العراق في التوقيت الصهيوني
بقلم : نضـال حمد ـ اوسلـو
معظم الذين لهم علاقة بما يجري في العراق يعلمون أن الصهاينة ينتشرون فيه بكثرة ، تماما كما ينتشر هناك الجنود الأمريكان بوفرة. وقد كانت بداية الوجود الصهيوني في كردستان العراق برعاية أمراء الحرب الكردية. وقد كتب وقيل الكثير عن قواعد تجسس للموساد في أرض الأكراد، لكن الذي لم يقال كثيرا هو وجود الصهاينة في نفس بغداد من المنطقة الخضراء حتى آخر جسر من جسور مدينة السلام. لقد شارك الصهاينة الغزاة الأمريكان والبريطانيين غزوهم للعراق والتحقيق مع كبار المسئولين العراقيين وبعض العرب الذين تم اعتقالهم في العراق. وهناك أحاديث كثيرة عن قيام الصهاينة بالتحقيق مع الرئيس العراقي الأسير صدام حسين نفسه، كذلك كان هؤلاء حسب ما كتب وقيل قد حققوا مع القائد الفلسطيني الأسير أبو العباس، الذي توفي في السجن الأمريكي بظروف غامضة. وهناك عشرات الكوادر الصهيونية التي قيل أنها تعمل ضمن الوزارات و الشركات والمؤسسات التابعة للاحتلال في العراق.
هذا من جهة أما من جهة ثانية فان الأخبار والمعلومات تحدثت مؤخرا عن وجود صهيوني (إسرائيلي) ومشاركة مباشرة في حرب الابادة والفناء التي تعرضت لها قلعة المقاومة العراقية مدينة الفلوجة الخالدة. القناصة الصهاينة الذين تعلموا القنص والتفنن بقتل الناس وخاصة العرب منهم، كانوا قد تدربوا على القتل والقنص العمد في المناطق الفلسطينية الخاضعة للحصار والاحتلال، فأحضروا معهم خبرتهم وجاءوا الى فلوجة العراق بلباس الغزاة الأمريكان وحرس علاوي أللا وطني... وقد عرف العالم أجمع وحشية وهمجية هؤلاء القناصة الصهاينة الذين وصفوا هم بأنفسهم جرائمهم بحق الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة المحتلين. وهؤلاء القتلة المحترفون شاركوا في حملة الموت على الفلوجة، ومنهم من عاد من هناك بتابوت ملفوفاً بالعلم الصهيوني، وهذا ما كشفه السيد كمال حمدون رئيس نقابة المحامين العراقيين. حيث اعترف السيد حمدون ان وسائل الإعلام العراقية التقطت صورا "لإسرائيليين" قتلوا في معركة الفلوجة، كما أضاف بان نقابته لديها صور ووثائق تؤكد ذلك.
لقد كان العراق على مر السنين هدفا للعدوان الصهيوني ومطامع الصهاينة، ولم يتوان هؤلاء عن شن عمليات تخريبية وعدوان علني على المرافق العراقية، كما شاركوا في تسعير الحرب العراقية الإيرانية خدمة لأهدافهم. وقد قامت طائراتهم المقاتلة الأمريكية الصنع والتسليح بقصف المفاعل النووي العراقي في نهاية السبعينات. وظل الصهاينة يحذرون من القوة العسكرية للجيش العراقي ويتوعدون بأنهم لن يقفوا موقف المتفرج من ترسانة العراق الحربية. ولكنهم لم يقوموا بعمل كبير لوحدهم إذ أنهم ورطوا حلفائهم الأمريكان في تلك الموقعة، واستطاعوا ان يجنوا ثمار كثيرة للحروب العراقية الحديثة. ومن أهمها مؤتمر مدريد للسلام الذي جلب العرب كلهم لطاولة المفاوضات بلا شروط مسبقة.
بعد عدة سنوات من مدريد العتيد وتحرير الكويت اللفظي، جاء احتلال العراق في الربيع الماضي ليتوج النصر الصهيوني بدخول أفواج من "الإسرائيليين" باسم القوات الحليفة الى بلاد الرافدين، وقد شارك هؤلاء في التجسس على سوريا وايران والسعودية. وكان بعضهم شارك في نهب وسلب آثار العراق بعيد سقوط بغداد في ربيع 2003. كما أنهم ساهموا في حملة الابادة الأخيرة التي تعرضت لها الفلوجة.
