اختراق العقل العربي إعلامياً يتبعه اختراق للحياء والحياة
بقلم : نضـال حمد ـ اوسلـو

نكتب ونحن بصدد معالجة الهجمة الإعلامية الإسرائيلية المكثفة من الحضور الدائم والمفرط في الفضائيات العربية الصغيرة والكبيرة،كالعربية والجزيرة،حتى طرح مشروع القناة الإباحية الناطقة بالعربية والتي ستبدأ بعد فترة بث برامجها بالتعاون مع محطة بلاي بوي الشهيرة.. هذه بالطبع أحدث صرعات الحرب الصهيونية على العالمين العربي والإسلامي وبالتأكيد لن تكون الأخيرة. فالحرب سجال، كما أنها تسير بشكل متوازٍ على كل الجبهات من بلد إلى بلد.. فقد رأينا كيف سارت وتسير عجلة التطبيع مع عروبتنا المنهكة بسلام المراحل. فالتطبيع رسميا يسير بشكل حسن وأحيانا مرضي للغاية، ولكي تتأكدوا طالعوا الصحف الإسرائيلية أو تابعوا صحف داخل الداخل(48) الفلسطينية.

إنشاء محطة إباحية ترسل سمومها للجسد العربي الكبير ليس بالأمر الأخطر من إرسال سفراء وقناصل ومبعوثين من كل الأشكال والألوان يقيمون في سفارات وقنصليات ومكاتب تجارية صهيونية أقيمت بفضل سلام الشجعان وتراجع أخوة العرب والعربان، وانتشار وباء السلام على أراضي الوطن العربي الكبير، بحيث أصبحت المكاتب الإسرائيلية ممتدة من أفريقيا العربية حتى بعض دول آسيا العربية. في تلك العواصم تمارس البعثات الإسرائيلية أعمالا غير مشروعة شرعتها لها العلاقات الوليدة باسم السلام مقابل السلام وليس الأرض مقابل السلام كما نص مؤتمر مدريد للسلام.

لكن هناك معادلة بسيطة جدا لم يفهمها لغاية الآن الجانب الإسرائيلي ومعه الأمريكي، وهي انه لا يمكن لإسرائيل ان تنعم بالتطبيع والعلاقات العادية مع الشعوب العربية بدون ان يعود الحق الفلسطيني لأصحابه. وخير دليل على التطبيع ما رآه الصهاينة من رفض مصري شعبي كبير لأي شكل من أشكال التطبيع مع الصهاينة، هذا بالرغم من السنوات الطويلة التي مرت على زيارة الرئيس المصري انور السادات للقدس المحتلة ومن ثم توقيعه سلام كمب ديفيد مع بيغن وقتلة أطفال بحر البقر والجنود المصريين الأسرى في سيناء. حيث بعد ذلك بسنين جاء سلام اوسلو الذي كان من بطولة بعض الفلسطينيين، بحيث أصبحت الطريق بفضله ممهدة للخائفين والمترددين.

في زمن السلام العربي الكبير مقابل أي شيء صغير، قد تساعد المحطة الإباحية على التغرير ببعض الشباب من خلال تجارة الجسد، ولأعداء الأمة العربية باع طويلة في تلك المهنة القديمة، لكن المحطة الجديدة لن تتمكن من إلهاء كل الناس عما هو أهم، خاصة ان الأمة العربية ومعها أمة الإسلام تعيشان حالة من الغليان القومي والديني والعقائدي، بسبب سوء المعاملة والإهانات التي يتعرضون لها بشكل منظم منذ عمليات تنظيم القاعدة في الولايات المتحدة الأمريكية. لقد أصبحت الأشياء واضحة جدا لكل مسلم وعربي، إذ المطلوب راس الإسلام أولا ورأس العروبة ثانيا، أو الرأسان معا في ضربة واحدة. فالهجمة الشرسة على الدين الإسلامي والأنظمة العربية الإسلامية والأخرى العلمانية ليس لها ما يبررها سوى إيمان الإدارة الأمريكية الحالية بالقناعات الاستعمارية المستمدة من عداء للدين الإسلامي وللشرق العربي. وقناعات أخرى تأسست على تمتين روابط التحالف بين أصحاب الطموحات الاستعمارية الغربية وأصحاب النظرية الاستئصالية الصهيونية، حيث في الحالتين ، يعتبر العربي والمسلم والمشرقي عدواً مفترضاً او عدو مختلق، مصطنع من قبل الغزاة الغرباء أنفسهم لتحقيق مآربهم، مستغلين وجود بعض الفئات التي بأعمالها تساهم في زعزعة استقرار البلاد العربية وتلبيسها تهمة الإرهاب الجاهزة.

