رأي في الوضع الفلسطيني
بقلم : نضـال حمد ـ اوسلـو
للدحلان رجوبه وللرجوب دحلانه :
قال جبريل الرجوب مؤخراً في لقائه مع المجموعة الصحافية في عمان أن دحلان يكذب كلما فتح فمه.. ونقول نحن بدورنا إن الرجوب كذلك يكذب كلما نطق.. فكلاهما من مدرسة واحدة ومن صف سياسي متقلب ومتأرجح وانتهازي واحد .
وهما أيضا يعتبران من رموز الفساد والكذب والصعود على تضحيات ومعاناة أبناء الشعب الفلسطيني، وكلاهما عبر عن حقده على المعارضين الفلسطينيين بكل صلف وعنجهية وعصبوية فتحاوية سلطوية حادة قبل عاصفة السور الواقي التي أطاحت بالسلطة الفلسطينية وبهما مع جهازيهما الوقائيين في الضفة بالذات وفي القطاع بشكل أقل.
التعالي والتمادي على المعارضة الفلسطينية كان يحصل يوم كانا يتبختران ويتمختران في قطاع غزة والضفة الغربية بالمرافيقن والحراس والنجومية وملاحقة الكاميرات والفضائيات، ويوم كانا ينسقان عملهما مع المخابرات الأمريكية والشاباك، بمعرفة أو بدون معرفة قيادتهما. فهذا الأمر لم يعد مهما كثيراً في أيامنا هذه لأن الزمن تغير والرموز تغيرت وبعضها أصبح قاب قوسين من التغيير بيد الفلسطينيين أو على يد أعدائهم، وزمان البضاعة الفاسدة آل إلى السقوط والذهاب بعيداً جداً عن فلسطين ووقفة الشرف والكرامة والعز والبطولة التي يقفها شعب العطاء والشهداء.
لدينا دلائل كثيرة على صحة كلامنا أعلاه، فقد كذب جبريل الرجوب قبل أن نسمع بكذب زميله ومنافسه في الوقائي سابقاً وعدوه التلقائي ومنافسه في الصراع على الخلافة حالياً محمد دحلان. وقد حدث ذلك أيضاً قبل أن يصبح نجماً قرطاجياً معروفاً يركب أحدث سيارات المرسيديس في جمهورية سلوى الفلسطينية، وبالذات بعد أن تم إبعاده إلى لبنان في الثمانينيات، حيث قال في مهرجان أقيم للمبعدين في البقاع كلاماً عسلاً عن أعداء الرئيس عرفات التقليديين وامتدح السوريين والمنشقين عن فتح. ثم وفي مهرجان آخر أقيم بنفس الفترة الزمنية في مخيم عين الحلوة بجنوب لبنان حيث أكبر تجمعات اللاجئين الفلسطينيين قام الرجوب بشتم المنشقين عن عرفات والسوريين وقال عنهم ما لا يقال، مما جعل بعض الحضور ينهال عليه بالأحذية، ولولا العلاقات والتوازنات العائلية والعشائرية في المخيم لما كانت حتى فتح بعظمتها تستطيع حمايته من أحذية أبناء مخيم عين الحلوة. فهؤلاء يميزون بين الفدائي والوقائي وبين المناضل والمقاول والانتهازي والاعتزازي، ويفرقون أيضاً بين المتأرجح والثابت في العمل الفدائي الوطني والثوري. وقد رأوا الكثيرين من أمثال الرجوب في زمن الحاج إسماعيل جبر وأبو الزعيم والغول وأبو الطيب الـ17،لذا فتركوه على أقرب الدروب.
