الفلسطينيون في لبنـان
بقلم : نضـال حمد ـ اوسلـو
من جديد تستغل بعض الحوادث في مخيم عين الحلوة من قبل بعض الجهات لتأليب الرأي العام المحلي وقلب الحقائق وإلهاء المعنيين عن واجبهم في فك حالة الحصار التي تعاني منها المخيمات الفلسطينية منذ سنوات طويلة. فبدلا من أن يتحدث هؤلاء عن هموم الفلسطينيين ومعاناتهم الصعبة داخل مخيماتهم وخلف السواتر الترابية التي تحاصرها والمتاريس الرملية التي تضيق طرقاتها، والحواجز التي تدقق بكل شاردة وواردة ولا تسمح لأحد بالدخول والخروج إلا بعد تسجيل اسمه ورقم بطاقته وسيارته. وبدلا من الحديث عن القوانين الجائرة التي تؤدي في نهاية المطاف إلى التهجير أو التوطين بما يخدم أهداف الأعداء ويحطم أحلام اللاجئين وأماني الأشقاء ، وحتما لن تساعد تلك القوانين ذات الأهداف السياسة في تحقيق عودة اللاجئين الفلسطينيين. لأنها قوانين عنصرية جائرة لا تليق بالبلد الذي سنها وتبناها،خاصة انه بلد الكفاح والمقاومة والانتصار على الاحتلال. بدلا من كل تلك المواضيع يتحدث البعض عن جماعة وهمية لا قوة ولا تأثير لها في المنطقة.
فأية قوانين جائرة تصدر و تولد مصممة لزيادة معاناة الفلسطيني سوف تزيد من الهوة الموجودة أصلا بينه وبين الدولة والمجتمع والعروبة والانتماء. ستزيد معاناته وبطبيعة الحال لن تحل مشكلته الآنية ولا الزمنية المستعصية،كما أنها بالتأكيد لن تخدم أيضا استقرار و امن الدولة التي تستضيف أبناء الشعب الفلسطيني اللاجئين، لأنها قوانين ذات مغزى سياسي واعدت لحسابات داخلية ومن اجل توازانات حزبية وطائفية.
ان الحديث عن جماعة أصولية جديدة تتمركز في مخيم عين الحلوة وتدعى جند الشام، ليس في حد ذاته حديثا بريئا، فجند الشام هؤلاء لا يتعدون الثلاثين شخصاً ومعظمهم من مجموعة الضنية أو من المنشقين عن عصبة الأنصار بقيادة ابو محجن، وبقايا عصبة النور التابعة لعبد الله الشريدي الذي اغتالته عناصر من حركة فتح العام الماضي. والهدف من تكرار وتضخيم وجود هؤلاء في عين الحلوة هو خلق حالة بلبلة جديدة على غرار حالة عبد الله شريدي وابو محجن،بغية استهداف المخيم وجره للمزيد من المشاكل والصراعات التي هو في غنى عنها.
يستشف من الأقاويل والتضخيمات المبرمجة والمدروسة عن جند الشام وخحطرهم على بلاد الشام وليس عين الحلوة وجواره فقط لا غير، ان هناك جهات لا يهمها استقرار وضع المخيم امنيا وسياسيا واجتماعيا، لذا نجدها تكرر وتردد كالببغاوات أن عين الحلوة بؤرة أمنية فالتة وجزيرة مسلحة وغابة من البنادق ومرتع للمجرمين والهاربين من العدالة، مع أن في لبنان هناك أماكن أخرى ليست أفضل حالا من العين الحلوة. وتحدث فيها مشاكل شبيهة بالتي تحدث أحيانا في مخيم عين الحلوة. وهنما نود ان نؤكد ان من واجب الفلسطينيين في لبنان الالتزام بالقانون اللبناني، لكن كيف نطلب منهم فعل ذلك والقانون لا يطبق عليهم ولا يحميهم ولا يحترمهم ولا يعطيهم حقوقهم. فلكي يلتزموا بالقانون يجب ان يكون القانون شاملا لهم ايضا. وهذا ليس معناه ان الفلسطينيين خارجون عن القانون، لكنهم بلا قانون ينصفهم و يحميهم أولا وأخيرا.