كما هو معروف فأن الوسيلة الإعلامية من اخطر وسائل الحرب، فقد انتصر الغرباء على أهل الشرق العربي بالإعلام الغربي المنظم وكذلك بفضل دجل ومرض الإعلام العربي المزيف. حيث كان الأخير يكذب ليلا ونهار فقط، وبدل من قول الحقيقة كان يبث الأكاذيب، مُحَوِلاً الهزيمة والاندحار والانكسار إلى نصر ومكاسب. لذا لم يعد أمام المواطن العربي سوى اللجوء لرويتر وال بي بي سي ومونتي كارلو وال سي إن إن، مع أن الأخيرة منحازة ضد العرب والفلسطينيين.

عندما ولدت الفضائيات العربية استبشر العرب خيرا مع الاندفاعة القوية للجزيرة ثم العربية وأبو ظبي وغيرهم من المحطات الفضائية. لكن ما الذي حصل ؟ البداية كانت جيدة جداً، ثورة في الإعلام العربي المرئي. لكن الأمر هذه الأيام صعب وخطير، لأنه يتم التسابق بين المحطات الفضائية العربية على استضافة الصهاينة وإدخالهم كل بيت في الوطن العربي الكبير. بينما الطرف الآخر لا يستضيف أحداً منهم. وكان الدكتور عزمي بشارة حذر من ذلك في مقالة له بعنوان "هل تعلم ان اسرائيل انتقلت الى التوقيت الشتوي؟" حيث قال : " لقد اتضح أنه ليس هنالك من يريد توجيه رسالة للتأثير على الرأي العام الإسرائيلي لأن الذات العربية الفاعلة، التي تخطط وتتضمن في تخطيطها التأثير على الشارع الإسرائيلي، غائبة. ولأن الموضوع تحول إلى جزء من عملية التنافس الفضائي الذي ينتقل من المزاودة الى الإحباط، ومن التلذذ بجلب ضيف إسرائيلي رسمي للصراخ عليه في زمن الحماس إلى الاستماع إليه، وطلب رد المقاومة الفلسطينية على ما يقول في زمن الإحباط."..

كان لا بد من سؤال نوجهه لأنفسنا، وها هو الدكتور عزمي بشارة يبعث بأسئلته لنا جميعا من قلب فلسطين، يرسل الأسئلة للجميع، ويقدم تحليلاً ودراسة ويعطي رأياً جديداً، ويقدم اقتراحات وحلول للمعنيين بالأمر، فهل سيقوم ذوو الأمر بالاستماع لنصائحه وسماع صرخته أو تذكر صوته؟ ولكي لا ينسوا خاصة ان الفضائية الإباحية أخر ما ستقدمه إسرائيل للعرب ، نقدم مقتطفا جديدا مما جاء في مقالة بشارة " على كل حال تحول الموضوع منذ فترة إلى محاولة إسرائيلية رسمية للتأثير على الشارع العربي. فإسرائيل هي القوة الأكثر تنظيماً، وذات الأجندة الأكثر وضوحاً، وشارعها أقل تعرضاً للإعلام العربي من تعرض الشارع العربي إلى الرسائل الإعلامية والدعائية الآتية من إسرائيل. فالتلفزيون الإسرائيلي لا يقابل ناطقين رسميين عرباً، والصحافة الإسرائيلية لا تترجم مقالات كاملة من الصحافة العربية إلى العبرية. فهي لا ترغب، ولا تعتقد أنه من المنطقي أن ترغب، في أن يتحول القارئ الإسرائيلي بشكل عام إلى خبير في الشأن العربي".

