بغداد لم تعلن الحداد
بقلم : نضـال حمد ـ اوسلـو
لم تعلن عاصمة الأئمة والشهداء من آخر الخلفاء الراشدين إلى سيد شهداء كربلاء، مروراً بالرشيد والمنصور و قبلهم حمورابي وسنحاريب و نبوخذ النصر وغيرهم.. لم تعلن الحداد على سقوطها بأيدي الأوغاد وجند الروم الذين جددوا حملات أجدادهم الاستعمارية الاستئصالية.
بغداد لم تلبس السواد ولم تبك أرض السواد، ولم تعتزل ولم تهرب من الواقع ولم تسلم مفاتيحها السرية ولا راياتها العربية، بل رفعت اسمها عاليا ليصبح مرتبطا بالمقاومة وبهزيمة الاحتلال والاستعمار والاستعلاء أينما كان..
بغداد رفعت راية المقاومة وأخذت تقاتل بما لدى الشعب العراقي من إيمان بحتمية هزيمة الاحتلال وسحل العملاء وتنظيف العراق من الفيروسات المحلية والأجنبية الخبيثة. من بقايا الماضي السيئة ومما جلبه الاحتلال من حشرات و فيروسات وبكتيريا وأمراض وأوبئة وبنات آوى...
يوم الثامن من آذار مارس من سنة سقوط عاصمة الخلافة الإسلامية الثانية وآخر قلاع العرب الحصينة بغداد العروبة والانتماء لشرق العرب، في ذلك اليوم سقط تمثال الرئيس العراقي الأسير صدام حسين بأيدي الجنود الأمريكيين ومجموعات من الموالين العراقيين الذين ساروا في ركب الاحتلال. ولكن العراق لم يسقط ولم تسقط بغداد ولم تمت القومية العربية أو العروبة في قلوب وصدور وضمائر أهل العراق الشرفاء، فالتزموا الدفاع عن بلدهم وأصبح همهم الأول والأخير تحريره من زمر الأذيال والأذناب الذين ادعوا أنهم من المحررين.
في الثامن من آذار من سنة العراق اعتلى جندي أمريكي اسمه مارك افنين تمثال الرئيس العراقي صدام حسين في ساحة الفردوس في قلب بغداد، وقام بوضع العلم الأمريكي حول رأس تمثال الرئيس صدام. لكن الجندي مارك الذي اشتهر بصورته تلك لم يعمر طويلاً ولم يستطع الفرحة بما فعل خاصة انه من بلد يقدس الدعاية ويجعل من الممثل الهوليودي رئيساً للدولة ومن الرعاع أبطالاً قوميين. فقد تمكنت المقاومة العراقية في سبتمبر 2004 من قتل مارك افنين في إحدى هجماتها على القوات الأمريكية.وقد عتمت الإدارة الأمريكية على الخبر ولم تنشره إلا بعد شهور من حدوثه بعدما قامت بذلك جريدة نيو يورك تايمز الأمريكية.
الآن وبعد مرور عامين على احتلال العراق ما الذي جلبه الاحتلال المباشر للشعب العراقي؟ لقد جلب العار والموت والدمار واللا أمن واللا عدالة واستمر نهب أموال ونفط الشعب العراقي،بعدما سيطرت عليه قوات الاحتلال مباشرة. ثم جرت انتخابات للبرلمان قاطعتها فئات كبيرة وهامة من شعب العراق، وانتهت تلك الانتخابات بتكريس الطائفية وإمكانية تقسيم العراق مستقبلا إلى دويلات شيعية وسنية وكردية.ثم انتخب برلمان أمريكا العراقي السيد جلال الطالباني رئيسا للعراق المحتل. والطالباني قائد كردي معروف وله وزنه لكن تاريخه ملوث بحروب داخلية كردية عامت خلالها الفصائل الكردية المتناحرة وخاصة حزبي البرزاني والطالباني في بحيرات من دماء أبناء الشعب الكردي. وانتخابه رئيسا ليس الحل لكنه محاولة من طرف جماعة أمريكا لإظهار نفسها بمظهر الحريص على وحدة البلاد. والحقيقة هي أن مصير هؤلاء مرهون وموجود بيد الحاكم العسكري الأمريكي أو سفير بوش في المنطقة الخضراء في بغداد المحتلة.
