم مسئولي الشباب وصانعيهم وهم رموز السلطة التي هي سلطتهم ولم ولن تكون سلطة مقبولة معهم وبهم من قبل شعب فلسطين الذي بدوره لم يعد يؤمن بهم شبابا وعجزة.

أما أبو مازن فقد فضل التريث وقال انه مازال الوقت مبكر عن الحديث عن ذلك. لكن أعضاء آخرين من اللجنة المركزية لفتح تحدثوا عن مرشح واحد هو أبو مازن. وهذا هو الطرح الأقرب الى الحقيقة. لكن الخطير هذه الأيام في طرح بعض القيادات التي تأوسلت (من أوسلو) وهي بالذات قيادات هامة في تراتيبية هرم حركة فتح هو إعادة الجمع بين رئاسة المنظمة والسلطة بينما المطلوب هو الفصل بينهما، وليس فقط بل ايضا بين المنظمة والسلطة قبل الدخول في أي شيء. ففصل المنظمة عن السلطة مطلب وطني فلسطيني ملح، وعلى الشعب الفلسطيني ان يطالب بذلك علنا وجهرا وبدون مللّ ، لأن الجمع بين السلطتين يعني تشريع اوسلو وما تبعه من خيبات وانكسارات فلسطينية،وبالمقابل مباركة الإنجازات الصهيونية التي ليس أقلها الاعتراف بالاستيطان ومصادرة وضم الأراضي وبيهودية الدولة الصهيونية ووضع حق العودة والسيادة والدولة والقدس في مهب الريح الصهيونية العاتية. عداك عن حقوق أكثر من مليون فلسطيني من مواطني ال48 فلسطين التاريخية الذين ضرب بهم الاعتراف بيهودية الدولة من قبل ابو مازن في قمة شرم الشيخ عرض الحائط. كما ان قيادة ابو مازن قد تقدم ما لم يقم عرفات بتقديمه في مسألة حق العودة بالذات.

وما التهافت الدولي على تأييد ومساعدة أبو مازن سوى دليل قوي على اعتماد الإدارة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وحتى الصهاينة أنفسهم على دور ما حيوي وفعال سيقوم به أبو مازن،خاصة أن عقدة عرفات وعقبته التي ألزمت أبو مازن الاعتكاف في منزله قد زالت من الوجود. لكن تبقى هناك عقبة أقوى وامتن من عقبة عرفات وهي الشعب الفلسطيني في الداخل وبالذات في الشتات.

وضمن التحضير لما بعد عرفات على الأرض جاءت الأخبار عن ان اللجنة المركزية لحركة فتح والتي تجتمع في فلسطين المحتلة من دون رئيسها السيد فاروق القدومي وبعض اعضائها مثل ابو ماهر غنيم ومحمد جهاد وفي هذا إشارة واضحة لوجود معسكرين أو أكثر في مركزية فتح ، معسكر جماعة اوسلو بكل امتيازاتها الشخصية ،المالية ،المعنوية والدولية، ومعسكر تونس الذي عنوانه الشتات الفلسطيني وفتح بالخارج مع تحالفات هنا وهناك بالداخل وعلاقات جيدة ومقبولة مع الفصائل الفلسطينية المعارضة في الداخل والخارج، ومعسكر ثالث يقف بين المعسكرين.

هذا على صعيد اللجنة المركزية أما على صعيد الساحات والأقاليم والقطاعات والمناطق فأن فتح أصبحت عشرات الفتحات هنا وهناك وهنالك، هذا إن صح التعبير. لذا كان الأولى باللجنة المركزية لفتح التركيز على البيت الفتحاوي الداخلي، لأن فتح التنظيم الذي يقود السلطة ويهيمن على المنظمة مسئول تاريخيا عن كل ما حصل وسيحصل الآن للقضية الفلسطينية. وسوف تحاسبه الجماهير وتقوم بتشريح سياساته وما نتج عنها منذ عملية اوسلو السيئة. نعتقد انه كان الأجدر بلجنة فتح المركزية ان تجتمع بكامل أعضائها في تونس أو خارج فلسطين وبرئاسة أبو اللطف وحضور أبو ماهر غنيم ومحمد جهاد والآخرين حتى تستطيع اتخاذ قرارات متوازنة ومقبولة وطنيا وفتحاوياً. وليس هناك أي مبرر لعقد الاجتماعات في مكان لا يستطيع القدومي وغنيم وجهاد وصوله. فما قيمة ان يكون القدومي رئيسا لفتح ولجنتها المركزية وهو لا يحضر ولا يقود اجتماعاتها ؟ وعدم تمكنه من الحضور وقيادة الجلسات يعزز من فرص ابو مازن ومعسكره ألانبطاحي. هذا وكانت اللجنة التي اجتمعت في فلسطين المحتلة قد اتخذت قرارا بجمع الرئاستين في شخص واحد، أي بذلك يصبح رئيس منظمة التحرير الفلسطينية رئيسا للسلطة الفلسطينية وهذا كلام أقل ما يقال فيه انه فارغ ولكنه أيضا خطير جدا، لأنه يحمل بوادر الهيمنة ألاوسلوية السياسية والمؤسساتية على الشعب الفلسطيني ومنظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح و سلطة أوسلو للحكم الذاتي المحدود.

