مع بزوغ فجر هذا اليوم الأيلولي الجديد نالت يد الموت من صحافيين فلسطينيين مشهود لهما بخوض المعركة الصحافية ونقل الخير بالصوت والصورة من ارض المعركة. ففي ليلة ظلماء خسرت الصحافة الفلسطينية ومعها العربية فارسان من فرسانها النُجباء.
يوم أمس رحل عن عالمنا المتعب والمثقل بعدوانيات وعنجهيات أمريكا وإسرائيل واستعلاء الدول المارقة، الصحافي الفلسطيني اللامع ماهر عبد الله، ابن مدينة جنين المحتلة، وذلك أثناء تعرضه لحادث سير مروري مروع أودى بحياته وهو متجه بسيارته مع ضيفه المفكر العربي الأكاديمي بشير نافع، الذي أصيب أيضا بجراح.
ماهر عبدالله من مواليد جنين لكنه رحل عنها بعد النكسة سنة 1967 وتابع دراسته في بريطانيا حيث كان من الطلبة النشيطين ودائمي الحضور إعلاميا. عرف عنه ولعه بالشعر والمطالعة ، وله ديوان شعر لم يطبع وكتاب غير مطبوع يتناول تغطية الجزيرة للعدوان الأمريكي على العراق.
برحيل ماهر عبد الله تفقد فضائية الجزيرة فارسا إعلاميا جديدا كان خير حارس للشريعة في هذه الحياة، فقد حرص ماهر عبدالله على ان يكون مهنياً ووفيا في عمله، لذا كان يعمل بجهد وقناعة من اجل الفائدة العامة. فكل من تابع قناة الجزيرة أثناء غزو العراق وعملية اجتياحه شاهد ماهر على خط النار في بغداد ينقل الأخبار مباشرة من بين الحرائق والدمار والقصف والغارات. ولازلت شخصيا اذكره عندما كان يرسل أخباره البغدادية ذات يوم حين مرت الصواريخ من فوقه فانحنى قليلا هو وميكرفونه كي لا يصاب بصواريخ الغزو الأمريكي الموجه باليد الخفية.
توفي ماهر عبدالله ليلة الحادي عشر من أيلول الجديد وبالتأكيد فان أحداً لم يكن يتوقع ان يرحل ماهر الماهر في هذا اليوم الساهر، يوم الذين فقدوا اقرب الناس اليهم بعدما تغير مسار العالم بسبب طائرات الأبابيل القاعدية،التي اختطفت ووجهت لتخترق مؤسسات أمريكية في قلب الولايات المتحدة مما أدى لمقتل آلاف البشر معظمهم من المدنيين الأبرياء. وبسبب الصدمة الأمريكية من هول الضربة والخسائر التي نجمت عنها قامت أمريكا باحتلال أجزاء كثيرة من العالمين العربي والإسلامي، ولازالت تهدد بعض الدول العربية والإسلامية مثل سوريا وإيران ولبنان وفلسطين والسودان وحتى السعودية وإن كان بشكل مختلف عن الآخرين. فبعد أيلول الأسود في الألفية الجديدة لم تعد أمريكا تتستر على قبحها بل أصبحت ترتكب العدوان والجرائم بدون خوف وتخفي.
ماهر عبد الله الصحافي الجريء،الذي عاش حروبا عديدة منها حرب البوسنة والهرسك والعراق لم يكن يدري انه سيرحل مع زميل فلسطيني آخر من قلب فلسطين المحتلة،من خليل الرحمن حيث شعبه يتصدى بالأجساد العارية للاستيطان وجنود الاحتلال. فقد رحلا ليلتحقا معا بابن الخليل الراحل الشهيد مازن دعنا شهيد الكلمة الحرة والصورة الشاهدة على ما يجري في أرض السواد.وليجاورا معا شهيد الكلمة طارق ايوب
فقد فقدت فلسطين وصحافتها أيضا صباح هذا اليوم فارسا صحافيا شابا هو الشهيد مازن سعود الطميزي مراسل فضائية الإخبارية في بغداد الرشيد. حيث استشهد جراء قيام طائرة أمريكية بإطلاق صاروخ على حشد من العراقيين في العاصمة بغداد. والشهيد الطموزي ينحدر من مدينة الخليل الفلسطينية المحتلة، وله من العمر 26 عاما. وكان عمل أيضا في فضائية العربية بعد تخرجه من جامعة بغداد قبل ان ينتقل للعمل في الإخبارية السعودية. وهو ثاني مراسل للعربية يستشهد في العراق وبرصاص الاحتلال الامريكي.
ليس العمل الصحافي سوى وسيلة نضالية لكل إنسان يؤمن بحرية الرأي والكلمة الصادقة والصوت الحر ، وشهداء الصحافة كانوا يعرفون أنهم مشاريع شهادة وشهداء قيد الانتظار على مدار الأحداث. وخاصة الذين عملوا ويعملون في مناطق النزاعات والحروب والمعارك.والصحافة الفلسطينية اكثر صحافة في العالم تقديما للشهداء، كأن صحافيو الشعب الفلسطيني مثل عناصر مقاومته يستشهدون على خط النار وعلى الجبهة في المواقع المتقدمة، حيث يدافع الصحفي عن رايته بقلمه وصوته وكاميراته، وحيث يدافع المقاوم عن أمته بإيمانه وسلاحه وقناعته بمعركته.
نضال حمد ـ اوسلو
تاريخ النشر : 12-09-2004