اغتيال الحريري موجه لعزل سوريا
بقلم : نضـال حمد ـ اوسلـو

من يظن أن لسوريا علاقة من قريب أو من بعيد باغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري يعتبر من المخطئين.هذا مع الإقرار بأن مقتله سيريح سوريا من خصم قوي جداً كان له حضوره الفاعل والمؤثر وأحيانا الحاسم في الحياة الاقتصادية والسياسية والبرلمانية اللبنانية. فالرسالة التي تحملها العملية موجه بالذات للوجود السوري في لبنان وللرأي العام اللبناني لإثارته ضد سوريا ومن اجل تطبيق القرار 1559 الذي يدعو سوريا للرحيل عن لبنان بالرغم من أن وجودها فيه ليس احتلالاً بل ضمن اتفاقيات لبنانية سورية بغض النظر عن نوعية تلك الاتفاقيات والظروف التي جرت فيها.ويأتي اغتيال باني لبنان ما بعد الحرب الأهلية المدمرة بعد تصريحات مشبوهة لبعض أقطاب المعارضة اللبنانية حيث هاجمت اتفاق الطائف وشككت به. مع العلم أن الراحل رفيق الحريري كان انتقد تلك التصريحات واعتبرها في غير محلها. ومعروف عن الحريري إصراره على تطبيق القرار 1559 ومعارضته الشديدة لدمشق وعلاقته الوطيدة والشخصية بالرئيس جاك شيراك، وهذا بحد ذاته يفسر حدة الموقف الفرنسي من الوجود السوري ومن تطبيق القرار المذكور.

الرئيس الحريري لم يكن من النوعية التي تتنازل بسهولة عن مواقفها وكان رجلاً ذو موهبة إدارية ومالية استخدمها بشكل جيد في إدارة السياسة والحكم. واغتياله يعني إعادة لبنان إلى زمن الحرب والويلات والاغتيالات السياسية التي أودت بحياة العشرات من كبار رجالات الحكم والمعارضة والسياسة في لبنان. وقد شهد لبنان الصغير في السابق حملة اغتيالات سياسية استهدفت أركان حكمه وقادة أحزابه ورجالات القرار والسياسة وأصحاب التأثير الديني والطائفي والحزبي في بلد الأرز. وقد اتهمت سوريا بالوقوف وراء بعضها لكن معظمها كان من فعل اللبنانيين أنفسهم أو من طرف جهات أخرى مثل "إسرائيل" وغيرها كان لهم علاقة بما يدور في لبنان، أو كان لهم مصلحة في استمرار دوامة الموت والحرب فيه.

من أهم الشخصيات اللبنانية التي اغتيلت في لبنان لأسباب سياسية أو طائفية

النائب والقائد الصيداوي الناصري، القومي العربي معروف سعد، ابن مدينة صيدا التي هي مسقط رأس الرئيس الحريري أيضا. وقد تم اغتياله بإطلاق الرصاص عليه في شباط / فبراير 1975 أثناء قيادته تظاهرة للصيادين في عاصمة الجنوب.