ان تكرار الكذبة يجعلها في نهاية المطاف حقيقة وقد يقوم بعض الأشخاص بامتطاء كذبة جند الشام المفبركة مخابراتيا ويقومون بعمليات تخريبية تستهدف بعض الأبرياء في مخيم عين الحلوة والجوار أو حتى قد تستهدف وجود الدولة نفسها عبر إلقاء عبوات ناسفة وقنابل وإطلاق رصاص باتجاه حواجز الجيش، مما يزيد من معاناة الأبرياء وأهل المخيم. ومما يضيق الخناق أكثر وأكثر على سكان المخيمات، ويزيد من مشاكل الدولة وسخونة علاقاتها مع المخيمات الفلسطينية. وبهذا يستفيد الذين يصطادون في الماء العكر، فيضربون عصفورين بحجر واحد، يجعلون أوضاع المخيمات أكثر تدهورا عبر انعدام الأمن والاستقرار والحياة الطبيعية التي هي بالأصل غير طبيعية في تلك المخيمات. فيكفي أن الناس بلا كهرباء لفترات طويلة وبلا مياه صالحة للشرب في بعض الأماكن حيث تختلط مياه الشرب بالمياه الملوثة والمجارير والأوساخ التي تملأ طرقات وأزقة المخيمات.
نرى انه من واجب القائمين على المخيمات إدراك خطورة هذه الحملة الجديدة و العمل الجاد والمدروس لمواجهة حملة التخريب والتشويه الجديدة التي تطل على عين الحلوة خاصة من بوابة ما يسمى جند الشام. فالمتربصون من داخل وخارج المخيم ينتظرون هذه الفرصة لتصفية حساباتهم على حساب أهل المخيم. وهنا لا بد من التذكير ان الفلسطينيين في لبنان يعتبرون أن أمنهم واستقرارهم من امن واستقرار لبنان كله، لذا فهم حريصون كما الدولة على أن يكون الأمن في المخيمات مستتبا والأوضاع مستقرة.
لكن هذا الاستقرار لا يأتي بمعجزة ولا ينزل من السماء مرة واحدة بل يجيء من خلال توفر حياة طبيعية و إعطاء الفلسطيني حقه في العمل والعيش كأي مواطن لبناني بدون تفرقة بحجة التوطين. فحجة التوطين أضحت كذبة كبيرة، لأن الفلسطيني يرفض توطينه في لبنان او غير لبنان، لكنه بنفس الوقت يطالب بمعاملة إنسانية قانونية كريمة تحفظ له إنسانيته وكرامته.
هل منع الفلسطيني من التملك والتوريث والوراثة والعمل في أكثر من سبعين مهنة يخدم عودته إلى وطنه وانتماؤه لعمقه العربي وجواره اللبناني؟ بالتأكيد لا، وهل منع إدخال مواد البناء ولوازم الأعمار لترميم وتصليح المساكن يخدم الأخوة والمصير الواحد والمعركة الواحدة ؟ قطعا لا.
لا يمكننا ان نصدق أن هناك من هم احرص من الفلسطينيين أنفسهم على التمسك بحق العودة إلى فلسطين. وقد اثبت الفلسطينيون حرصهم على هذا الحق بالدماء والعناء والعطاء والفداء، أحياء وشهداء، وذلك من خلال التمسك به منذ حلت بهم النكبة وتشردهم الشهير، ثم في سنوات وجودهم الطويلة في لبنان قبل وخلال وبعد الحرب الأهلية اللبنانية. هذا مع أن الدولة جنست بعضهم خلال فترات متعاقبة كان آخرها قبل سنوات وبكميات ليست قليلة وذلك لغاية في نفس يعقوب.
نضال حمد ـ اوسلو
تاريخ النشر : 19:06 17.08.04