سنتان مرتا على احتلال العراق،لم تجلب أمريكا ومن معها من الدول الخفيفة لا الأمن ولا السلام ولا الديمقراطية،بل ازداد امتهان الإنسان العراقي وانعدمت حقوقه وصارت حياته لا تساوي شيئاً.وقد خلق الاحتلال طوابير طويلة من المأجورين والمرتزقة والعملاء الذي ذهبوا إلى العراق للتعذيب والتنكيل بالأسرى والمعتقلين وللاعتداء على أعراض نساءهن كما فعل بعض المأجورين العراقيين و "البدون" الذين ذهبوا من الدول الأوروبية للعمل كمترجمين "عملاء" مع المحققين الأمريكان...
قبل أن يأتي الاحتلال كان في العراق بالرغم من الحصار الظالم والجائر، الذي فتك بنصف مليون طفل عراقي، ماء وكهرباء و بعض من الغذاء والدواء... أما الآن فلا شيء من هذا وذاك، وأكثر من ذلك فان بلد النفط أرض السواد لا يوجد فيها بنزين يكفي شعبها ، مع أن احتياطي العراق من النفط يقدر بحوالي 200 مليار برميل. وهذا معناه أن نفط البلد يسرق وينهب وتستولي عليه وتستبيحه شركات أمريكا والصهاينة، هذا بالإضافة لبعض المستحلبات والمستحلبين من العراقيين والعراقيات اللواتي كن قد رضعن والذين كانوا أيضاً قد رضعوا العمالة بالمصاصات الأمريكية والبريطانية والصهيونية تمهيدا لحلبهم وحلب بلدهم فيما بعد.
ماذا عن أسلحة الدمار الشامل شماعة العملاء وشماعة الاحتلال؟
ثبت أن العراق خالٍ منها ولا يوجد فيه أي سلاح ممنوع، وأقرت بذلك المخابرات الأمريكية والبريطانية التي اعتذرت عن خطئها مؤخراً...
ماذا عن مجازر حلبجة ؟
اعترفت الإدارة الأمريكية بأنه لا يوجد دلائل على علاقة الرئيس صدام بالموضوع وقد تمت لفلفة القضية وتم إغلاقها ولم يعد يتحدث عنها سوى بعض الكتبة من هواة العواء في بعض المواقع الالكترونية المصابة بداء الكلب الأمريكي..
سنتان من الاحتلال جعلتا العراق بلدا طائفياً وعرقياً تحكمه فتاوى السيستاني وعمامة الحكيم ومن دار في فلكهم، وتشاركهم في الحكم المستجلب على ظهور الدبابات وبقرار من أجهزة المخابرات بعض الوجوه السنية الموغلة في العمالة والمتمرسة في توظيف خدماتها لأجهزة المخابرات حسب الدفع والسعر.
بالإضافة للقيادة الكردية ممثلة بالبرزاني والطالباني حيث لدى كل واحد منهما قاعدته المستقلة في اربيل والسليمانية، ولديهما جيش قوي ومدرب مؤلف من 80 ألف جندي لا يعترفوا بأحد هناك سوى بما تمليه قيادتهم الكردية.
وبحسب نيو يورك تايمز فأنه لا مكان في كردستان العراق للعلم المركزي العراقي... وتكتب الصحيفة نفسها أيضاً أنهم يملكون حق نقض أي من القوانين التي تقرها الحكومة المركزية في بغداد. لكن الآن وبعد أن أصبح رئيس البلاد كردياً كيف سيتصرف الأكراد ؟هل سيرفعون علم البلاد الموحد أم سيواصلون رفع علمهم فقط لا غير؟ وهل سيندمجون في جيش البلاد الموحد؟ وماذا عن أحلامهم بالاستقلال؟؟؟
بالرغم من كل هذا وذاك السواد الذي خيم و يخيم على ارض السواد ،فإن بغداد العظيمة لم تعلن الحداد وتواصل الكفاح والمقاومة في عموم البلاد..
نضـال حمد ـ عضو تجمع الكتاب والأدباء الفلسطينيين
10-04-2005