المضحك المبكي :
يقال إن زعيم التيار الإصلاحي في السلطة وفتح هو العقيد محمد دحلان ومعه أركان جهاز الأمن الوقائي في غزة، مثل سمير مشهراوي ورشيد أبو شباك وغيرهم، وبالرغم من أن كل هؤلاء يعتبرون من الشبيبة الفتحاوية مقارنة مع عرفات وإخوانه من مؤسسي الحركة إلا أنهم يركبون الآن موجة التغييرات التي تطال العروش والرؤوس في عالم التأمرك المفروض على العرب. وإن صح هذا الكلام عن دحلان ومن معه من قيادة تيار الإصلاح فالأفضل أن يبقى الوضع كما هو عليه على أن ترجع السلطة بيده فتصبح تيتي تيتي مثل ما رحت جيتي. ثم إن الحديث عن الإصلاح بقيادة الأمن الوقائي يعتبر من "خراريف" ومثل حكايات ألف ليلة وليلة أو أساطير الشاطر حسن التي كنا نسمعها من جداتنا رحمهن الله. فهل من المعقول أن يطالب الأمن الوقائي الذي جعل نفسه عبر بعض رموزه ناطقاً رسمياً غير مسمى لدعاة ما يسمى بالإصلاح، بإصلاح الوضع الفلسطيني من دون أن يكون هذا المطلب مرتبطاً بأهداف سياسية داخلية وخارجية. معروف أن جهاز الأمن الوقائي في غزة تأسس على يدي دحلان ويشبه تأسيسه إلى حد كبير طريقة تأسيس جهاز أمن الـ17 في بيروت. وقد اتبعت في تأسيسه وسائل مشابهة للتي كانت تتبع في تأسيس أجهزة الأمن الفلسطينية التابعة لقيادات حركة فتح في تجربة لبنان والمنافي، مثل أمن الـ17 والأمن الموحد وأمن المندوبين (كان مختصاً باختراق الفصائل الفلسطينية) والأمن العسكري العتيد بقيادة المدعو عطا لله عطا الله أبو الزعيم، وكل هذه الأجهزة وغيرها كانت تعتمد على المال وشراء الولاء والتبعية العمياء للسلطان. إذن هل يمكن لجهاز أمن لم ينشأ لأجل فلسطين والشعب الفلسطيني أن يطالب بالإصلاح؟ طبعاً, لا! فالمطلوب أولاً وقبل أي عمل أو أي كلام حل جهاز الأمن الوقائي وتفكيكه مرة واحدة وإلى الأبد. عندها يمكن البدء بعملية إعادة بناء أجهزة أمن السلطة الفلسطينية (هذا إن بقيت سلطة) على خلفية وطنية عامة وليس على خلفية الاستزلام والولاء للعشائرية والقبلية والمناطقية والعصبوية التنظيمية.
سلام وفساد حصار وأولاد :
معركة الفساد في غزة كان لا بد أن تبدأ ، وكان الفلسطينيون يأملون أن يبدأها الرئيس الفلسطيني الذي يتحمل مسئولية كبيرة جداً في تراكم الفساد ووصول المفسدين إلى مواقعهم ومراكزهم القوية. فهو بحجة الحصار وظروفه لم يقم بفعل أي شيء لتصحيح مسار سلطته وتعزيز الجبهة الداخلية الفلسطينية. ولا أحد يعرف لماذا ولا أحد يدري ما الذي يدور في خلده بعد كل أشهر وسنوات الحصار في مقر المقاطعة برام الله المحتلة.
نفهم أن الرئيس الفلسطيني يتعرض لحملة مضايقات وابتزاز وحصار وحتى تهديدات بالتصفية الجسدية بعد محاولة شطبه سياسياً ونهائياً عن خارطة الفعل السياسي الإقليمي والدولي. لكننا لا نستطيع فهم إصراره على التمسك بالبضاعة الفاسدة والتالفة التي أنتجتها سياسة سلام الشجعان، فيكفيه أن يلتفت حوله ليرى النوعيات التي تحيط به أو أحاط نفسه بها. أما سلام أوسلو فقد ولى وداسته جنازير الدبابات ودمرته الصواريخ التي انهمرت كالمطر على مؤسسات ومقرات السلطة والبنية التحتية الفلسطينية حتى بمشاريعها الممولة من الدول المانحة والمؤسسات الدولية .