أما منظمة التحرير الفلسطينية بكل مؤسساتها وهي كما نعلم أصبحت متقادمة ، يتوجب نفض الغبار عنها وإعادة تفعيلها وبنائها بناءا سليما وصحيحا ومتينا عبر الدعوة لعقد مجلس وطني فلسطيني استثنائي يكون شعاره إعادة ترميم وبناء المنظمة وصيانة برنامجها وتطويره وتعديله بما يتلاءم والمرحلة الحالية والتطورات التي شهدها الوضع الفلسطيني والتغييرات التي طرأت في فلسطين بعد اوسلو، خاصة مع إثبات الحركات الإسلامية (حماس والجهاد) وجودها القوي والفعال والمنافس في الشارع الفلسطيني. إذ من الصعب الحديث عن منظمة تحرير فلسطينية تكون ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني من دون ان تكون القوى الإسلامية موجودة فيها. وهذا الوجود يمكن التعبير عنه ببرنامج حد أدنى وطني يتفق عليه، أساسه الثوابت الوطنية الفلسطينية والقرارات الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية والسلام العادل والشامل. ولكي تكون هذه المنظمة ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني يجب ان تدعو لانتخابات ديمقراطية لعضوية المجلس الوطني الفلسطيني تضمن تمثيل كافة فئات شعب فلسطين في الداخل والخارج عير صيغ متفق عليها مرضية أو بطريقة الانتخاب الحرّ وهذه افضل في حال تم تأمينها وتوفيرها. ثم وبعدما تنتهي المنظمة من ترتيب بيتها الداخلي تتم الدعوة لانتخابات المجلس التشريعي ورئاسة السلطة في الضفة والقطاع. وبهذا تعود المنظمة مرجعية فاعلة ومسئولة عن السلطة الفلسطينية. لكن قبل ذلك عليها ان تأخذ بعين الاعتبار وجود مئات آلاف الفلسطينيين في المهجر الغربي وبالذات أمريكا وأوروبا، حيث الجاليات والمؤسسات والروابط ولجان ومراكز حق العودة، فلا يمكن الآن الحديث عن أي مشروع فلسطيني دون العودة لهؤلاء والأخذ برأيهم.

معروف ان المنظمة هي المسئولة عن السلطة وهي مرجعيتها القانونية والسياسية، لكن فهلوة وسطوة الرئيس الراحل ياسر عرفات جعلت منها مجرد تحفة موضوعة على رف في مكتبه، مع استحضار بضعة هياكل بشرية و رموز بالية من تنظيمات وأحزاب وفصائل منقرضة تقدم الولاء والطاعة في اللجنة التنفيذية، حيث كانوا يتبارون فيما بينهم على كسب ود الرئيس. هؤلاء القوم لا يمكن لهم قيادة شعب ثورة 28ايلول 2000 و ما بعد 11-11-2004 !!!.. ولا يجوز لشعب الانتفاضة ان يسمح لهم بقيادته في مرحلة جديدة. فهؤلاء بكل بساطة يمثلون بإرادتهم أو بدونها مطلبا خارجيا لطالما كان شخص الراحل عرفات مؤخرا يواجهه. لكن هنا يتوجب علينا التذكير أيضا بأن الراحل ياسر عرفات نفسه يتحمل مسئولية قانونية وتاريخية عن صناعة هؤلاء واستمرار وجودهم وصعودهم ووصولهم لسدة الحكم والقيام في الثلاث سنوات أخيرة بتحديه ومحاربته سراً وعلانية.

المرحوم ياسر عرفات كان قائدا فريدا وحالة عجيبة غريبة لا تتكرر، إذ انه ألغى عمل المؤسسات وجعل من نفسه المرجعية والمؤسسة وقاد العمل بتلك الطريقة لسنوات طويلة.لكن عرفات الذي كان قادرا على القيام بذلك قد مات و ترك خلفه شعب حي لا يموت، هذا الزعيم لن يتكرر ثانية لأنه من النوعية التي يصعب استنساخها أو إيجاد مثيلاً لها. أما هؤلاء الورثة مع عدم اتفاقنا مع ما جاء على لسان الوريثة الأولى سها عرفات،ليسوا بقوة وتاريخية وفهلوة المرحوم ختيار فلسطين وبالأساس لن يُقبلوا ولن يَكونوا خيارا فلسطينياً. وهنا تكمن المعضلة وهنا ستكون عقبة الانتخابات لأنه لا يوجد مرجعية فاعلة للسطة ولا مؤسسة قانونية فلسطينية تحاسب أركانها وتدير انتخاباتها. وعلى لجنة فتح المركزية وأهل السلطة الفلسطينية ان يتذكروا بان الشعب الفلسطيني لم يخولهم التصرف نيابة عنه. صحيح ان الشعب يتحمل من اجل الوحدة الوطنية وحماية البيت الفلسطينية لكنه لا يتحمل هيمنة جديدة على البيت والشرعية والقضية، خاصة ان سلاح القيادة الشرعية و التاريخية والرمزية مضى مع رحيل الختيار عرفات.

نضـال حمد ـ اوسلـو
23-11-2004