وكذلك كان اغتيال الزعيم العربي اللبناني الكبير كمال جنبلاط وذلك يوم السادس عشر من آذار مارس 1977 في الشوف.كما تم أيضاً اغتيال الوزير والنائب السابق طوني فرنجية (ابن الرئيس السابق سليمان فرنجية) في منزله في بلدة اهدن شمال لبنان يوم 13/6/1978 مع زوجته وابنتهما،في حين تمكن نجله سليمان فرنجية من النجاة. وأصبح سليمان فرنجية وزير للداخلية في الحكومة اللبنانية الحالية برئاسة الرئيس عمر كرامي. وكذلك اغتيال الزعيم الماروني الكتائبي الدموي بشير الجميل المسئول عن مذابح مخيمات تل الزعتر وضبية وجسر الباشا والمناطق الكرنتينا برج حمود والنبعة وغيرها.الذي اغتيل في انفجار دمر مقر قيادة المجلس الحربي الكتائبي في الأشرفية يوم 14-9-1982 . والذي على إثره قام أنصاره بقيادة سمير جعجع وايلي حبيقة ((اغتيل أيضاً بسيارة مفخخة في محلة الحازمية بالعاصمة شرق بيروت يوم 24/1/2001)) بالتنسيق والتشاور مع شارون وجيش الاحتلال الإسرائيلي بمجزرة صبرا وشاتيلا الشهيرة. كما اغتيل يوم 1/6/1987 رئيس الحكومة اللبنانية, الزعيم السني ورجل الدولة المعروف رشيد كرامي بتفجير عبوة ناسفة في طائرة هليكوبتر حكومية كان يستقلها.كما وحصدت آلة الاغتيال الجبانة في لبنان كل من مفتي الجمهورية الشيخ حسن خالد بتفجير سيارة مفخخة في محلة عائشة بكار ببيروت يوم التاسع من مايو - أيار 1989. وبعد ستة اشهر تم اغتيال الرئيس اللبناني رينيه معوض بتفجير مشابه في بيروت الغربية يوم 22 -11 - 1989. هذا واغتيل أيضاً القائد الماروني دوري شمعون ابن الرئيس السابق كميل شمعون في منزله ببعبدا مع جميع أفراد عائلته يوم 21/10/1990. وفي وقت لاحق أقدمت طائرات إسرائيل على اغتيال أمين عام حزب الله الشيخ عباس الموسوي في غارة صاروخية استهدفت سيارته في جنوب لبنان عام 1992. وهناك عمليات ومحاولات اغتيال كثيرة حصلت في لبنان ضد قادة وسياسيين وصحافيين وكتاب وشعراء ورجال دين وعلم وثقافة لبنانيين وعرب مثل نقيب الصحافة رياض طه، الشاعر كمال خير بيك،الفيلسوف كريم مروة، المفكر مهدي عامل، الروائي غسان كنفاني ،الشاعر كمال ناصر، الإعلامي خالد العراقي وغيرهم..وكذلك ضد قادة فلسطينيين كبار وكوادر فلسطينية محلية، بالإضافة لمئات حوادث الاغتيال التي شهدتها الساحة اللبنانية والمخيمات الفلسطينية خلال الأربعين سنة الأخيرة.وتعتبر تلك الاغتيالات بمثابة بقع سوداء في التاريخ اللبناني ومحطات حزينة سوف تظل شاهدة على حجم المؤامرة التي تعرض لها هذا البلد العربي الصامد و الصابر. وما اغتيال الرئيس رفيق الحريري سوى حلقة جديدة لكن كبيرة من حلقات المؤامرة على بلد المقاومة والحريات والانفتاح والتعددية.

إن حملة الاتهام التي شنها البعض ضد سوريا ليست في مكانها ولا في زمانها، بل أنها تأتي متناغمة مع الاتهامات الأمريكية والإسرائيلية والأجنبية المعادية لعروبة لبنان وللوجود السوري فيه. فكل التصرفات الأمريكية تدل على أن الإدارة الأمريكية تحضر لعدوان على سوريا ولبنان،من أجل تكملة مشروع السيطرة الأمريكية الصهيونية على الوطن العربي وبالذات على منابع النفط في العراق والخليج وعلى الدول المحيطة بفلسطين المحتلة.كذلك بسبب الموقف الراسخ لسوريا ولبنان الرسمي من المشروع الأمريكي الذي يريد الهيمنة على شرق المتوسط. من هنا أصبح الحديث عن الوجود السوري في لبنان حديث الساعة للمتأمركين والمتغربين وبالذات للمتفرسنين (من فرنسا) وكذلك لبعض الخارجين عن ثوابت أهل البيت الواحد في لبنان.وهذا ما يفسر حدة الضغط العالمي على سوريا والحكم اللبناني من قبل تحالف محلي صارت مطالبه أكثر انسجاماً مع المواقف الأمريكية،"الإسرائيلية" والفرنسية التي ليست بالضرورة مواقف تغار على مصلحة لبنان.