على الجانب الآخر وفي معسكر سلام رابين مكسر عظام شبان الانتفاضة الأولى، رفيق سلام الشجعان، هذا إن كان فعلاً رجل سلام! مع العلم أن اغتياله تم برصاص أعداء السلام في المجتمع (الإسرائيلي) الرافض أصلاً لفكرة السلام. والقتلة هم الذين يحكمون كيان الإرهاب هذه الأيام وهم الذين حرضوا على قتل جنرال حزب العمل القوي لإزاحته من طريقهم والجلوس مكانه. أما حزب العمل الذي كان الجنرال رابين زعيمه القوي صار فتاتاً وبقايا للذاكرة اليسارية الصهيونية المثقوبة من كل الجهات. ولن يعيده للمجد السابق العجوز بيرس الذي أثبت أنه عدو للسلام مثله في ذلك مثل شارون وموفاز ويعالون، ولا حتى هؤلاء الذي يدعون السلام والذين وجدوا مطايا فلسطينية تدعي السلام فركبوها، وحيث لا زالوا يلعبون على السلطة ويغمزون من قنوات الخوارج أمثال ياسر عبد ربه وسري نسيبه ومعسكرهم المسكوت عنه سلطوياً والمقبول به صهيونياً. وينطبق هذا الكلام على غيرهم من صنائع سلام اوسلو وأخواتها. وقد رأينا كيف التقى ياسر عبد ربه بحلفائه من أصحاب اتفاقية جنيف في فنادق فلسطين المحتلة رغم رفضهم إصدار بيان يطالب بفك الحصار عن رئيسه وصانعه، ورأينا كذلك كيف انسحب الأسير السابق والوزير حالياً هشام عبد الرزاق محتجاً على ذلك. مع العلم أنه كان الأجدر بالأسير سابقاً ألا يذهب إلى هناك نهائياً وأن يهتم أكثر بشئون الأسرى وثورتهم القادمة.
فتح والسلطة والمعارضة والمنظمة :
لقد وصلت القضية الفلسطينية إلى طريق لا رجعة فيه، خاصة أن نهاية النفق المظلم أصبحت قريبة بالرغم من عدم ظهور النور وبقائه مفقوداً. فقد تبين أن هناك جبلاً عالياً لا تهزه ريح يقف عند نهاية النفق ويحجب النور عن الفلسطينيين. فكيف تتم إزاحة الجبل وكيف يخرج الفلسطيني من ظلام النفق الطويل إلى النور والضوء والشمس والحرية، وكيف يتخلص من بقايا مرحلة الشتات بشقيه الخارجي والداخلي؟؟ خاصة أن عملية التخلص من تلك الأشياء صعبة كالتخلص من النفايات النووية. إن أي إنسان لا زال مدركاً لطبيعة القضية الفلسطينية وبداية هيمنة حركة فتح والفصائل الفلسطينية الأخرى بشكل أقل بكثير على منظمة التحرير الفلسطينية والمشروع الوطني الفلسطيني منتصف الستينات بعد الإطاحة بالقائد الوطني البارز المرحوم أحمد الشقيري مؤسس المنظمة المعروف. يدرك ويعي ويعرف ولا بد أن يعترف بأن المسئولية عما آلت إليه القضية الفلسطينية من خراب وفساد ودمار وهزائم متتالية تقع على عاتق حركة فتح أولاً ومن ثم الفصائل الفلسطينية العلمانية واليسارية ثانياً، وفي النهاية تتحمل الحركات الإسلامية جزءاً من المسئولية لصمتها وعدم تقديمها برنامج سياسي ووطني بديل لبرنامج حزب السلطة الذي انتهى بكارثة وطنية يدفع شعب فلسطين ثمنها حتى هذه اللحظة.
أما المعارضة الفلسطينية فلقد اختارت عدم تحمل المسئولية التاريخية، واستمرت كمشاهد على ما يدور ويحدث في فلسطين تاركة الحمل على الذي ارتضى واختار أن يكون جمل المحامل. ولم تدرك المعارضة أن الحمل أصبح ثقيلاً جداً وكسر ظهر حامله إلا بعد فوات الأوان، مما جعل الشارع الفلسطيني بلا سلطة حقيقية وبدون معارضة فعلية.
أما حركة فتح فكانت ولا زالت حتى اللحظة حزب السلطة الذي يحكم البلاد والعباد، وهؤلاء الحكام تميزت فترات حكمهم بالفساد والاستزلام وشراء الذمم والولاء للحركة والشخص قبل الولاء للوطن والقضية، مع احترامنا للشهداء والأحياء من الشرفاء والأنقياء في تجربة فتح والفصائل الأخرى. لكن لدينا من الأمثلة على الوجه الآخر لفتح ما يكفي ويوفي، فقد شهدت الساحة الفلسطينية ولا زالت تشهد تمييزاً واضحاً بين ما هو فتحاوي وغير فتحاوي، وهذا كان وما زال موجوداً حتى في مكاتب رعاية الشهداء والأسرى والجرحى، فالذي من فتح يتقاضى أكثر من غيره وهذا حصل مع الكثيرين من الأحياء والشهداء. وفي هذه المسألة أيضاً تتحمل الفصائل المنضوية في إطار م. ت. ف. مسئولية حقيقة وتاريخية عن صمتها وغض النظر عن تلك التفرقة. ولكننا الآن في زمن لم تعد فيه منظمة ولا ما يحزنون، فالمنظمة شطبت من قبل السلطة الفلسطينية التي بحسب اتفاقية إعلان المبادئ في أوسلو كان يجب أن تكون تحت إمرة ورعاية وقيادة م. ت. ف. وأن تقاد من قبلها، لكن الذي حصل أن السلطة هي التي قادت المنظمة حتى جعلتها ممسحة لخطاياها التي تؤهلها للرجم بملايين الحجارة ولأخطائها المميتة.