جدير بالذكر أيضا ان اليهود "الاسرائيليين" من أصول عراقية سوف يشاركون في الانتخابات القادمة جنبا الى جنب مع بقية العراقيين من الذين راهنوا وساوموا الاحتلال وقبلوا الدخول في انتخابات تحت راياته وحمايته. والمؤسف والمحير ان القائمة الشيعية أو التي تدور في هذا الفلك، و التي يرعاها آية الله السيستاني، واستبعد منها رمز الرفض والمقاومة الشيعية الشاب مقتدى الصدر وتياره، سوف تخوض تلك الانتخابات في توقيت أمريكي باشراف صهيوني مناسب... فهل نسي هؤلاء أن بلدهم محتل وان الأعداء هم الذين يشرفون على الانتخابات؟ فكيف إذن يدخلونها يدا بيد مع عملاء الاحتلال وأذنابه؟...
كما أن هذا الحال الانتخابي ينطبق على الحالة الحربية في الفلوجة حيث ان عناصر المعارضة السابقة والتي أصبحت بغالبيتها تشكل عناصر الحرس الوطني الجديد، كانت ولازالت تخوض المعارك ضد المقاومة العراقية والمدن التي تمثلها وترمز لها ومنها الفلوجة جنبا الى جنب ويدا بيد مع الأمريكان والصهاينة.
ان تطورات الوضع في العراق تجعل الإنسان يقرأ المكتوب الصهيوني من عنوانه،كما يقول المثل الشعبي العربي.إذ ان لدى إسرائيل خطط استثمار سياسي وعسكري واقتصادي وإعلامي وانتخابي في عراق علاوي وبقية أركان حكومته العليلة. وهؤلاء بحد ذاتهم عملاء للأمريكان والصهاينة منذ كانوا في عواصم الغرب يمارسون معارضتهم للنظام السابق. وهناك نشأت فكرة الاتحاد في العمالة مع الصهاينة وتسليم المقومات العراقية للأيدي والأصوات الصهيونية. لدى فان تحقيق مطالب إسرائيل في قبول تسجيل مواطنيها "من أصول عراقية" للانتخابات العراقية يعتبر مرتكزاً أساسياً في استراتيجية الحكومة العميلة وكذلك في استراتيجية احتلال العراق على المدى البعيد. إذ ان الصهاينة لن يكتفوا بادارة البلاد بشكل سري بل سيقومون بذلك بشكل علني وفي وضح النهار وبحماية دستور علاوي المستورد من أمريكا.
عندما تتحقق الرغبات الصهيونية وتصبح يد "إسرائيل" ممسكة بالعراق ومتمكنة من نفطه وثرواته وقوته العسكرية والاقتصادية،بالإضافة لتدمير مقاومته وحجز حريته.سوف تتم محاصرة سوريا ولبنان وإيران والإمساك بالثروات العربية والإيرانية الهائلة حيث النفط والغاز ومكة المكرمة رمز الدين الإسلامي في بلاد الحجاز . وبعد ان يكون كل هذا تحقق للصهاينة سوف تقول "إسرائيل" الآن تحقق شعار الصهيونية العريض و الكبير " أرض إسرائيل من الفرات الى النيل".. وبدلا من ان يحرر العرب فلسطين والجولان وما تبقى من أراضي الأردن ولبنان،ينضم العراق لقائمة الأراضي العربية المحتلة مباشرة من قبل الصهاينة. ينضم بلد الرافدين والرشيد وحمورابي ونبوخذ النصر بتاريخه وحاضره، بنفطه وثرواته وأرضه وخيراته وخبراته للعيش تحت رحمة حراب الصهاينة.
ان مشاركة العراقيين في انتخابات جاءت بالتوقيت الصهيوني و تريدها القوات المحتلة تعتبر جريمة بحق الوئام والتعايش السلمي بين فئات الشعب العراقي. فتلك الانتخابات مطلب للغزاة وليست مطلبا عراقيا وطنيا. وقد تم التمهيد لها بالمجازر والمذابح المنتقاة بحق مدن عراقية ذات أغلبية لطائفة معينة، ترفض بدورها الالتحاق بقطار العمالة والاستسلام والارتماء في أحضان الغزاة الأمريكان وأعوانهم الصهاينة وأذنابهم المحليين. وما انقسام العراق بين الطوائف والاثنيات وبين مؤيد معارض للاحتلال ومقاوم ومستسلم له سوى مذبحة فظيعة يرتكبها البعض ضد العراق نفسه، وضد تركيبته السكانية والدينية الدقيقة. فيا أهل العراق لا تفتحوا بيوتكم للصهاينة كي لا تتحول الى شوارع لدباباتهم وآلياتهم وأحذية جنودهم.
نضـال حمد ـ اوسلـو
11-12-2004