يقرأ أيضاً من قيام الإدارة الأمريكية باستدعاء سفيرتها في دمشق مارغريت سكوبي للتشاور غداة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، واستباقا للتحقيقات في عملية الاغتيال أن الإدارة الأمريكية قررت فعلاً أن تستغل عملية الاغتيال كي تمارس الابتزاز والضغط على سوريا لإراحة نفسها في جبهة العراق المشتعلة والتي تحصد الأمريكان يومياً وتجعل جهنم الحمراء ارحم من البقاء في أرض السواد. لكن الإدارة الأمريكية تخطئ من جديد باستعداء سوريا والعروبة في لبنان، لأن استقرار الوضع في المنطقة مرهون باستقرار وأمن لبنان ووحدته الداخلية، فصب الزيت على النار المستعرة فيه قد يسبب حريقاً هائلا في المنطقة قد لا تحمد عقباه. وما أقوال الأمريكان المتعلقة بالموضوع وبالوجود السوري وربط اغتيال الرئيس الحريري بسوريا سوى تدخلا أمريكيا غير مقبول في شئون لبنان الداخلية. وتترافق التصريحات الأمريكية الفرنسية الحادة مع اغتيال الحريري الذي يتم استخدامه ضد سوريا بشكل مركب ودقيق. فأمريكا تستبق نتائج التحقيقات وتتهم سوريا وكذلك تفعل جهات أخرى. وهذا ما يفسر إبعاد العملية الجبانة، فقد يكون المقصود منها فعلياً خلق فتنة طائفية تعيد لبنان إلى دوامة العنف الطائفي مما يستدعي تدخل الأمريكان والفرنسيين مباشرة، مع أن هذا الاحتمال ضعيف لانه لا الولايات المتحدة ولا فرنسا تريدان التورط في لبنان فقد جربتا ذلك سنة 82/1983 فعاد جنود قواتهما جثثاً متفحمة وأشلاء مجمعة في أكياس بلاستيكية إلى فرنسا والولايات المتحدة. لكنهما تستطيعان أن أرادتا ذلك الاعتماد إلى حد ما على خبرات وخدمات إسرائيل التي يهمها تمزيق لبنان وكسر إرادته العربية وإعادته لزمن الفوضى والحرب، خاصة أنه مازال لديها بعض الحلفاء بالإضافة للعملاء في لبنان، ومنهم من هو معروف ومنهم من لازال مستتراً.

عملية اغتيال الرئيس الحريري بكل ما فيها من بشاعة تعتبر موجهة ضد وحدة لبنان واستقراره وأمنه الوطني ومصالحه العليا.ويجب أن تكون رسالة لكل اللبنانيين من اجل تماسكهم وتكاتفهم ووحدتهم حفاظاً على وطنهم والسلم المدني والحياة الديمقراطية في بلد عانى الويلات بسبب تدخل الآخرين ولأسباب محلية كان يجب دفنها بعد انتهاء مرحلة الحرب وبداية زمن السلم والبناء. أما الوجود السوري في لبنان فليس وجوداً أبدياً ويجب أن ينتهي بانتهاء أسبابه،مع العلم أن عملية اغتيال الحريري سوف تسرع في ذلك لأن الحليفتين المتباعدتين الولايات المتحدة وفرنسا أصبحتا في تنافس علني على إنهاء الوجود السوري في لبنان. هذا بالإضافة لتدخل "إسرائيل" الدائم على الخط وبشكل علني قبيح فشارون وضع بعد اغتيال الرئيس الحريري شروطا جديدة للتفاوض مع سوريا وأهمها انسحاب سوريا من لبنان تنفيذاً لقرار مجلس الأمن الدولي. ومنذ اليوم وصاعدا سوف تتعرض سوريا لضغوطات جمة اقتصادية ، سياسية ، عسكرية وأمنية من اجل طردها من لبنان.لكن على الذين يريدون طرد سوريا من لبنان ان يجدوا مسبقاً الحلول والضمانات لعدم تفجر حرب أهلية جديدة فيه، فوجود سوريا بغض النظر عن طبيعته و سلبياته لازال الضمانة الوحيدة لعدم تكرار الماضي. وهنا لا بد من القول ان اللاعب الأهم في القضية كلها هو اللاعب اللبناني الذي على عاتقه تقع مسألة حماية لبنان ووحدته ومنع تفجر الأوضاع وتكرار تجربة الماضي اللعينة .

نضـال حمد ـ اوسلـو
16-02-2005