كيف يتم الإصلاح ؟
لا يمكن أن يكون هناك إصلاح والسلطة الفلسطينية موجودة على قيد الحياة أو في غرفة العناية الفائقة وبالإنعاش المركز، حيث تحيا بالتنفس الاصطناعي. فالإصلاح والسلطة الفلسطينية أصبحا نقيضين لا يلتقيان أبداً خاصة في وضع الفلسطينيين الحالي. والفساد والسلطان حليفان في عملية تركيب مراكز القوى والقرار في سلطة أوسلو المعقدة. فالجهات النظيفة لا تستطيع الاستمرار في السلطة لأنها إما ستصبح غير نظيفة أو ستنتهي نهاية حزينة وغير محمودة. لذا فالنظافة تبتعد عن الإنسان كلما اقترب من السلطة والسلطان. وأي سلطة تحترم نفسها وجماهيرها وتؤمن بالعمل الصحيح والسليم والديمقراطي الحقيقي حتى لو كانت في حالة حرب نظامية أو حرب تحرير شعبية أو انتفاضة وعصيان مدني وتحت الاحتلال تستطيع إيجاد طريقة معينة ووسائل ممكنة لإجراء انتخابات ديمقراطية نوعاً ما. ومن ثم إجراء تعديلات ملموسة وتغييرات محسوسة في بنيانها ومؤسساتها.
سياسة الترقيع مرفوضة :
كيف يمكن أن يكون هناك إصلاح ومراقبة ومحاسبة حين يستبدل فاسد بفاسد وجنرال هارب بجنرال فار، ووزير لص بلص آخر، وضابط مرتبط بضابط آخر أيضاً مرتبط. الإصلاح الحقيقي يبدأ بإعلان رأس السلطة استقالته وحل السلطة وكافة مؤسساتها وما نتج عنها من وجوه وأمكنة وأجهزة ومناصب لم تفد القضية بشيء بل كانت نقمة على العباد ونكرة في البلاد. حين يتم ذلك يمكن للرئيس أن يعيد ترشيح نفسه هو ومن يريد أن يكون معه في طاقمه أو من المعسكر المنافس له على الرئاسة والسلطة والسياسة. ثم تجري عملية الانتخابات بكل راحة وصراحة وبعيداً عن الفصاحة والوقاحة لينتخب الشعب من يريد. وإذا كان الشخص المنتخب يريد أو لا يريد السلام عليه إجراء استفتاء شعبي، فالشعب هو الذي ينتخب وهو الذي يقرر, أما الشخص الذي يتم انتخابه من قبل الشعب عليه تنفيذ رغبات منتخبيه وأكثرية شعبه لا أن يعمل بعقلية القائد الوحيد والرئيس الخالد والباقي حتى الأبد. عندما يتم هذا وتصبح السلطة الفلسطينية سلطة منتخبة بشكل ديمقراطي من الفلسطينيين في الداخل أو في الخارج أيضاً، وهذا يحتاج وحده لدراسة مركزة وقانونية، نستطيع القول إنها تسير في الطريق الصحيح.
وأخيراً نقول إن الانحياز للوطن والقضية والشعب لا يكون بالسير مع أمريكا وكيان الاحتلال وترديد مطالبهم بإزاحة ياسر عرفات وتنصيب دمية يحركونها كما يشاءون, لكن بالتشبث بالحقوق الفلسطينية العادلة وبالإصلاح الحقيقي في الساحة الفلسطينية لا الشكلي والحركي.
نضال حمد ـ اوسلو
تاريخ النشر : 14:39 18.08.04