هدى عماش ، واعرباه ..
بقلم : نضـال حمد ـ اوسلـو
اختفت آثار مئات العلماء العراقيين منذ تم احتلال العراق ، فهناك أكثر من 500 عالم عراقي لا احد يعرف مصيرهم أو أين هم وماذا حل بهم وكيف أصبحوا في خبر كان..والأغرب والأعجب والأحزن أن أحداً لا يسأل عنهم، كأنهم لم يكونوا، أو كأنهم ليسوا ثروة عراقية وطنية.. كما أن هناك نفراً من جرذان الاحتلال في العراق يعتبرونهم اعداءا لوطنهم بحجة أنهم بنوا القوة العسكرية لنظام البعث وليس للعراق. وهذا كلام هراء وليس أكثر من دليل إضافي على الحقد الأعمى الذي يكنه هؤلاء للعراق العربي القوي والأصيل.
يقال أيضا في نفس المجال ان هناك نحو 18 ألف عالم ومهندس وخبير فني وإداري عراقي عملوا في البرنامج العسكري العراقي قد اختفوا عن الوجود.. ترى اين ذهبوا،وما حل بهم ومن الذي بخرهم وجعل مصيرهم مجهولا؟
ان الحقيقة التي يجب علينا كعرب قبولها وتصديقها شئنا ام أبينا أن مصير هؤلاء العلماء والفنيين والخبراء العراقيين أصبح مجهولا ولن نعلم بحقيقة ما حل بهم إلا من أعداء هذه الأمة. وهؤلاء الأعداء حرصوا على اعتقال او تصفية كل من كان له علاقة ببرنامج العراق العسكري. خاصة انهم كانوا قد صوروا علماء العراق بشكل مرعب، مما جعلهم فريسة سهلة بعد احتلال ارض السواد. كما أن تصفية هؤلاء الناس كانت ولازالت من أهم المطالب الصهيونية الأمريكية. بدليل ان الحرب عليهم بدأت قبل الحرب على صدام حسين والشعب العراقي بشكل عام.
يجب أيضاً الاعتراف أن هناك مجموعة من هؤلاء العلماء أو الخبراء وهم من الضعفاء دفعهم الخوف أو دفعتهم المصلحة للارتماء في أحضان الأعداء. لكن في المقابل هناك رموز وطنية أخرى رفضت الذل والخنوع وبيع بلدها وشعبها والارتهان للاحتلال وحكومته العميلة، ومن هؤلاء نعطي مثالا نسائياً عن العالمتين هدى عماش ورحاب طه.. فبحسب الجنرال الأمريكي جيفري ميلر ان قوات الاحتلال تعتبرهما "سجينتين خطرتين بسبب علاقتهما ببرنامج الأسلحة الجرثومية".. وقد أطلق الاحتلال عليهما لقب السيدة جمرة خبيثة والدكتورة جرثومة.
تحمل الدكتورة هدى عماش الرقم 53 في لائحة الاحتلال التي ضمت المسئولين العراقيين في النظام السابق. وقد اعتقلت سنة 2003 ومنذ ذلك الوقت وهي رهينة السجن والأسر ولا أحد يدري بحالها. لكن المعلومات الأخيرة أفادت بان حالتها الصحية تدهورت وهي كانت قبل اعتقالها مصابة بسرطان الثدي،وبحسب محامي طارق عزيز السيد عزت عارف بديع فأن حالة هدى عماش صعبة ومتدهورة جدا وقد تموت في السجن نتيجة المرض، وطالب بالإفراج عنها لتلقي العلاج المطلوب.كذلك قال عن حالتها الشيء نفسه محامي الرئيس الأسير صدام حسين.
ولدت الدكتورة هدى صالح مهدي عماش سنة 1954 ، حصلت على ماجستير بالميكروبيولوجي من جامعة تكساس النسائية سنة 1982، وكانت تلقت تعليمها الجامعي في جامعة بغداد. كما نالت شهادة الدكتوراة في تخصصها من جامعة ميسوري ? كولومبيا. وبعد ذلك في سنة 1984 وبعد عودتها الى العراق ورفضها العروض الأمريكية المغرية بالبقاء هناك عينت سفيرة غير رسمية لدى الاردن ولبنان واليمن، كما أنها شغلت منصب عميد جامعة بغداد. ومنذ سنة 1991 أي بعد حرب عاصفة الصحراء وأم المعارك ومن ثم هزيمة العراق ومحاصرته حتى سقوطه، أصبحت هدى عماش من المتهمين بالمسئولية عن البرنامج الجرثومي العراقي، وعملت الإدارة الأمريكية على ترويج ذلك عالمياً واعلامياً.و كانت الدكتورة هدى تحتل مركزا قياديا هاما في حزب البعث العراقي وتعتبر القيادي رقم عشرة في ترتيب القيادة البعثية العراقية.
تقبع الآن العالمة العراقية هدى عماش في غياهب سجون الاحتلال، و منذ أن اعتقلت بعد سقوط العراق بيد الغزاة وتسلم العملاء العراقيين من جهاز السي آي إيه مقاليد الحكم الشكلي المؤقت في عراق ما بعد الرئيس الأسير صدام حسين.وهي تتعرض للمهانة والتعذيب والإذلال ولا ندري ماذا بعد، فكل شيء وارد في سجون الاحتلال في العراق عامة وفي سجن ابو غريب خاصة.. كما أن المرض العضال سرطان الثدي لم يشفع لها عند الاحتلال وأعوانه، وها هي تصارع الموت في سجن أبو غريب، ولعلها تطلبه أكثر من أي وقت مضى لأنه أرحم من الغزاة الذين يسجنونها كما يسجنون كل العراق.
هدى عماش ورحاب طه وآلاف النسوة العراقيات هن ضحية الكرامة العربية المهانة، والغزو والاحتلال والوحوش الجديدة التي تحكم بلاد الرافدين. فهولاكو الجديد الذي يجلس على صدر بغداد ، يواصل اغتصابه وعدوانه وممارسة انتهاكاته لحقوق الإنسان والتفنن ببشاعته على هدى ورحاب وفاطمة ومحمد وعلي وحسن وأحمد وجعفر وعباس وعمر .. كل هذا يحدث ولا أحد يسمع نداءهم المدوي واعرباه ..
نضـال حمد ـ اوسلـو
10-01-2005