مشاعر شارون أهم من مشاعر 62 مليون مصري
بقلم : نضـال حمد ـ اوسلـو

في فترة سابقة وخلال حملة الضغوط الصهيونية الأمريكية على مصر من اجل إطلاق سراح الجاسوس عزام عزام ، قال الرئيس المصري حسني مبارك " أن القضاء المصري قال كلمته في قضية الجاسوس عزام ولن أتجاهل مشاعر 62 مليون مصري...". فهل كانت تلك الكلمات سارية المفعول حتى يوم أمس الأحد الموافق الخامس من يناير "كانون الأول 2004" إذ أنه اليوم الذي شهد عملية إطلاق سراح عزام عزام بدون مقابل معقول،سوى إطلاق سراح ستة من الطلبة المصريين الأبرياء الذين اعتقلوا بتهمة التسلل عبر الحدود و التخطيط للقيام بعملية عسكرية ضد كيان الاحتلال. تلك المصيدة كانت معدة وبالأصل مفبركة من قبل الصهاينة لكي تكون طعما للمصريين يصل بالصهاينة لعزام عزام. وللأسف فأن مصر بلعت الطعم بإرادتها وعن علم أو بجهل.

يقال ان الرئيس المصري حسني مبارك قال لشارون أثناء اتصال الأخير به شاكرا على إطلاق سراح عزام ، أنه قد فعل ذلك خصيصاً لأجل شارون. وباعتقاد الرئيس مبارك ان تلك الهبة منه ستحسن العلاقات مع شارون خاصة أنها تجيء بعد هبة أخرى كانت مصر قدمتها للاحتلال وشارون عبر تفهمها للاعتذار الصهيوني عن مقتل الجنود المصريين الثلاثة على الحدود مع رفح الفلسطينية المحتلة. وباعتقادنا ان سياسة تقبل الاعتذارات ستجر مصر لمزيد من الانحناءات وتقديم التنازلات على شكل هبات. لأن إطلاق سراح عزام بهذه الطريقة وفي هذه الأيام بالذات يدل على وجود صفقة علنية ما بين شارون ومصر، وبشق صامت مع بعض أقطاب السلطة الفلسطينية، وبالتأكيد برعاية أمريكية. خاصة ان الانسحاب الأحادي الجانب من بعض مناطق قطاع غزة أصبح قاب قوسين أو أكثر. وقد يسهل ذلك عودة أبو مازن ومن معه للحكم من جديد بعد ان أزيلت عن الوجود عقبة عرفات.

في ظل النهاية الصهيونية لقضية الجاسوس عزام وانحناء مصر العظيمة أمام المطالب الشارونية والتخلي عن الأقوال المصرية السابقة ذات الصلة بالقضية، وعن القانون المصري الذي اتخذ قراره بالجاسوس ضاربا عرض الحائط بمشاعر 62 مليون مواطن مصري. لا بد لنا من التذكير هنا بردود الأفعال الداخلية المصرية، فقد اعتبر والد أحد الطلاب المصريين الستة أن التبادل لم يكن عادلا لمصر ، وقال ان "أبناءنا أبرياء في حين ان عزام جاسوس وقد ثبت ذلك وتمت إدانته "وشدد على انه " لا مجال للمقارنة بين الحالتين". كما أضاف أن "ابني وأصدقاءه سواء اخطأوا ام اصابوا كانوا يريدون مساعدة الفلسطينيين".

كما قالت صفية سليمان الأستاذة في علم الاجتماع ان الحكومة تبيع الشرف الوطني بثمن بخس في اشارة منها الى اعتذار الصهاينة عن مقتل الجنود وقبول الرئيس المصري به ومن ثم تقديم عزام عزام لشارون على طبق من فضة حسب تعبيرها. وبنفس اللهجة هذه تحدثت أحزاب المعارضة اليسارية والقومية وبعض الناس العاديين في أزقة القاهرة.