إذا كانت إسرائيل لا تريد استقبال واستضافة عرب من غير المهزومين والمستسلمين والمطبعين والمطبلين، وتقوم بالإعداد للبدء ببث أفلام إباحية موجهة للعرب خاصة وللشرق بشكل عام. لماذا لا يقوم العرب بلعب دور أفضل والكف عن التسابق والتنافس على استضافة صهاينة من الذين لا يؤثرون في القرار الإسرائيلي ولا يملكون ما يقدموه للعربي سوى سموم إعلامية أصلاً المواطن العربي بغنىً عنها. ولماذا ايضاً لا تقوم مراكز الأبحاث العربية التي أكد بشارة أنها تملك كفاءات وأصحاب خبرات بإعداد دراسة عن الإعلام العربي والتوغل الصهيوني فيه ؟ فقد أصبحت الوجوه الصهيونية مألوفة في الفضائيات العربية. وأصبحت الفضائيات بوابة للتطبيع مع الصهاينة من حيث تدري أو لا تدري. فقد فقدت الفضائيات حماستها الأولى ولم تعد تجرأ على العمل بحرية كما كانت سابقا، فالفيتو الأمريكي الصهيوني موجود بالفعل، كالسيف فوق الرؤوس وعلى الرقاب،لكن السياسة الإعلامية التي تحرك تلك الفضائيات هي السبب الرئيسي في دخول الطرف الآخر بيوت العرب الآمنة.وعلينا ان نسأل أنفسنا هل هذه الفضائيات جزء من معركتنا مع الأعداء أم أنها بوابة لعبورهم اليومي الى بيوتنا وعقولنا؟؟...

لا يوجد أي خطأ في أن يعرف المرء عدوه وليست جريمة ان يعرف كيف يفكر ، لكن الجريمة ان يفكر عدوه وهو لا يفكر، وان يستغل العدو إعلامه بينما هو ممنوع من الوصول لجمهور العدو أو الظهور عبر وسائل إعلامه بغير الوجه القبيح الذي أعدته الدوائر الإعلامية الصهيونية له. فلدى عدوه مراكز أبحاث وأخصائيين يسهرون على تحليل شخصيته وتشريح مخيخه وقراءة أفكاره والخروج بنتائج تفيد الصراع معه لمصلحتهم. ولا يرسلون له أية معلومات بدون دراسة وافية وان أرسلوا أي خبر يكون مدروسا ومقبولا من جانبهم ومقصوداً. أما هو فلا يستعمل ما يملك من مقدرات ولا يُسمح للأخصائي والباحث بأن يختص ويبحث في أخطائه،لأنه في العالم العربي تعلم كما علمونا ان ما لقيصر لقيصر وما لعبده لعبده...

القناة الإباحية العبرية سوف تتقاسم مع الترجمات الصحافية من العبرية الى العربية عقول الشباب العربي، ففي النهار صحافة وترجمات على الماشي وفي الليل إباحة وأفلام بلا توقف وليست على الماشي... ان الصحف العربية تعج بالمقالات الصهيونية التي تنشر بدون ان تحلل او تدرس او تقرأ بشكل علمي. بل هناك تنافس بين الصحف على نشرها كيفما كانت. ونشهد في الصحافة أسماء للزوايا المختصة بالترجمات عن صحافة الصهاينة، مثل مقالات عبرية، صحافة زرقاء، ترجمات عبرية، اعرف عدوك،صحافة إسرائيلية..الخ

هذه الأشياء أصبحت صحية جدا في زمن الإفلاس الإعلامي العربي، وفي زمن ألا إرادة الرسمي العربي، وفي وقت نشهد فيه تراجع العرب وصعود نجم أعدائهم بكل أصنافهم. وفي صدد الترجمة تلك يقول بشارة : " أما عادة الترجمة اليومية والنشر اليومي لمقالات عبرية كاملة في الصحافة العربية، من دون استعراض نقدي لأصلها وفصلها، فهذه عادة عربية بامتياز، ولا أعرف لها مثيلاً في أي مكان".

العالم العربي يواجه حروبا متعددة وأهمها حرب التخريب التي تقودها الوسائل الإعلامية. فبعد ان رسخ الأعداء فكرة السلام بأي ثمن ممكن، ها هم يشنون حربا جديدة على العقيدة والعادات والتقاليد، حربهم تقول ان الإسلام وتعاليمه والتربية العربية وعاداتها وتقاليدها جزء من المعركة،لذا يجب القضاء على تعاليم الدين بتعميم ونشر ما هو مخالف لها، وعلى التربية بنشر العهر والثقافة الفاسدة وألا تربية. فهل سيكون بمقدور العرب تجاوز الحملة الجديدة والبحث عن وسائل تحمي شبابهم بعدما ضاعت أرضهم وتم تخريب إعلامهم..هذا هو لب الموضوع أيها السادة القراء...

نضـال حمد ـ اوسلـو
19-10-2004