السيناريو الأبشع في القضية هو احتمال أن تقوم السلطات المصرية بمحاكمة الطلبة على خلفية التسلل عبر الحدود ، أي على خلفية التهم التي وجهتها لهم سلطات الاحتلال الصهيوني وهي دعم المقاومة أو التخطيط لعملية فدائية ضد الاحتلال في فلسطين المحتلة. هذه الإجراءات قد تتم بدلا من أن تقوم السلطات المعنية في مصر بإيصال الطلبة الستة الى ذويهم وعائلاتهم حتى يقضوا يومهم الأول على ارض الوطن في بيوتهم. وإذا ما نظرنا لهذا الأمر من زاوية بعيدة فسنجد ان مصر دفعت ثمنا باهضا وقدمت تنازلا مجانيا كبيرا وأعطت شارون انتصارا معنويا وعمليا جديدا في ظل وضع حرج وحساس تمر به حكومته الدموية العنصرية. ولا ندري ما هي الإشارات السلمية التي رآها الرئيس حسني مبارك في شارون حتى يقوم بذلك من أجله خصيصاً. وهل فكر الرئيس مبارك بعوائل آلاف الأسرى الفلسطينيين والعرب ومنهم من يقبع في السجون منذ السبعينات والثمانينات،ومنهم نسوة وفتيات وأمهات فلسطينيات مع أطفالهن لازلن يستصرخن في مبارك وغيره من حكام العرب نخوة المعتصم.. ولازلن يتعرضن لأبشع أنواع وأصناف القهر والتحرشات الجنسية واللا أخلاقية والعذاب والإذلال. لماذا لم يقم سيادة الرئيس مبارك بتخصيص حصة من المبادلة لهن وهو قادر على فرض القليل منها على شارون والحكومة الصهيونية؟. وهل وعد شارون او تصريحه بأنه سيقوم بتخفيض عقوبة بعض السجناء الفلسطينيين سببا كافيا لإطلاق سراح عزام عزام الذي قال عند وصوله الى فلسطين المحتلة انه فخور بانتمائه الى اسرائيل..

إذا كان شارون وبحسب نظرة الرئاسة المصرية هو الوحيد القادر على تحقيق تقدم في عملية السلام، أي تقديم تنازلات بالفهم الصهيوني للعملية السلمية، مع أنه هو الذي كان يردد دائما انه لا يمكن لمصر لعب أي دور في العملية السلمية مادام عزام عزام معتقلا ..!؟ وهو الذي يرفض التفاوض مع سوريا على السلام حتى بدون وديعة رابين ومن حيث توقفت المفاوضات بين الجانبين...!؟ وهو أيضا الذي يرتكب المجازر والمذابح اليومية حتى انه أصبح مثل دراكاولا...!؟ اذا كان هذا هو القادر على فعل كل شيء لماذا لم تطالب مصر بثمن معقول مقابل عزام عزام؟

على كل فان التجربة علمتنا كيف تفكر سلطات الاحتلال وكيف يفكر قادة الصهاينة سواء كانوا من اليمين ام من اليسار، وكلهم يفكرون بمصلحة كيان الاحتلال ولا يتوانون عن استعمال كل الأساليب المشروعة والممنوعة في محاربة الجانب العربي. وبما أن مصر حققت رغبات شارون وقدمت عزام عزام هدية مجانية له ومكافأة ثمينة على سياساته، فعليها إن كانت تطمح بدور سياسي في العملية السلمية ان تنتظر الرد الشاروني الآتي : بقي ان تعيدوا السفير حتى نستطيع إعطاءكم أي دور في العملية السياسية.. أي في "المذبحة" السلمية.

عزام عزام نام هانئا وهادئ البال في منزل ذويه لكن الآلاف من الأسرى العرب و عائلاتهم لم ينموا ليلة الإفراج عنه ..

نضـال حمد ـ اوسلـو
06-12-2004